العدد 34 - اقليمي
 

تحسين يقين

رام الله - بمناسبة التاسع من تموز، وقرار محكمة لاهاي الذي اعتبر جدار الفصل العنصري باطلا وغير شرعي، تعد زيارة قرية بلعين مكانا لتأمل الجدار، وملاحظة خصوصية هذه القرية المشهورة.

حين كنت متوجهاً صوب قرى غرب رام الله ابتداءً من عين عريك، ثم دير ابزيع، ثم كفر نعمة، ثم بلعين وصفا وبيت عور، مررت ببيوت القرويين وكروم الزيتون والطرقات. كان كل ما في المكان يدل على الانسجام؛ أنوية القرى القديمة بمعمارها المحلي المعروف ومساجدها ومآذنها وقبابها وأديرتها، وامتداد القرى الحديثة بمعمارها المعاصر، فليس هناك كبير فرق، كان الانسجام قوياً بين الطابعين كون الامتداد الحديث نابعاً من روح المكان، وهو، أي المعمار المعاصر، مقدم بشكل يتفق وروح القرويين، من حيث البيئة، وقرب البيوت من الكروم والمزارع والشجر.

حين كنت أتأمل القرى ببيوتها وأشجارها، طالعتني من بعيد عمارات بيضاء بدت كمدينة ساحرة قرأنا عنها في قصص الأطفال والرسوم المتحركة. عمارات بارتفاعات ظاهرة عصرية جداً ذات أسلوب غربي، كأنها أوروبا أو أمريكا كما نشاهدها في الأفلام.

بدت المدن مقابلنا إلى الغرب صادمة لنا، فلم نكن نتوقع أن يكون القرب الاستيطاني من بيوت بلعين إلى هذه الدرجة.

إذاً، هذه هي القرية الأشهر إعلاميا، بما ينشره الإعلام أسبوعيا عن مسيرتها الاحتجاجية السلمية أسبوعيا، حيث تنطلق المسيرة بعد صلاة الجمعة ويشترك فيها أهالي البلدة والمتضامنون معهم على اختلاف جنسياتهم.

لكن الأهالي يريدون من الشهرة عودة الحقوق، وعودة الأرض المصادرة.

قرية صغيرة وادعة، بضعة أطفال يلعبون «القلول» وهي لعبة كرات زجاج ملونة، هذا بيت مزين بسبب منسبة ما، هذه غرفة صغيرة كتب عليها مقر حركة فتح في القرية، دكاكين صغيرة، شارع صغير ضيق، مسجد، وأشجار كثيرة، وكروم واسعة وآثار ملصقات صور للمرشحين للمجلس التشريعي الأخير.

بالنسبة لبلعين كمركز للنشاطات السلمية ضد إقامة الجدار، وكقرية مسالمة لها فضاء جميل من الشجر، فإن مشهدها دفع كتابا إسرائيليين للكتابة حول البناء غير الشرعي وغير القانوني «لإقرار حقائق على الأرض».

إنها بنية تحتية حيث يمكن مشاهدة سرقة الأراضي لمنحها للمستوطنين. سرقة علنية، استيطان غير شرعي على أرض محتلة، كذب مضاعف حول الحجج الأمنية.

أسخر من المدن الساحرة التي تقام نتيجة الأوهام، وأود لو أعود لأطفال بلعين لألعب معهم بتلك الكرات الزجاجية الملونة. أحس أنهم أكثر حقيقة من الاسمنت الذي ارتفع أمامي.

كانت كروم زيتون بلعين تفضح بسهولة سياسة التقسيم الجديدة، التي تعيدنا إلى القضية الفلسطينية لقد انقسمت الكروم الى قسمين؛ شرقي للقرويين وغربي لأصحاب المدن الساحرة الذين لم يجدوا مكانا يستوطنون فيه إلا على أرض الآخرين؟!

هنا بيوت جديدة قليلة حيث يمنع الاحتلال الناس هنا من البناء غير المرخص بحجة الهيكلية التنظيمية، يمنع الاحتلال مواطنا بلعينيا من البناء على أرضه بيتا لابنه المتزوج حديثا فيما تصادر حكومة الاحتلال أرضه كي تبني عليها مدينة للمستوطنين اليهود.

هلل الكثيرون لقرار محكمة إسرائيلية طالبت بتغيير مسار الجدار في بلعين. كان هذا قبل عام.

إلا أن هؤلاء للأسف لم ينتبهوا إلى أمر مهم، وهو أن القرار غير المكان ولم يزل الجدار غير الشرعي، ما يعني نوعا من إضفاء الشرعية على المسار الجديد بقبول ضمني لمساره.

المواطنون إنما يقارنون السيء والأسوأ، وهم معذورون، فليس هناك من يلزم إسرائيل المحتلة بإزالة تعدياتها المخالفة للقانون الدولي.

