العدد 5 - اجتماعي
 

احتمى بعربة من الصفيح على قارعة طريق من غدر الأهل وتجاهل المجتمع. كان يقتات على بقايا قمامة، ويلتحف بعضها لتقيه زمهرير الشتاء في الليالي الموحشة.

ظنّ أنه في مأمن من الأذى والعنف بعيداً عن بني جنسه. لكن ظنون عمر خدعته، إذ لاقى حتفه حين دهمت سيارة «مهجعه» داخل حاوية القمامة في أحد أحياء صويلح.

قصّة عمر، ذي الثانية عشر ربيعاً، تختزل مآسي أطفال الشوارع في بلد يشكّل الشباب أكثر من ثلث عدد سكانه، ويفتخر بانتشار شبكات تكافل اجتماعي وأمان مجتمعي.

لم يكن يظهر من عمر، طفل الحاوية، سوى وجهه حين ارتطمت السيارة ب»ملجئه» الاختياري. لم يعرف مصيره المأساوي إلا بعد أن تجمهر سكان الحي لينبهّوا السائق إلى أن الحاوية تحوي فتى دائم التردد عليها.

ربما كان قد أسكت «قرقعة بطنه الجائع بطعام وجده بين الزبالة.. ربما كان يحلم بعائلته... بأبيه الذي “تخلّى عنه إلى مبرّة أم الحسين”، بحسب السجلات الرسمية.

حادث الحاوية كشف مأساة فتى تأرجحت حياته القصيرة بين صدود الأهل واستضافة مؤقتة في مبرة غاب عنها ثلاثة أيام قبل أن يلقى حتفه.

عمر مات في صويلح وحيداً، ودفن قرب مسكن عائلته في محافظة الزرقاء. دفن معه لغز وجوده في صويلح بعيداً عن مكان إقامته ومنزل ذويه.

كان الفتى غادر مبرة أم الحسين كأي من أقرانه في إجازة يوم الخميس بعد انتهاء الدوام المدرسي. وكان من المفترض أن يقصد منزل خالته الذي اعتاد الذهاب إليه في الزرقاء. إلا أنه لم يصلها. المبرّة تؤكد أنها أبلغت عن اختفاء عمر يوم الأحد بعد يوم واحد من موعد عودته المفترض، على ما يؤكد أمين عام وزارة التنمية حسين أبو الرز. عائلته لم تبلغ عن غيابه المطول.

ضحية تفكك أسري

تفيد سجلات “أم الحسين” بأن والد عمر مقترن بثلاث نساء. والدة عمر متوفية، والثانية مطلقة والثالثة ما تزال على ذمته.

وحده الوالد المشغول بزيجاته تعرف على جثة عمر بعد يوم من نشر صورته في الصحف اليومية.

موظفو المبرة لم يتمكنوا من تحديد هوية الفتى، لأن ملامح وجهه لم تكن واضحة بفعل الحادث، يقول أبو الرز.

أختصاصي الطب الشرعي عماد العبدللات، الذي شرّح الجثّة، أرجع سبب الوفاة “إلى إصابات دماغية متعددة”. ولم تظهر عليها أي علامات شدّة أو عنف.

عمر غادر الحياة قبل أن يكمل الصف السادس. علاماته في الصف الخامس كانت جيدة جداً، وهو يتميز عن أقرانه بنشاطه وحبه للقيادة. حتى إنه كان من بين فريق كرة القدم ويلعب تايكواندو، بحسب أبو الرز.

يقيم في دار الرعاية الحكومية، التي تحظى باهتمام ملكي، 35 طفلاً وطفلة من عمر ست إلى 18 عاماً.

والد الطالب الجامعي أنس (22 عاماً)، الذي ارتطمت سيارته بالحاوية، يؤكد أنه وقّع “صكّ صلح عشائري” بعد أن توّصلت الأجهزة الأمنية إلى تحديد هوية والد الطفل.

على أن والد أنس رفض الكشف عن مزيد من التفاصيل حول الحادث. وعلم أن أنس خرج من السجن بكفالة بعد أن مثل أمام مدعي عام وسط عمان بتهمة التسبّب بالقتل دون قصد.

تحتمل عقوبة هذه التهمة السجن بين ثلاث إلى خمس سنوات في حال ثبوتها.

وطالب والد السائق بإعادة النظر بقوانين العقوبات الجزائية والسير، مؤكداً أن ولده صدم بوجود الفتى داخل الحاوية ورغم ذلك فقد تم توقيفه وإحالته إلى القضاء بتهم جنائية

هل "افترشت" القمامة ليلاً و"تلحفت الفضا"؟ - ليندا معايعة
 
06-Dec-2007
 
العدد 5