العدد 35 - أردني
 

حسين أبو رمّان

مشروع قانون الجمعيات الجديد لم يأت مطوراً لقانون الجمعيات والهيئات الاجتماعية رقم 33 لسنة 1966 ساري المفعول، بل فرض مزيداً من القيود على عمل الجمعيات.

النائب علي الضلاعين عبّر عن هذا المناخ في ملاحظاته على إحدى مواد مشروع القانون، بقوله "اعتبر هذا تطفلاً من قبل الحكومة على أعمال الجمعيات الأهلية، يعيق عملها". وأضاف: لقد "أصبحت هذه الجمعيات وكأنها أقسام في دوائر حكومية ... لا يعقل أن تتدخل الحكومة في كل التفاصيل". وفي مكان آخر من المادة نفسها، شدّد على أن "هذه مادة كلها تطفل ".

زادت الطين بلّة، تعديلات أدخلها مجلس النواب على مشروع القانون، لم تذهب في اتجاه تطوير المشروع ودمقرطته، بل باتجاه مزيد من التشدد وتكريس القيود على حرية الجمعيات.

يتكرر في مداخلات نواب، التذرع بـ "السيادة" على نحو مبالغ به لتمرير تعديلات محافظة على مشاريع قوانين.

في مناقشات المادة 9، فقرة (أ) التي تحدد شروط ترخيص فرع لجمعية أجنبية في الأردن، وتحظر عليها "تحقيق أي أهداف سياسية"، اقترح النائب عبد الرؤوف الروابدة إضافة "أو دينية" بحيث تصبح الفقرة "تحقيق أي أهداف سياسية أو دينية"، منطلقاً من "أن الأصل هو سيادة هذا الوطن، وليس من حق غير الأردني أن يعمل في الشؤون السياسية أو الدينية في هذا الوطن، سواء منظمات حقوق إنسان أو غيرها".

الروابدة أشار إلى أن الجمعيات التي يجري الحديث عنها هي جمعيات غير أردنية، مسجلة في أميركا أو فرنسا أو بريطانيا، وقد يكون لها أهداف سياسية. وأضاف "لا نريد تبشيراً، ولا نريد تدخلاً في الوقت نفسه في شؤوننا السياسية".

الاقتراح الذي قدمه الروابدة، لم يكن بحاجة إلى تعبيرات من العيار الثقيل مثل "السيادة" لتبريره، إذ لم يكن من المتوقع أن يعارضه أحد، برغم أن حصر الحظر على نشاط الجمعيات الأجنبية في "تحقيق أهداف سياسية" يكفي، بحسب النائب محمود الخرابشة الذي رأى "أن الأهداف السياسية قد تكون مشمولة بها الأهداف الدينية".

السيادة الفعلية التي تمارسها الدولة الأردنية في هذه الحالة، تتجسد، بعنصرين اثنين فقط، هما: أولاً، التشريع. وثانياً، صلاحية الإدارة العامة في أن ترخص أو لا ترخص لجمعية اجنبية.

العبارة التي تحظر "تحقيق أي أهداف سياسية"، اقترح النائبان الإسلاميان محمد عقل وحمزة منصور، شطبها "حتى لا يكون ذلك مبرراً لاستثناء جمعيات متخصصة بقضايا حقوق الإنسان وحريات الرأي" من الترخيص.

نموذج آخر على الاستخدام المبالغ به لحجة "السيادة" وقع في أثناء مناقشة المادة 17، فقرة (ب) من مشروع القانون، والتي جاء في البند الأول منها "إذا رغبت الجمعية (الأردنية) الحصول على أي تبرع أو منحة أو تمويل مهما كانت صورته من أشخاص غير أردنيين، فيجب عليها تقديم طلب لأخذ موافقة الوزير المختص ...".

النائب خالد بكّار، كان أول من تحدث عن البند المشار إليه، فلفت الانتباه إلى الاختلاف بين هذا البند الذي يشترط موافقة الوزير من أجل حصول الجمعية على تبرع أو تمويل، وبين بند آخر لاحق (المادة 22، فقرة ج، بند 2) يشترط "موافقة مجلس الوزراء" على أي هبات أو تبرعات أو منح تتكون منها الموارد المالية لـ "صندوق دعم الجمعيات"، واقترح من باب التوحيد بين البندين أن يصبح نص البند الأول (فقرة ب، المادة 17) "إذا رغبت الجمعية الحصول على أي تبرع أو منحة أو تمويل مهما كانت صورته من أشخاص غير أردنيين، فيجب عليها تقديم طلب للوزارة المعنية للحصول على موافقة مجلس الوزراء".