في حديثنا مع المحامين من بينهم محمد الدحلة وأسامة الحلبي، وآخرون، وفي تصريحاتهم الصحفية على مدار 4 سنوات، استطعنا التعرف منهم على الكيفية التي أدارت بها سلطات الاحتلال قضية الجدار غير الشرعي:

لا شك أن الوضع القانوني الذي أجبر الاحتلال الفلسطينيين على أن يكونوا به صعب ومعقد، فقضايا الجدار قد تكون خاصة بأفراد مزارعين أو قرية كاملة، وبالتالي فإن كلا النوعين: الأفراد والمجموعات، يجب من الناحية القانونية التوجه لدفاع عنهم بإجراءات قضاء الاحتلال الإسرائيلي.

كان يبلّغ المزارع أو صاحب الأرض أو رئيس القرية بأن هناك مساراً للجدار سيمر من هذا المكان أو ذاك، حيث تسلم قوات الاحتلال المعني نسخة من الأمر مع خريطة مصغرة مقاييس 1-25 ألف، يصعب جدا تحديد حقيقة الضرر بمجرد النظر لها.

فيما يتعلق بالوقت المحدد للرد القانوني على هذا القرار، كان الاحتلال يعطي المواطن الفلسطيني 7 أيام فقط للاستئناف ضد القرار فكانوا يرتبكون ويغوصون في الأوراق مع المحامين.

لم يجد القرويون سوى هامش ضئيل من العدل الإسرائيلي للتمثيل بأن دولة الاحتلال عادلة! كيف أن الإدارة المدنية التي يجب أن يلجأ لها الفلسطيني هي ذاتها التي أصدرت الأمر؟ وفوق ذلك يجب أن يكون الحال، بأنه ليس اعتراضا كما يعرف في قوانين العالم بل مجرد «إعادة نظر»، وفي حالة الاستجابة لـ«إعادة النظر» فقط من حيث بعد الجدار عن الأرض أو البيت، ينتقل للخطوة الثانية مع محكمة الاحتلال العليا.

معروف أن اللجوء لهذه المحكمة غير مجد بالمفهوم الجوهري، لأنه لا إمكانية لإلغاء الجدار، وهذا ما تأكد منه بعد صدور القرار الدولي عام 2004 ليؤكد أن الجدار «غير قانوني، ودلالة ذلك أن القرارات التي صدرت عن هذه المحكمة لصالح الفلسطينيين كانت قليلة ومحدودة، خصوصا في منطقة القدس، حين تم إلغاء عدة كيلومترات في منطقة شمال القدس كما قال أسامة الحلبي، أي أن ما تم كان إلغاء للمسار العيني للجدار، وليست إلغاء صلاحية القائد العسكري الإسرائيلي بإلغاء الجدار، فقد أكدت المحكمة الظالمة على صلاحية القائد العسكري بإقامة الجدار. وكان ما كان، وكيف أصبحت مشكلة الفلسطينيين مع القضاء الإسرائيلي أين يتم وضع المسار لهذا الجدار وليس مدى شرعية إقامته!!

استخدم الأهالي بمشاركة المتضامنين الأجانب عدة طرق للاحتجاج على بناء الجدار، خصوصا في المناسبات الوطنية، ومناسبة إعلان محكمة لاهاي، حيث استخدم الفن واللعب والوسائل الاجتماعية وتوظيفها لخدمة قضية الأهالي العادلة. فقد تحدث لنا عبد الله أبو رحمة منسق لجنة مقاومة جدار الفصل العنصري في القرية عن عدة وسائل.

من هذه الوسائل: الغناء ... وهو طريقة بلعين الجديدة للتصدي لجدار الفصل العنصري الغناء والعزف ... هما طريقة بلعين الجديدة للتصدي لجدار الفصل العنصري، فقد قام مغنٍ أميركي وعازف هولندي، بالغناء ضد جدار الفصل العنصري في القرية.

في القدم.. اعتاد سكان إقليم الباسك، الواقع شمال إسبانيا، النزول من أعالي الجبال مع انتهاء فصل الشتاء، حاملين أذناب الخيول ليضربوا الأرض بأقدامهم ويسمعوا العالم صوت أجراسهم، كي يطردوا الأرواح الشريرة التي تسكن الأرض.

أعاد عشرة موسيقيين باسكيين صياغة هذا المشهد في قرية بلعين في الصيف الماضي،

أصوات الأجراس التي دوت في موقع الاحتجاج امتزجت بهتافات مئات المواطنين والمتضامنين الإسرائيليين والدوليين الذين توحدوا تحت راية العلم الفلسطيني، فيما لوح أعضاء الفرقة الباسكية بأذناب الخيول أملاً في طرد روح الاحتلال الشريرة في بلعين وباقي الأراضي الفلسطينية.

قرية مغمورة عرفت بمقاومة الجدار.. بلعين الفلسطينية: خذوا الشهرة وأعيدوا لنا الأرض
 
10-Jul-2008
 
العدد 34