العدد 32 - اعلامي
 

وزراء إعلام عرب بمن فيهم «وزير إعلامنا» اجتمعوا خلال أربعة أشهر مرتين في القاهرة، الاجتماع لم يعقد لبحث سبل رفع سقف الحرية في العالم العربي والاتفاق على وضع قوانين إعلام تتوافق مع مواثيق حرية الرأي والتعبير العالمية أو لمناقشة آليات التواصل مع الطرف الآخر، والفكر الآخر، والرأي الآخر دون ان يتم تكميم الأفواه، والحجر عليها.

اجتماع وزراء الإعلام العرب كان لهدف آخر تماما وهو مناقشة آلية «تنفيذ وثيقة البث الاذاعي والفضائي» المثيرة للجدل التي أطلقت خلال اجتماع «غير عادي» لوزراء الإعلام العرب عقد في شباط الماضي مع تحفظ كل من قطر، ولبنان.

الاجتماعان شارك فيهما «وزير الإعلام» ناصر جودة واعلن خلالهما تبني المملكة للوثيقة سواء كانت «ملزمة» أو «استرشادية» باعتبار أن قوانين المملكة بما يخص الإعلام والحريات تتماهى مع كافة البنود التي احتوتها الوثيقة، وفق ما صرح به جوده نفسه.

الوثيقة تبنتها انذاك غالبية الدول العربية، وبدأت دول منها مصر تعمل بها قبل اقرارها بالشكل النهائي وبسيفها تم وقف بث ثلاث قنوات فضائية على قمر النايل سات هما البركة،الحوار، الحكمة إضافة لحلقة من برنامج 90 دقيقة الذي تبثه فضائية المحور .

وجهت منظمات مجتمع مدني عربية ونقابات صحفيين وهيئات دولية تدافع عن حرية التعبير منها المنظمة العربية لحقوق الإنسان ونقابات الصحفيين في كل من لبنان والأردن ومصر ومنظمة مراسلون بلا حدود انتقادات شديدة للبنود الواردة في الوثيقة بما تمثله من «تراجع للوراء»، مطالبة الدول العربية وبرلماناتها عدم اقرارها.

الوثيقة هدفت الى وضع شروط مشددة على المحطات الفضائية من خلال «حظر التهجم على الأنظمة العربية أو التطاول على الرموز الوطنية والدينية».

ورغم انها نصت لفظا على احترام حرية التعبير لكنها طالبت بممارسته «بالوعي والمسؤولية بما من شأنه حماية المصالح العليا للدول العربية».

تتيح الوثيقة للدول التي ترى أن قناة فضائية انتهكت الاحكام الواردة في الاطار أو في القانون المحلي سحب ترخيص القناة أو عدم تجديده أو ايقافه «للمدة التي تراها مناسبة».

أمل المجتمعون الاسبوع الماضي ان يتم اقرار الوثيقة وجعلها «ملزمة» لجميع الدول العربية وليست «استرشادية»، الا ان رياح كل من القاهرة والرياض والجزائر والمنامة جاءت بخلاف رياح الدوحة وابو ظبي وطرابلس وبيروت التي تحفظت على بنود الوثيقة وحالت دون اتخاذ قرار يقضي بالعمل بها.

الخلاف حول الوثيقة ادى الى ارجاء اجتماع الاسبوع الماضي الى النصف الاول من العام المقبل في الرياض لبحث الآليات الممكنة للتطبيق، وتكليف اللجنة الدائمة للإعلام العربي تشكيل فريق عمل من الخبراء المهنيين يضم الأطراف ذات العلاقة في الوطن العربي مهمته اقتراح الآلية المناسبة لتنفيذ الوثيقة وتشذيب بنودها وجعلها متوافقة مع الحريات الإعلامية وحرية الرأي والتعبير.

خلال الاجتماع قدمت اقتراحات مفصلة للإسراع بوضع تشريعات جديدة محكمة لتنفيذ سياسات «الهيمنة» على البث الفضائي في الدول العربية.