النائب عبد الكريم الدغمي، نجح من جهته في وقت لاحق في "التسلل"، حسب الاصطلاح المشهور للنائب بسام حدادين، لعمل مداخلة من خلال طلب نقطة نظام. الدغمي قال "نقطة النظام تتعلق بأمر دستوري يتعلق بالسيادة. إحنا إذا بدنا نفلت هذه الجمعيات أو الهيئات على أنها تأخذ تبرعات من غير الأردنيين لمجرد موافقة الوزير مع الاحترام لكل وزير، هذا أمر يتعلق بالسيادة، والسيادة لمجلس الوزراء، وسياسة الدولة يقررها مجلس الوزراء ولا يقررها وزير لوحده مع الاحترام".

وأضاف "لذلك يجب أن يكون هذا المبدأ عاماً، ووضعنا في كل قوانيننا أن أي تبرع أجنبي حتى لو كان من شخص اعتباري أو طبيعي يجب أن يخضع لموافقة مجلس الوزراء، وهذه نقطة سيادية مئة بالمئة تتعلق بالسيادة. ولذلك يجب أن لا نجسُر على تحويل القوانين إلى قوانين شكلية، والإجراءات السيادية نحوّلها، ونجزئها، ونسطحها".

وشدّد على أنه "يجب أن تكون هناك موافقة من مجلس الوزراء على تبرع مثل هذا التبرع"، وانتهى الدغمي بتقديم اقتراح مماثل لاقتراح زميله البكار، نص على ".... تقديم طلب إلى الوزير المختص، والحصول على قرار من مجلس الوزراء".

وعلى صلة بالموضوع: فعند مناقشة الفقرة (ج) من المادة 9، والتي تحظر على فرع الجمعية الأجنبية جمع التبرعات أو الحصول على أي تمويل من داخل المملكة "إلا بموافقة الوزير المختص"، اقترح النائبان مفلح الخزاعلة وسليمان السعد، استبدال الفقرة الأخيرة لتصبح "إلا بموافقة مجلس الوزراء". حاجج ضد هذا الاقتراح النائب لعدة دورات والوزير السابق مفلح الرحيمي، قائلاً "الوزير هو جزء من مجلس الوزراء، فإذا أخذ الوزير القرار، فإن هذه هي مسؤوليته ضمن الوزارة، ولا يوجد مشكلة". وسقط اقتراح الخزاعلة والسعد.

لكن بعد أن صوتت أغلبية من النواب الحاضرين عند مناقشة المادة 17، لصالح اقتراح البكار- الدغمي، بربط التمويل الخارجي بمجلس الوزراء وليس بالوزير المختص، وافق المجلس في ختام مناقشة مشروع القانون على العودة إلى الفقرة السابقة، ليعتمد على المنوال ذاته، ربط حصول جمعية أجنبية على تبرعات أو تمويل من داخل الأردن بموافقة مجلس الوزراء وليس الوزير المختص.

تبرير إجراءات معينة بسيادة مجلس الوزراء، هو في جوهره خيار إداري يميل إلى "المركزية" الشديدة، علماً بأن هناك خيارات إدارية أخرى منها "اللامركزية" التي تشرك عدداً أكبر من القيادات الإدارية في تحمل المسؤولية.

ولئن كانت المركزية تناسب الوضع قبل عقود حينما كان الأردن بلداً صغيراً جداً، فإنها لم تعد مناسبة لظروف الأردن الحالية. فلم يعد مقبولاً أن ينشغل مجلس الوزراء وحتى الوزراء بغير القضايا الكبرى وقضايا السياسات. وما يحد من ترجمة هذا التوجه هو الذهنية البيروقراطية التي تتمسك بسلطة اتخاذ القرار، على حساب الإنتاجية والفاعلية.

إن قضايا التمويل الخارجي للجمعيات تنطوي على إشكالات، لذا هي بحاجة إلى محددات وضوابط، وأفضل الخيارات هو إصدار قانون، أو نظام، يحدد شروط التمويل، ثم تشكيل هيئة من شخصيات مشهود لها بالنزاهة، تمنح صلاحية التأكد من انطباق شروط التمويل على الطلبات المقدمة. بهذا يمكن تحرير طاقة مجلس الوزراء والوزراء لتصب في خدمة أولويات الشعب والوطن.

لا جديد في قانون الجمعيات يبرر إلغاء القديم : نواب استخدموا “فزاعة” السيادة لتمرير أفكار محافظة
 
17-Jul-2008
 
العدد 35