العدد 34 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

تحذيرات صندوق النقد والبنك الدوليين من اندلاع أزمات مالية في مناطق مختلفة من العالم جراء ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، تمس الأردن مباشرة، لا سيما ما يتعلق بعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

التحذيرات والمخاوف الصادرة عن المؤسسة الأممية تطال المملكة، كونها دولة غير منتجة للنفط ومستوردة لكثير من المواد الغذائية، إذ يتوقع أن تصل فاتورة المملكة النفطية إلى 3 بلايين دينار نهاية العام الجاري، أي بزيادة مقدارها بليون دينار عن العام الماضي.

وأفادت المؤسسة في واشنطن بأن «بقاء الأسعار لفترة طويلة على المستوى الحالي أو بمحاذاته، سيولد عواقب خطيرة على ميزان المدفوعات في دول كثيرة.» وأضافت «أن التضخم يرتفع، ما يطال الفقراء، ويهدد الميزانيات.»

ويبدو خطر الأزمة أكبر نظرا إلى «إن ارتفاع الأسعار الغذائية سيستغرق المزيد من الوقت ليتراجع، بسبب الزيادات المرتقبة في إنتاج الوقود الحيوي، ومواصلة النمو الحاد في الاقتصادات الناشئة والنامية، وأثار أسعار النفط على مستويات الحياة.» بحسب التقييم الأولي للصندوق لعواقب ارتفاع أسعار النفط والأغذية على الاقتصاد الكلي.

وتقضي مهمة الصندوق الأولى في تجنب حدوث الأزمات في موازين المدفوعات، حيث لفت بشكل خاص إلى أن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى «آثار حادة» في 81 دولة فقيرة أو ذات عائدات متوسطة.

وأشار الصندوق في نصف الدول التي شملها تقريره، إلى أن ارتفاع الأسعار طال الميزانيات بشكل كبير، وكلف حوالي 0.6بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي.

بدوره، أكد مدير البنك الدولي روبرت زوليك أن ارتفاع أسعار الوقود والغذاء دفع الدول الأشد فقرا في العالم إلى «منطقة الخطر».

وقال زوليك قبل انطلاق قمة مجموعة الدول الثماني الكبرى في اليابان إن المطلوب حاليا 10 بلايين دولار لمواجهة النقص الحالي في الغذاء بالدول الأشد فقراً وحث الدول الثماني الكبرى على تكثيف جهودها في تقديم المساعدات لهذه الدول.

وأضاف زوليك في رسالة وجهها إلى رئيس الوزراء الياباني ياسو فوكودا «إن ما نراه اليوم ليس كارثة طبيعية ولكنها كارثة من صنع البشر، لذلك على البشر علاجها».

وأشار البنك الدولي إلى أن النمو الاقتصادي في أكثر من 40 دولة من دول العالم تضرر من ارتفاع أسعار الوقود والغذاء خلال العام المالي في حين واجهت نحو 30 دولة اضطرابات اجتماعية للسبب نفسه.

وقال إن هذه الأرقام تؤكد أن العالم دخل «منطقة الخطر».

مدير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) جاك ضيوف يتفق مع مخاوف المؤسستين الدوليتين، إذ يرى أن العالم يحتاج إلى توفير 30 بليون دولار سنوياً لمواجهة أزمة نقص الغذاء في العالم حتى العام 2050.

وفي تداولات نهاية الاسبوع، تراجعت أسعار النفط الخام مبتعدة عن المستوى القياسي الذي سجلته قرب 146 دولاراً للبرميل أول أمس. وهبط الخام الأميركي الخفيف إلى 143.96 دولار. كما انخفض مزيج برنت إلى 145.08 دولار للبرميل.

ومنذ بداية العام الحالي ارتفع الخام الأميركي أكثر من 50بالمئة . وكان المستثمرون أقبلوا على شراء النفط قبل عطلة عيد الاستقلال، وسط مخاوف من تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل.

