العدد 32 - أردني
 

عبدالسلام حسن

القدس - بدخول اتفاق التهدئة في قطاع غزة حيز التنفيذ، يوم الخميس الفائت، بدأ شكل جديد من العلاقة بين إسرائيل وحركة حماس، استعاد معaqها عشرات آلاف الإسرائيليين في المستعمرات المحيطة، أمنهم المفقود، ومن خلاله كرّست «حماس» نفسها لاعباً رئيسياً قادراً على توفير «البضاعة» في لعبة الاستحقاقات الإقليمية.

ويعيد اتفاق التهدئة الى الاذهان «تفاهمات» إسرائيل وحزب الله. فهذه هي المرة الأولى التي تقبل فيها إسرائيل منذ بداية الانتفاضة، الدخول رسمياً في هدنة مع الفلسطينيين كطرف مباشر، عليه التزامات واضحة، بعدما كانت التهدئة في السنوات السابقة تتم من طرف واحد هو الفلسطيني، وتقابل بغطرسة إسرائيلية وإصرار على استمرار العدوان.

على الأرض بدأت الخطوات العملية لتنفيذ التهدئة من كلا الجانبين دون أية خروقات تذكر، فقد مضت أيام دون اطلاق صواريخ من قطاع غزة على المستعمرات الإسرائيلية المجاورة، وبالمقابل بدأت إسرائيل بإدخال تدريجي للمواد الأساسية من مواد غذائية ووقود وغيرها.

تنص التهدئة على الوقف المتبادل لكافة الأعمال العسكرية بدءاً من صباح الخميس الفائت 19 حزيران الجاري، على ان يتم فتح المعابر بشكل جزئي خلال الساعات التالية التي تلي دخول التهدئة حيز التنفيذ.

حركة حماس، وعلى لسان القيادي، إسماعيل رضوان، قالت إنها رأت «بدايات مشجعة في التزام العدو الصهيوني بالتهدئة». وتوقعت استمرار العدو بها، ذلك لأنها تلبي ضرورة وحاجة له بعدما فشلت سياسة المحارق والإرهاب والحصار لشعبنا وبعد أن فقد الأمن في المستعمرات بسبب اطلاق الصواريخ والهجمات المتواصلة».

إسرائيلياً، وجدت الحكومة الإسرائيلية برئاسة أيهود أولمرت الغارق في أزماته الداخلية، في التهدئة بديلاً عن هجوم عسكري، على قطاع غزة، ظل حتى اللحظة الأخيرة الخيار الأوفر حظاً لمواجهة استمرار سقوط الصواريخ على المستعمرات الإسرائيلية المحيطة بالقطاع.

وقد تحول موضوع التهدئة عنواناً للمزايدة في الساحة السياسية الإسرائيلية، يسعى كل طرف من خلاله الى تعزيز مواقعه واستخدامه كورقة انتخابية، لكن وزير الأمن أيهود باراك الذي وجه انتقادات حادة على «الطريقة المتعجلة» في اتخاذ قرار الحرب الأخيرة على لبنان، فضل التوصل الى تهدئة على الخروج بعملية عسكرية غير مضمونة النتائج على قطاع غزة.

وقال باراك في اجتماع لحزب العمل إنه كان بالإمكان الوصول الى التهدئة في وقت مبكر، لولا أن الحكومة تتصرف في ظل انتخابات تمهيدية لحزب كاديما.

وللمفارقة، فإن التهدئة تشمل فقط قطاع غزة حيث تسيطر حركة حماس «العدو اللدود»، وتستثني الضفة الغربية، حيث السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تخوض مفاوضات سلمية مع إسرائيل على أمل الوصول الى تسوية سياسية.

وبموجب الاتفاق تستمر التهدئة مدة ستة شهور، تعمل مصر بعدها مع الأطراف المعنية على نقلها الى الضفة الغربية.

القيادي في حركة فتح، قدورة فارس، استغرب أن تلتزم إسرائيل بالتهدئة مع حركة حماس وتواصل تصعيدها في الضفة الغربية، واعتبر ان التصعيد في الضفة له دلالات استراتيجية أبعد، وجدت تعبيراتها في مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني وحملات الاعتقال والجرائم اليومية.

وقال إن هذا الأمر يدل على أن إسرائيل غير جادة في عملية السلام وأن ما تفعله هو إدارة الصراع لا البحث عن حلول وتسويات، و«أرجو ان يستوقف هذا الأمر الأخوة في حماس».

