العدد 32 - أردني
 

جي سي*

صرخة الاحتجاج الأخيرة ضد تقديس فكرة العذرية انطلقت من فرنسا، حين ألغت محكمة أولية فرنسية زواجا بين شخصين مسلمين هما مواطنان فرنسيان، لأن العروس لم تفصح عن عدم عذريتها. وقد استقطبت المعركة مناصري حقوق المرأة، وسياسيين من كل التوجهات، ووزيرة العدل الفرنسية، وحتى البرلمان الأوروبي، فقضت محكمة استئناف، يوم الجمعة الماضي، بتعطيل قرار المحكمة حتى تستمع إلى مزيد من الآراء حول القضية.

في الأول من نيسان/ أبريل 2008، قضت محكمة ليل (شمال فرنسا) الابتدائية، بإلغاء زواج، لأن الزوجة أخفت عن زوجها حقيقة أنها لم تكن عذراء، وهو ما اكتشفه الزوج ليلة زفافه. والدا العريس، وهما مهاجران من شمال إفريقيا، كانا ينتظران في الخارج لكي يسمعا الأخبار الطيبة. وفي الساعة الرابعة صباحا، خرج العريس لرؤيتهما، وأبلغهما أنه لم يكن هناك دم. فأعاد والد العريس العروس إلى والديها، وأبلغهم أن شرف عائلته قد دُنس. وبعد أسبوعين، بدأ الزوج إجراءات إلغاء الزواج.

ينحدر العروسان من "أسرتين مسلمتين معتدلتين"، بحسب محامي العريس، الذي أكد أن الحكم لم يكن قائما على أي أسس دينية، بل على مادة في القانون المدني الفرنسي، تنص على أن من الممكن إلغاء الزواج بناء على طلب أحد الطرفين أو كليهما، إذا لم يفصح أحدهما أو كلاهما عن "صفات أساسية" فيهما.

بمعالجته القضية بوصفه قضية إخلال بعقد، جوبه الحكم بالشجب بانتقادات اعتبرت أن الحكم يقوّض تقدما أحرز على مدى عقود كاملة، في مجال حقوق المرأة. وقال المنتقدون إن المحكمة نزلت بالزواج إلى مستوى معاملة تجارية يتم خلالها رفض المرأة من جانب زوج يزعم بأنه اكتشف عيوبا خفية فيها.

الاعتراضات جاءت من معظم الأطراف التي تعتبر أن الهوس بعذرية المرأة نوع من التمييز الجنسي، وأنه بذيء ويمثل نوعا من النفاق. في البلدان المسلمة، وفي معظم البلدان الغربية حيث استقرت جاليات مسلمة كبيرة من المهاجرين، تزدهر تجارة العمليات التجميلية "لترميم" الغشاء شبه المقدس.

وفي عرض نادر للاتفاق، جمعت القضية بين الحزب الفرنسي الحاكم والحزب الاشتراكي المعارض، حيث انتقد كلاهما حكم المحكمة الأصلي، قائلين إنه أعطى وزنا كبيرا للحساسيات الدينية للزوجين.

وأرسل نحو 150 عضو في البرلمان الأوروبي، أي ما يقارب خمس الأعضاء، من دول أعضاء في الاتحاد وجماعات سياسية مختلفة عريضة إلى وزيرة العدل الفرنسية يشجبون فيها قرار الإلغاء. جاء فيها إن "هذه سابقة خطيرة لا تروق إلا للأصوليين الذين يخوضون معركة عفا عليها الزمن، في حين أن القول الفصل ضد هذا التعصب يجب أن يكون، تحديدا، للقانون." وأضافوا: "إن عذرية المرأة ليست شرطا أساسيا لشخصيتها، ولا هي أساس للرجل أيضا."

وزيرة العدل الفرنسية رشيدة داتي، دافعت عن القرار في البداية، على أساس أن طلب الإلغاء جاء من الطرفين. ولكنها، بعد مواجهة انتقادات من جميع الأطراف، طلبت من المدعي العام استئناف الحكم الأصلي، ما أفضى إلى قرار الاستئناف.

الحكم شكل صدمة لفرنسا وأثار مخاوف من أن القيم العلمانية التي ينظر إليها الفرنسيون بإجلال، أخذت تنحسر لصالح تقاليد دينية خاصة بجاليات مسلمة آخذة في النمو، وإليها ينتمي عدد من الوزراء في الحكومة. ويقدر بأن هنالك نحو 5 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا من أصل 64 مليونا هم مجموع سكانها، أي أنها الجالية المسلمة الأكبر في فرنسا وفي أوروبا الغربية. في استطلاع للرأي في 5/6 نشرت نتائجه صحيفة لو فيغارو اليومية، جاء أن 73% من الفرنسيين الذين استطلعت آراؤهم، شعروا "بالصدمة" من الحكم الأصلي. جاكلين كوساتا لاسكو، الخبيرة الفرنسية في شؤون العلمانية تقول إنه "في بلد ديمقراطي وعلماني، لا يمكن أن تعتبر العذرية مؤهلا أساسيا للزواج." وانطلاقا من مبادىء العلمانية وفصل الدين عن الدولة، أقرت فرنسا عام 2004 قانونا يحظر ارتداء الحجاب الإسلامي وغير ذلك من رموز دينية ظاهرة في الصفوف الدراسية، وهي خطوة أحدثت ضجيجا واسعا في العالم الإسلامي.

وعلى أي حال فإن وجهة النطر العلمانية تجد لها أنصارا بين ممثلي الإسلام الرسمي في فرنسا. فردا على قرار إلغاء الزواج، قال إمام مسجد باريس دليل بوبكر "اليوم، لا يستطيع النظام القضائي لدولة متقدمة التمسك بهذه التقاليد الوحشية الخالية تماما من الإنسانية بحق الشابة." ومصل غيره، عبّر بوبكر، وهو معتدل، عن خشيته من أن يسعى الأصوليون الإسلاميون إلى البحث عن مكاسب من قرار محكمة ليل "مثلما فعلوا مع قضية الحجاب. الذي يتخذه الأصوليون راية لهم."

هذا النقاش يُذكر بالجدل الذي دار العام الماضي بعد أن أصدرت سعاد صالح، العالمة الجليلة، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر فتوى تحلل العمليات الجراحية التي ترمم غشاء البكارة عند السيدات اللواتي يفقدن عذريتهن قبل الزواج، وأن من يجرين هذه العمليات غير ملزمات بالإفصاح عن هذا الأمر لأزواج المستقبل. وقد أيد العديد من العلماء المعروفين في العالم الإسلامي هذه الفتوى على أساس أن الإسلام لم يفرق بين رجل وامرأة؛ فليس من المنطقي الاعتقاد بأن الله وضع علامة لتشير إلى عذرية المرأة ولم يضع علامة مشابهة تشير إلى عذرية الرجل. وقد أثارت الفتوى جدلا واسعا في أوساط الأزهر وفي المجتمع المصري عموما، حيث لا تزال ترتكب جرائم باسم الشرف. الشيخ خالد الجندي، وهو من علماء الأزهر وعضو المجلس الأعلى للدراسات الإسلامية، صرح لصحيفة ديلي ستار المصرية، بأنه يوافق على الفتوى، وقال: "لا يعير الإسلام بالاً لمشاعر الجهلة من الناس،تماما مثلما أن القانون لا يحمي المغفلين."

وفي هذا المجال، يبدو أن النظام القضائي الفرنسي تعرض للتضليل في نقطة ما.

كاتبة فرنسية

تقديس العذرية يعزل مسلمي فرنسا عن محيطهم العلماني
 
26-Jun-2008
 
العدد 32