وارتفعت أسعار النفط نحو 13بالمئة منذ مطلع حزيران (يونيو) الماضي وسط مخاوف بشأن التوتر في الشرق الأوسط وشح الإمدادات وإقبال على الشراء تحوطا من التضخم وتراجع قيمة الدولار.

وفي هذه المرحلة يعيش الأردن ظروفاً صعبة كون اقتصاده يعتمد على المستوردات، إذ ينذر انخفاض قيمة احتياطي المملكة من العملة الصعبة، بالتزامن مع تراجع قيمة الدولار الذي يشكل 80 بالمئة من احتياطي الأردن، بإضعاف قدرات المملكة على تغطية فاتورة المستوردات.

فبعد أن كان الاحتياطي يكفي لتغطية المستوردات مدة ستة أشهر باتت لا تكفي إلا لمدة ثلاثة أشهر و20 يوماً نتيجة ارتفاع كلف المستوردات.

كما ينذر تراجع قيمة الاحتياطي بتداعيات سلبية لهذا الانخفاض على الاقتصاد الوطني، لا سيما أن صندوق النقد الدولي حدد مدة ثلاثة أشهر حداً أدنى للمستوى الآمن من هذه العملات وقدرتها على تغطية البضائع والخدمات المستوردة.

بلغت احتياطيات الأردن من العملة الصعبة سبعة مليارات دولار قبل اتفاقية إعادة الشراء التي تهدف لخفض الدين الخارجي العام نحو عشرة بالمئة، وانخفضت إلى 4.9 مليار دولار ثم عاوت الارتفاع لتصل 5.7 مليار دولار بزيادة مقدارها 800 مليون دولار.

كذلك يشير استمرار تراجع سعر الدولار أمام العملات الرئيسية إلى أن الاحتياطي سيتراجع هو الآخر، الأمر الذي يعني تقليص مدة التغطية أكثر مما هو حاصل الآن، وهي مدة قريبة من حد الخطر التي حددها صندوق النقد. تشير البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة إلى ارتفاع قيمة الصادرات الوطنية خلال الربع الأول من عام 2008 بنسبة مقدارها 11.5 بالمئة والمعاد تصديره بنسبة 65 بالمئة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2007، وفي المقابل ارتفعت قيمة المستوردات بنسبة 38.4 بالمئة خلال الربع الأول من عام 2008.

أما العجز في الميزان التجاري والذي يمثل الفرق الناتج عن طرح قيمة المستوردات من قيمة إجمالي الصادرات الكلية،  فقد ارتفع خلال الربع الأول من عام 2008 بنسبة مقدارها 53.4 بالمئة عما كان عليه خلال الفترة ذاتها من عام 2007، وبذلك تصل نسبة تغطيه الصادرات للمستوردات إلى 40.8 بالمئة خلال الربع الأول من عام 2008

تدفق الاستثمار أيضاً يعد أحد مكونات الاحتياطي أيضاً، وبخاصة أن السياسات الحكومية تركز على قوة التدفقات الرأسمالية على البلاد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة، الأمر الذي ساعد في تعويض تراجع الاحتياطيات.

كما توفر احتياطياً مناسباً يساعد أي اقتصاد على التعاطي مع التغيرات الطارئة على وضع الاقتصاد العالمي، أو سحب المستثمرين الأجانب لجزء كبير من استثماراتهم.

الحلول ليست سهلة ومتاحة بل إن تجاوز هذه المرحلة العصيبة يتطلب وضع سياسة إنفاق عقلانية تركز على الأساسيات بعيدا عن الإنفاق غير المبرر كسبيل لضبط النفقات وتوفير ما يمكن توفيره من سيولة لتغطية فاتورة المستوردات.

الأردن ضحية محتملة للأزمات الاقتصادية الدولية والسياسات المحلية
 
10-Jul-2008
 
العدد 34