ناطق باسم حماس (إسماعيل رضوان..) قال إن التهدئة جاءت بتوافق فلسطيني وهي ليست موقفاً لحماس وحدها، وقد قبل الجميع بها للتخفيف عن شعبنا وكسر الحصار ووقف العدوان وفتح المعابر. وأكد الناطق «على حق المقاومة في الرد في الضفة الغربية ما دامت الضفة غير مشمولة بالتهدئة، وقال إن يدها طليقة في الضفة للدفاع عن نفسها وعن شعبنا، والعدو يتحمل النتائج المترتبة على تصعيده».

أسئلة الربح والخسارة طغت منذ اللحظة الأولى على الجدل الدائر في إسرائيل، وهناك من اعتبرها اعترافاً إسرائيلياً رسمياً بأن حركة حماس لاعب أساسي وشرعي في السياسة الفلسطينية والإقليمية.

أظهر استطلاع لصحيفة «يديعوت» أن أغلبية في الحكومة من 16 وزيراً أيدوا التهدئة، فيما عارضها ثمانية وزراء من أبرزهم وزير المواصلات،  شاؤول موفاز، الطامح الى خلافة أيهود أولمرت في رئاسة كاديما وبالتالي رئاسة الحكومة.

وذهب موفاز الذي شغل في السابق منصبي وزير الدفاع ورئيس الأركان. الى اعتبار التهدئة «اتفاق استسلام» كامل لإسرائيل أمام حماس. وقال إن الطريقة التي عالج فيها باراك المسائل الأمنية «قضمت بشكل كامل قدرة الردع لإسرائيل».

وقالت صحيفة «يديعوت» إن اتفاق التهدئة من شأنه أن يمس بمساعي إسرائيل لاقناع الأسرة الدولية بأن حماس هي منظمة غير شرعية يجب عدم الحديث معها. فالتخوف الأساسي هو أن الدول التي أعلنت في الماضي تأييدها للحوار مع حماس ستستخدم التهدئة مبرراً لاتخاذ خطوات عملية على هذا الصعيد.

أما نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، حاييم رامون، فقد اعتبرها انتصاراً آخر للمد الإسلامي الأصولي، بعد الانتصار الذي حققه في لبنان.

وفي محاولة لتبديد هذه المخاوف  رد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية لشؤون الإعلام، بالقول: حماس لم ولن تكون شرعية. إسرائيل أعطت فرصة للتهدئة لكنها لم تشطب من جدول أعمالها عملية عسكرية. حماس ستصبح شرعية إذا اعترفت بإسرائيل وأبدت استعدادها لأن تكون شريكاً في عملية السلام».

ومن المآخذ الإسرائيلية على اتفاق التهدئة هو تأجيل بحث قضية الأسير شاليت الى مرحلة لاحقة، بعدما كانت إسرائيل أدراجها ضمن الاتفاق وهو ما أصرت حركة حماس على رفضه مشترطة أن تقدم إسرائيل الاستحقاق المطلوب مقابل الافراج عنه.

لكن الوسيط المصري تدخل ونجح في ايجاد الصيغة التي تعطي للقيادة السياسية في إسرائيل الإنجاز اللازم. فقد أقنعوا حركة حماس بالبدء في مفاوضات مكثفة في القاهرة بعد أسبوع من بدء التهدئة. أما إسرائيل، فتحاول ربط فتح معبر رفح بالتقدم في ملف الجندي الأسير.

وتحتاج القيادة السياسية في إسرائيل، الى عرض انجاز سريع في موضوع شاليت لأسباب إسرائيلية داخلية، لا سيما في ضوء التحرك الذي لجأ إليه والدا الجندي الأسير ولجوئهما الى المحكمة العليا للاعتراض على تنفيذ التهدئة.

ووجه والدا شاليت رسالة الى رئيس الحكومة ووزير الأمن ووزيرة الخارجية، اتهما فيها الحكومة بأنها ضللت العائلة وطالبا بايضاحات. وجاء في الرسالة: «الامتناع عن ادراج تحرير جلعاد شاليت في اتفاق التهدئة يشكل خرقاً فظاً من قادة الدولة لكل التعهدات التي قطعوها. واعتبرا أن «موقف دولة إسرائيل يعرض حياة نجلهما للخطر.