الوفد الجزائري دعا الدول العربية لوضع أحكام تشريعية محلية مطابقة مع وثيقة مبادئ البث الفضائي وفرض احترامها على مؤسسات البث الإذاعي والتلفزيوني، وبموجب الاقتراح الجزائري تؤسس سلطة ضبط عليا للرقابة على البث السمعي البصري «للسهر على احترام مبادئ البث الفضائي»، فيما يشكل مجلس للاتصال السمعي البصري للنظر في شكاوى تقدمها الحكومات المتضررة من بث برامج تعتبرها مسيئة لها.

البحرين قدمت مقترحا دعا لإشراك اتحاد إذاعات الدول العربية مع الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب بالإشراف والرقابة والتنسيق والمتابعة لتطبيق مبادئ الوثيقة.

واقترحت المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية (عربسات) ومقرها في السعودية، إناطة الدور الرقابي بالدولة المصدرة للترخيص دون الحاجة للجوء إلى مشغلي الأقمار الصناعية.

«وزير الإعلام» ناصر جودة قال خلال الاجتماع ذاته مدافعا عن الوثيقة ومؤيدا العمل بها بسرعة «اننا اليوم امام خيارين لا ثالث لهما اما التنظيم في اطار التفاهم والتضامن لصون قيم ومبادىء امتنا العربية ومثلها العليا واما ترك المسألة على نحو ما هو عليه من واقع لا يخفى على احد(...) وهو ما سبقتنا اليه كل المجموعات الدولية ومعظمها ان لم يكن كلها الى تأكيد مفهوم الحرية واحترام التعددية وحق الاختلاف وهي مبادىء تستوجب التنظيم في مستوى القوانين والتشريعات والممارسات والا انقلبت الى نقيضها.»

رغم ان الاجتماع لم يخرج بنتائج الا ان جوده شدد على "حق كل دولة في ان تختار من هذه الوثيقة ما تشاء اذا ارادت ان تسترشد بها".

لم يكتفِ جودة بذلك وانما قال إن "من حق مجلس وزراء الإعلام العرب أن يجد وسيلة مناسبة لتنظيم جانب مهم من مسؤولياته في معالجة وضع لا يمكن ان يظل دون تنظيم بغض النظر عن الطريقة التي لا بد من الاتفاق عليها آجلا او عاجلا".

قطر وليبيا والإمارات ولبنان أبدت تحفظات على الوثيقة وطالبت بتأجيل مناقشتها إلى حين عرضها على نقابات الصحفيين والإعلاميين في العالم العربي، معتبرة أنها تفرض قيودا على حرية التعبير في العالم العربي وعلى عمل الفضائيات.

ارتفاع عدد الدول العربية الرافضة لبنود الوثيقة جاء نتيجة الانتقادات الشديدة التي ووجهت بها من قبل مؤسسات عربية ومحلية وعالمية اعتبرتها "مقيدة" للإعلام ولا تخدم "الحرية وحق التعبير في العالم العربي" وفق لجنة الصحفيين الدوليين.

اعتبر إعلاميون منهم حمدي قنديل ووضاح خنفر مدير قناة الجزيرة أن الوثيقة من شأنها منح الحكومات الحق في إغلاق وسحب تراخيص مكاتب الفضائيات العربية وملاحقة الإعلاميين العرب في حال نشرهم ما يعتقد أنه يمس زعامات عربية أو قضايا التضامن العربي.

وذكر مركز "ماعت" للدراسات الحقوقية والدستورية في مصر في بيان أن وثيقة تنظيم البث الفضائي "ستحقق خسائر فادحة للاقتصاد العربي بعد هروب أو منع فضائيات خاصة من البث على الأقمار الصناعية العربية"، وانها "تحمل نوايا سيئة تجاه الإعلام العربي الحر بعد تقويض وتأميم أجهزة الإعلام وتطويعها لصالح حكومات وأنظمة دول المنطقة".

