العدد 32 - ثقافي
 

رسمي أبو علي

تحفل الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية في هذه الأيام بعدد لا يحصى من المقالات التي تتحدث عن يوسف شاهين، القابع الآن بين الموت والحياة نازف الدماغ في المستشفى الأميركي في باريس.

يمكن اعتبار هذه المقالات نوعاً من الرثاء المبكر لرجل السينما الكبير والذي تفيد التقارير الواردة عن صحته بأن فرصته في النجاة ضئيلة.

إلاّ إذا فاجأ (جو) محبيه بمعجزة تحدث فتعيده إلى الحياة، وكم سيكون ممتعاً أن نستمع إليه متحدثاً عن موته بلهجته اللاذعة التي لا تحدها حدود.

أما يوسف شاهين فإنني أفكر به منذ بعض الوقت كأحد رموز التنوير العربي القادم من خلفية مسيحية عربية –، وهو بهذه يقترب من الراحل إدوارد سعيد الذي لعب دوره كمثقف كبير، وهو الدور الذي لعبه مع بعض التفاوت يوسف شاهين والذي حظى بتقدير وتكريم جهات أوروبية وأميركية ذات شأن كبير.

إدوارد سعيد استخدم موقعه كأستاذ جامعي و مثقف كبير لينقل رؤاه إلى العالم، ويوسف شاهين استخدم السينما أداة للتعبير عن الذات والآخر في أفلام عديدة.. "اسكندرية ليه، اسكندرية كمان وكمان.." ثم انتهى إلى أن يكون شاهداً مصرياً منحازاً إلى جانب الشعب، مندداً بالفساد مبشراً بالانتفاضة والثورة، وبخاصة في فيلمه الأخير – هي فوضى – والفيلم اللاحق (حين ميسرة) اللذين أنجزهما بمساعدة زميله المخرج خالد يوسف.

في واقع الأمر إن هذين الفيلمين يأتيان استمراراً لوقفات عديدة ليوسف شاهين في فيلم "الأرض" وفيلم "العصفور"، التي عكست المزاج الثوري ليوسف شاهين وانحيازه إلى الشعب ومطالبه العادلة.

إن يوسف شاهين هو رجل سينما حقيقي، فهو لم يتوقف خلال ستين سنة عن صناعة الأفلام، بدءاً من فيلم " بابا أمين" باكورة أفلامه في الخمسينيات – لقد أنجز أكثر من أربعين فيلماً بعضها لغايات عملية تجارية وبعضها – بعد أن كرس نفسه راوياً لسيرته الذاتية وبخاصة طفولته في الاسكندرية حيث ولد لأب محامٍ من أصل شامي هو جبريل شاهين، الذي لم يكن ثرياً ولكنه أمن لأسرته وأبنائه أفضل مستويات الحياة والتعليم.

شخصياً لم أشاهد الكثير من أفلام شاهين.. أذكر - مثلاً – فيلم جميلة – وهو عن المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد وما أزال أذكر أنه كان فيلماً قوياً ومؤثراً.

وأذكر بقوة فيلم – باب الحديد – الذي لعب فيه يوسف شاهين دور بائع الجرائد الأعرج الذي يقع في حب إمرأة مغرية تعمل بائعة للكازوز في المحطة.

أذكر فيلم "العصفور" أيضاً وأذكر نهايته عندما أطلق أحدهم العصفور من القفص كإشارة إلى نشدان الحرية، وضرورة العمل بروحها بعد هزيمة حزيران – وأذكر أيضاً فيلمه عن حملة بونابرت إلى مصر، وهو تحفة سينمائية في طريقة التصوير عندما أظهر الثورة ضد الفرنسيين من ست زوايا متوازية الأحداث في وقت واحد

شاهدت أيضاً اسكندرية كمان وكمان ولم أستطع إكماله وهو الفيلم الذي يظهر فيه النجم حسين فهمي أصلع بملابس فرعونية، أحسست أن شاهين يذهب بعيداً في عالم الرموز إلى درجة الابهام.

على إن المشاهد يزعجه أسلوب شاهين المتحذلق، النزق، الذي يثير الأعصاب دون مبررأحياناً... وكذلك إصراره على إظهار الجانب المثلي في شخصيته عن طريق البحث عن شباب جميلي الجسد والمظهر كان يختارهم في أفلامه باعتبارهم وجوهاً جديدة.

لكن يمكن التغاضي عن ذلك ونحن نتناول إنتاجاً فنياً، وكذلك نزق الأسلوب – إذ إن شاهين كان نزقاً مزاجياً حاداً، وفي كل الحالات فإنه ظاهرة سينمائية ثقافية شكلت جزءاً هاماً من جسر الحوارات مع الغرب، وهو بهذا يستحق كل الاحترام والتقدير.

يوسف شاهين أمام امتحان عسير: رديف إدوارد سعيد في بناء جسور الحوار
 
26-Jun-2008
 
العدد 32