وبالمقابل تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تجد في اتفاق التهدئة نقاطاً تسجلها لصالحها في مواجهة جمهورها، وفي المقدمة توفير الهدوء لسكان المستوطنات المحيطة بالقطاع بعدما فشلت كل وسائلها العسكرية في  تأمين ذلك، في ظل استمرار سقوط الصواريخ عليها.

واظهر استطلاع للرأي أعده مركز داحف لصالح صحيفة « يديعوت» ان 56 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون التهدئة، فيما استبعد 64بالمئة ان يصمد اتفاق التهدئة. وراى 78بالمئة انه كان يتوجب ربط التهدئة بتحرير الجندي شاليت.

ورأت اوساط إسرائيلية في قبول حماس التهدئة سابقة في موضوع وقف «الارهاب» وهو أحد ثلاثة شروط مطلوبة من حماس ليتم قبولها من قبل المجتمع الدولي. وإذا ما قبلت المنظمة أيضاً باقي الشروط (الاعتراف بإسرائيل وتبني الاتفاقات السابقة للسلطة مع إسرائيل)، فإنها ستصبح شريكاً شرعياً.

وقالت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها الخميس الماضي إن :«وقف النار المبارك الذي سيبدأ هذا الصباح يمكنه أن ينجح ويجب اعطاؤه فرصة حقيقية بدل البحث عن مساوئه.. لا يغير في الأمر شيئاً من كسب ومن خسر بالنقاط، والأهم الحفاظ على التهدئة، احترامها، وتعزيزها.

وأبدى المعارضون لاتفاق التهدئة مخاوف كبيرة من أن تستغل حركة حماس والفصائل اتفاق التهدئة للتزود بالسلاح وتعزيز قوتها استعداداً لجولة مواجهة مقبلة. ومن أجل ذلك سعت تل أبيب للحصول على تعهد مصري في موضوع مكافحة عمليات التهريب، لعرضه على الجمهور الإسرائيلي كأحد الإنجازات المركزية في الاتفاق.

وبالمقابل قال وزير شؤون البيئة جدعون عزرا إنه «يجب اعطاء هذا الأمر فرصة. لصالح السكان ومن أجل تطبيع الوضع على الأرض».

الكاتب الإسرائيلي الشهير أ. ب يهوشع  رأى في مقال نشره في صحيفة «يديعوت» : إن كل من خشي وعن حق من «العملية الكبيرة» في غزة ملزم بحشد كل طاقاته من أجل ترسيخ وتعميق وقف اطلاق النار وتحويله الى تهدئة طويلة المدى قادرة على الانخراط مع الأيام في اتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية».

فلسطينياً، وجد الكثيرون في اتفاق التهدئة بارقة أمل للبدء في حوار حقيقي ينهي حالة الانقسام ويقود الى مصالحة وطنية. فإذا كان الاتفاق ممكناً مع «الأعداء» فلماذا لا يكون ممكناً مع الأشقاء؟.

ينص الاتفاق أن تستضيف مصر في الأسبوع التالي للتهدئة لقاء يضم السلطة الفلسطينية وحركة حماس والجانب الأوروبي من أجل مناقشة آليات فتح معبر رفح.

يقول القيادي في حماس اسماعيل رضوان : نحن جاهزون لاي حوار يوحد الصف، وهذا موقفنا على الدوام. ونحن منذ البداية رحبنا بدعوات الحوار وبذلنا كل جهد لانجاحه واوقفنا الحملات الإعلامية وعندما جاء وفد حركة فتح عملنا على تيسير مهمته، لكن الرئيس عباس لم يقم لغاية الآن بتحرك عملي نحو الحوار..».

أما فارس فاعتبر أن الانقسام يقود جميع الأطراف على الساحة الفلسطينية المؤيد لعملية السلام والرافض لها الى طريق مسدود. حماس كغيرها من الفصائل انطلقت من أجل الحرية والاستقلال وليس من اجل رفع حاجز او فتح معبر. على الجميع أن يتحاور ويتفق على ترتيب الأولويات والبرامج وأدوات المقاومة وأشكالها.

التصعيد يستمر في الضفة الغربية: “التهدئة” تسود جانبي الحدود في غزة  وتكرّس حماس لاعباً إقليمياً
 
26-Jun-2008
 
العدد 32