العدد 6 - أردني
 

فوجئت الأوساط السياسية والصحفية في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2003، لدى تشكيل مجلس الأعيان العشرين بدخولٍ غير متوقع لأعضاء جدد مثل الزميلين طارق مصاروة وجهاد المومني والفنان نبيل المشيني وآخرين. فقد أثار هذا النسق الجديد في عضوية مجلس الأعيان، تساؤلاً حول انطباق القاعدة الدستورية على هذه العضوية. ومع ذلك أثار الاختيار ارتياحاً لأنه واءم بين معايير دستورية وتطلعات للإصلاح والتجديد.

التساؤل نفسه برز إلى السطح مؤخراً مع تشكيل مجلس الأعيان الحادي والعشرين أواخر الشهر الفائت، والذي اشتمل على عضوية عدد من موظفي الدولة والنواب السابقين ممن لا تنطبق عليهم المسطرة الدستورية بشكل مباشر لا لبس فيه. فالدستور يشترط بوضوح في المادة 64 أن يكون عضو مجلس الأعيان من إحدى الطبقات الآتية:

“رؤساء الوزراء والوزراء الحاليون والسابقون ومن أشغل سابقاً مناصب السفراء والوزراء المفوضين ورؤساء مجلس النواب ورؤساء وقضاة محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف النظامية والشرعية والضباط المتقاعدون من رتبة أمير لواء فصاعداً والنواب السابقون الذين انتخبوا للنيابة لا أقل من مرتين ومن ماثل هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن”.

بالنظر إلى عضوية مجلس الملك الجديد، نجد أنه يضم 7 رؤساء وزراء سابقين، و22 وزيراً سابقاً أحدهم شغل منصب رئيس ديوان ملكي، ومن ضمن هؤلاء 3 وزيرات سابقات. هناك أيضاً 8 من العسكريين المتقاعدين من رتبة أمير لواء فصاعداً، اثنان منهم شغلا منصب مدير الخدمات الطبية الملكية، واثنان حصّلا على رتبة فريق ومشير.

القطاع الخاص من جهته ممثل من خلال 3 فعاليات اقتصادية، تنتمي إلى قطاعي البنوك والكهرباء وغرفة تجارة الأردن. وقطاع المرأة ممثل بأربع نساء أخريات من الناشطات والقيادات في المجتمع المدني، ثلاث منهن سبق أن خضن الانتخابات النيابية في الفترة 1993- 2003، ولم يحالفهن الحظ.

أما الباقون، ففيما عدا المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، وسفير وقاض سابقين، فهم من موظفي الدولة أو نواب سابقين، ويعادل عددهم حوالي 15% من عضوية الأعيان. إن اكتساب هذا العدد من الشخصيات عضوية الأعيان لا يجد له سنداً في المادة الدستورية رقم 64 مثلاً، إلا إذا افترضنا أن الفقرة التي تقول “ومن ماثل هؤلاء من الشخصيات الحائزين على ثقة الشعب واعتماده بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن”، تنطبق عليهم، ولئن كان الوضع كذلك، فإن هذا يعدّ توسعاً في الاجتهاد لا يبقي معنى للتحديدات السابقة.

فإذا افترضنا أن هذه العبارة تنطبق على عضو سابق في مجلس النواب، فإن الدستور يوافقنا على ذلك، لكنه يشترط النيابة لمرتين على الأقل. وإذا افترضنا أن العبارة تنطبق على الضباط المتقاعدين، فإن الدستور يوافقنا على ذلك لكنه يشترط أن يحملوا رتبة أمير لواء فصاعداً، وهكذا. فما الحكمة إذاً من الدخول إلى هذه المساحة الرمادية التي لم تكن مألوفة قبل عام 2003.

لهذا تطرح هذه التعيينات تساؤلات إضافية حول دوافع التنسيب لمثل هذه العضوية: هل تعكس وجود وشائج من نوع خاص، مثل القرابة أو النسب أو الصداقة مع بعض المتنفذين في هذا الموقع أو ذاك، أم هي مجرد مصادفة لترجمة بعض حسابات التمثيل الجغرافي والعائلي؟ لو اقتصرت هذه التعيينات على الأعيان، لهان الأمر، لكن ما يقلق المواطنين أن هناك تعيينات متزايدة لوزراء قد لا تنقصهم الكفاءة لكن تعيينهم جاء أساساً لأنهم أبناء وزراء سابقين أو أنهم من عائلات بعينها. وهكذا بدل أن يبقى تجديد النخب مفتوحاً لاستبعاب الكفاءات المتميزة في كل موقع على قاعدة تكافؤ الفرص، فإن الدائرة تبقى إلى حد ما مغلقة، وهذا يطفىء طموح الأردنيين المشروع، حتى وإن كان مبالغاً به، إلى تبوؤ المناصب القيادية في الدولة.

فيما تبقى هناك مقولة على جانب من الأهمية، وهي أن مجلس الملك لا بد أن يحمل حكماً الرؤية الملكية الإصلاحية كي يكتسب صفته هذه. فخلافاً لمجلس النواب الذي يختاره الناس حسب قناعاتهم وضغوط البيئة الاجتماعية عليهم، فإن مجلس الأعيان يوفر فرصة لاختيار ذوي الكفاءات من أصحاب الرؤى الإصلاحية من ذكور وإناث، وبما ينسجم مع المعايير الدستورية. ولهذا يتطلع الأردنيون لرؤية شخصيات ذات تميز علمي وثقافي وفي العمل العام السياسي وغير السياسي، لا أن تنتقل ضغوط البيئة التقليدية والمعايير غير الموضوعية أحياناً إلى التنسيب باختيار الأعيان.

لقد كان أمراً جيداً ومقدراً أن يتم اختيار سبع نساء في المجلس الجديد مثله مثل المجلس السابق، لكن من المهم الحرص على أن يكن إصلاحيات. وكان الأمل استكمال هذه السنّة باختيار شخصيات سياسية من الأمناء العامين للأحزاب وقيادات فكرية ومثقفين ومبدعين على أن يكونوا في الوقت نفسه من الإصلاحيين.

حتى لا تتسرب ضغوط البيئة التقليدية إلى تشكيلة الأعيان – حسين أبو رمان
 
13-Dec-2007
 
العدد 6