الإعلامي القطري عبد العزيز آل محمود اعتبر ان الحكومات العربية ما زالت تفتقر لاستراتيجيات واضحة في مجال الإعلام التلفزيوني رغم الكم الهائل من القنوات الذي تجاوز الـ400 في العالم العربي.

فيما اعتبر الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود روبير مينار ان وثيقة تنظيم البث العربي "فضفاضة" ما جعلها قابلة للتأويل ومثار نقاشات متعددة.

الإعلامي والكاتب عبد الوهاب بدرخان استبشر خيرا بالانقسام حول الوثيقة وقال "إن التوافق حولها يشهد تفككا متزايدا من قبل عدة بلدان عربية بسبب ما اعتبره افتقارها لآليات التطبيق، داعيا المهنيين العرب إلى إيجاد بنية قانونية تمكن الفضائيات العربية من العمل في إطار واضح "بدون امتيازات" لدورها في المساهمة في الإصلاح السياسي.

ووصف مدير مركز الدوحة لحرية الإعلام قيس العزاوي الوثيقة بأنها ذات طابع سياسي بحت، وهو ما يشكل في نظره تراجعا يتناقض مع الحرية التي تتيحها حاليا الثورة المعلوماتية.

"وزراء الإعلام" العرب لم يجدوا امامهم سوى اعتبار وثيقتهم المثيرة للجدل "استرشادية"، وتكليف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى تقديم مشروع لإنشاء مفوضية عامة للإعلام يكون ضمن مهامها تحقيق احترام المبادئ الواردة في الوثيقة. والدعوة إلى إعداد قاموس لصياغة المصطلحات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام العربية، مدعما بمؤشرات حول أكثر المصطلحات تداولا واستخداما ومدى تأثيرها على القضايا العربية، وتشكيل فريق عمل متكامل من الخبراء والمتخصصين تناط بهم المراجعة الدورية لهذه المصطلحات وتنقيتها وإعداد دليل خاص بها. وتكليف اتحاد اذاعات الدول العربية بدراسة انشاء قناة فضائية عربية بلغات مختلفة تحقيقا لاهداف الخطة وعرض الدراسة على الاجتماع المقبل لمجلس وزراء الإعلام العرب.

بالمجمل فان وزراء الإعلام العرب تراجعوا جزئيا عن الوثيقة فبعد أن كان يعتبرها «ملزمة» ها هم يؤكدون انها «استرشادية».

الموقف الجديد جاء في ضوء اتساع رقعة الرفض للوثيقة رغم اصرار مصر والسعودية والجزائر على الإسراع بوضع تشريعات جديدة محكمة لمراقبة تنظيم البث الفضائي تتضمن إلغاء تراخيص القنوات الفضائية التي تبث مواد سياسية أو دينية مثيرة للجدل.

الكاتب الصحفي ومدير فضائية «العربية» عبد الرحمن الراشد قال معلقا على موقف وزراء الإعلام العرب «الحديث عن منع الفضائيات بدأ منذ اول يوم هربت فيه الصحون اللاقطة للفضائيات، الا ان وزراء الإعلام العرب قرروا الآن صياغة ميثاق لاخضاع المحطات لقوانينهم وتحت سلطتهم، ولو فعلوا ثقوا بأنهم سيفشلون.(...) الا ان الوزراء الاكارم ليس من عادتهم النقاش بصراحة كافية فيكتفون بحديث العموميات، وبلغة مليئة بالتورية. فالمشكلة سياسية، وهي الدافع الأول وراء رغبتهم في القبض على ناصية الفضائيات، لكن معظم المحطات محسوبة على الحكومات، او ميليشيات موالية لحكومات، فمن يقرر وأي محطة»؟

اجتماعان وزاريان خلال أشهر لأسر الفضائيات
 
26-Jun-2008
 
العدد 32