العدد 35 - بورتريه
 

محمود الريماوي

يصنف عبدالله العكايلة (63 عاماً) داخل صفوف الحركة الإسلامية على أنه من الرموز الإشكالية في الحركة. ويثور عنه انطباع بأنه "مشاغب". في واقع الأمر أن نزعة التجديد لدى الرجل، وخروجه عن خط سلفي غالب هو ما أثار حوله هذا الانطباع.

يصنفه إسلاميون على أنه من خط معتدل من رموزه التاريخية اسحق الفرحان، وعبداللطيف عربيات. وهو ما جعله يتبوأ منصباً وزارياً (وزارة التربية والتعليم) في حكومة مضر بدران في العام 1990 مع أربعة وزراء من الجماعة. وحين شكلت الجماعة ذراعها الحزبي جبهة العمل الإسلامي في العام 1992 كان في عداد قادة الحزب الجديد، دون أن تلوح فرصة تسنمه المركز الأول أو الثاني.

لم يلبث بعدئذ أن كرس خطه البراغماتي، في جملة مواقف سياسية وتصريحات صحفية تمحورت حول ضرورة مشاركة الحركة الإسلامية في السلطة التنفيذية.

في العام 1996 وكما يذكر زياد أبو غنيمة في كتابه "الوزراء الحزبيون على خارطة الحكومات الأردنية" وقع أول اشكال بين العكايلة وحزب الجبهة لغيابه عن جلسة التصويت على الثقة على حكومة عبد الكريم الكباريتي، رغم أنه كان خارج البلاد في السودان بدعوة رسمية. مع ذلك، فإن "الانضباط الحديدي" في الحزب جمد عضويته الحزبية لتسعة أشهر.

بين غيره من رموز الحركة، تمتع العكايلة بوزن شعبي لعله أكبر من وزنه التنظيمي ومن نفوذه داخل أوساط الحركة. فقد نجح في الانتخابات النيابية لثلاث مرات منذ الانتخابات التكميلية في العام 1984 والدورتين اللاحقتين. وهو ما جعله يتحرك باعتبار أن الحياة لا تبدأ ولا تنتهي في صفوف الحركة، ما ولّد لديه نزعة استقلالية، مع تمسكه الدائم بخط الإسلام السياسي.

التجميد المؤقت لعضويته وطّد لديه هذه النزعة. ففي أواخر ذلك العام، وكانت فترة "عقوبته" قد انقضت، دعا الى المشاركة في الحكومات وتجنب العزلة، وحذّر من انهيار الحركة، وذلك في مقابلة أجرتها معه مجلة "العمل الإسلامي" التي كانت تنطق باسم جبهة العمل. تلك الفترة كانت شهدت توقيع المعاهدة الأردنية الإسرائيلية، وسريان الصوت الواحد في قانون الانتخابات. وقد وصف من يعارضون المشاركة في ظل وجود معاهدة السلام بأنهم" ينطلقون من منطلقات نفسية ولا يحتكمون الى معايير سياسية وعقلانية".

بهذا كان العكايلة "مشاغباً" حزبياً، لكنه في المعايير السياسية يصنف وما زال في صفوف المعتدلين. فمن حق من شاء معارضة المعاهدة، وفيها ما يستحق المعارضة، لكن من الواجب التقدم نحو المشاركة، وتفادي اتخاذ موقف قد يفسر على أنه مقاطعة.. للدولة. وهو في ذلك سار على درب زملاء له منهم بسام العموش، وعبدالرحيم العكور وآخرون.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين عقدت مطلع العام 1997 ندوة داخلية للحوار بشأن مسألة المشاركة في الحكومة. وبرز تيار قوي في أوساط نواب جبهة العمل تزعمه العكايلة الذي قدم ورقة عمل على جانب من الأهمية، دافع فيها عن أن المشاركة في الحكومة تنقل الحركة الإسلامية من دائرة الشعارات والبيانات إلى دائرة القرارات والممارسات، وأن مستقبل الحركة مرهون بمدى القدرة على تجاوز المنهج التقليدي إلى المنهج التجديدي.

يستذكر كثيرون أنه حافظ على الخط الديني للتعليم في أثناء تقلده لحقيبة التربية، ولم يكن بذلك خارجاً عن خط الجماعة، بل تقيد بهذا الخط وكان متشدداً به، وهو من أكمل دراسته العليا في الإدارة العامة في الولايات المتحدة العام 1982.

والتزم بالخط ذاته في أدائه النيابي. بما يدلل ليس على اعتدال "مفرط" لديه، بل على جمود يكاد يكون "مفرطاً" لدى الجماعة وحزبها. ولعل مشاركته في لجنة وضع وصياغة "الميثاق الوطني" التي أرست التعددية وقننت التحول الديمقراطي، هي ما ولدت لديه نزعة الانفتاح على الآخرين في القوى والتيارات السياسية والفكرية، دون مغادرة خط الإسلام السياسي، ودون التخلي عن قدر من الحدة في طبعه والتمترس حول الذات.

العام 1997 شهد الطلاق بين العكايلة والحزب، وذلك على خلفية المشاركة في انتخابات ذلك العام. فقد دعا المكتب التنفيذي للمقاطعة بما في ذلك الامتناع عن دعم اي مرشح آخر (المشاركة في الدعاية الانتخابية له). من المفارقات أنه لم يشارك بعدئذ في الحكومات، أو أن الفرصة لم تتح له.

العكايلة ما زال يقدم نفسه باعتباره ابن الحركة الإسلامية، وخريج مدرسة الإخوان المسلمين.

الحركة التي جمدت عضويته لأكثر من مرة، ومنها على قاعدة المشاركة في الانتخابات النيابية، هي نفسها الحركة التي عادت للمشاركة في الانتخابات الأخيرة، ولم تعتذر لمن اتخذ مثل هذا الموقف من قبل وجرت مؤاخذته عليه بشدة. وهذا هو حال حياتنا السياسية التي قلما تشهد ظاهرة النقد الذاتي، والتصويب الذاتي العلني..تتساوى في ذلك الحكومات مع القوى السياسية، الموالاة مع المعارضة.

لم يشارك العكايلة في تيارات إسلامية اخرى مثل حزب الوسط أوحركة دعاء، ولم ينشىء مع غيره تياراً إسلامياً سياسياً. ولم تعرف لديه على نطاق واسع كتابات تنحو الى التجديد وإعادة النظر في مسلمات سياسية وتنظيمية، أو في ظواهر طغت مثل ظاهرة الغلو والتكفير، بما يجعل الحياة العامة تفتقر الى مبادرات أصحاب الرأي والتجربة، وبما ينشط الحراك الفكري داخل الحركة الإسلامية وخارجها، وبخاصة أن العكايلة يتمتع بكاريزما شعبية بما يؤهله لنفوذ سياسي أكبر، وإن كان يلتمس النفوذ المعنوي داخل قاعدته التقليدية وبيئته الاجتماعية الأولى وليس في الفضاء الوطني العام. وقد ثارت ضده قبل أيام "نقمة" غير مشروعة وغير مفهومة باعتداء شبه جماعي على منزله في الجبيهة، وذلك على خلفية شغب في مسقط رأسه في الطفيلة رافق حفل تخريج طلبة جامعة الطفيلة التقنية. وقد سلم من هذا الاعتداء المشين.

عبدالله العكايلة: المعتدل يُنعت بالشغب والخروج
 
17-Jul-2008
 
العدد 35