العدد 32 - أردني
 

محمد شما

في 23-2 -2008 أعلن الناطق باسم الأمن العام، الرائد محمد الخطيب، عن مقتل شابين قرب مكب الغباوي على أيدي رجل شرطة. بحسب تصريحات الخطيب، قام الشابان بسرقة معدات تابعة لأمانة عمان في موقع المكب، ثم لاذا بالفرار في سيارة بيك أب من نوع ديانا. يضيف: «بناءً عليه تحركت دورية نجدة للموقع فلاذ الشابان الفرار عبر مناطق وعرة مجاورة للمكب، وحين أمرتهما الدورية بالتوقف لم يمتثل السائق لأوامر سيارة الدورية فحدث إطلاق أعيرة نارية بالهواء بقصد إخافتهما وإجبارهما على الوقوف، وبعد مطاردة طويلة انقلب البكب..حيث تبين بعدها إصابة الشخصين بأعيرة نارية.»

الشرطي المتسبب بقتل الشابين يخضع الآن للتحقيق من قبل محكمة الشرطة، وذلك بعد «تشكيل فريق تحقيق للوقوف على ملابسات الحادث» وفقا للناطق الإعلامي، ومنذ تاريخ الحادثة وذوو الضحيتين يتابعون مجريات التحقيق بعد إحالة الشرطي لمحكمة الشرطة.

القوانين الدولية تحرم استخدام الأسلحة النارية القاتلة عن قصد، إلا عندما يتعذر تماما تجنبها من أجل حماية الأرواح، أو في حالات الدفاع عن النفس، أو لدفع خطر محدق يهدد الآخرين بالموت أو بإصابة خطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للأرواح، أو للقبض على شخص يمثل خطرا من هذا القبيل ويقاوم سلطتهم، أو لمنع فراره، وذلك فقط حين تكون الوسائل الأقل ضرراً غير كافية لتحقيق هذه الأهداف. ويشترط في حال الاضطرار إلى استخدام القوة والأسلحة النارية، أن يمارس رجال الشرطة المكلفون بإنفاذ القانون ضبط النفس والتصرف ،بطريقة تتناسب مع خطورة الجرم والهدف المراد تحقيقه.

يحظر على رجال الأمن العام استخدام العنف المفرط في حالة تطويق شخص يشتبه بتورطه بقضية ما أو للشك به، لكن حدث أن «مصورا هاويا» لا يعمل لحساب أي جهة، كان يصور أحداث مباراة للوحدات والفيصلي في أوائل نيسان الماضي عندما فوجئ بأحد رجال الشرطة المسؤولين عن ضبط الأمن يدفعه إلى الوراء ويخضعه لتحقيق، ثم يجتمع حوله 7 آخرون يكيلون له اللكمات. «وجدت شرطيا يجّرني إلى الخلف حيث بدأ يسألني عن مغزى تصويري، ثم اتبع السؤال بركلة، ثم اجتمع سبعة آخرون وضربوني بشكل دوري متتال، وقاموا بمسح جميع الصور في الكاميرا ولم أستطع عندها النطق بأي حرف». وكانت النتيجة أنه تعرض لكدمات في قدميه عالجها بالمسكنات.

يقول: «ما حدث لي مأساة؛ ولا أعتقد أن لدي ثقة بالأمن العام.» ذلك المصور لا يعرف أن باستطاعته اللجوء إلى «ديوان المظالم» وتقديم شكوى ضد رجال الأمن الذين ضربوه.

سائق سيارة السرفيس بسام، يقول إن شرطي سير «يقصد إهانتي دوماً حيث يهينني دوما أمام الركاب؛ بدون سبب». زميله في العمل خلدون يعتبر أن «شرطة السير تتعامل مع السائقين كأنهم عبيد.» أما خليل فكان متواجدا في شارع اعتقل فيه أفراد الشرطة شبانا كانوا قد سرقوا مسجل سيارة: «قادوني إلى المخفر وحققوا معي، وقام أحد أفراد الشرطة بصفعي على وجهي، وبعد ساعات أمروا بإخلاء سبيلي بعد أن تأكدوا أنني غير مذنب».

لا تشكل تجاوزات رجال الأمن ظاهرة، فثمة حالات لا بد من التوقف عندها، حيث سجلت تقارير حقوقية معنية بالحريات الصحفية حالة «اعتداء بالضرب من قبل رجال الأمن العام على أحد الصحافيين بتاريخ 14/4/2006 « واعتبر الأمن العام حينها أن «الاحتفال الذي قام بتغطيته الصحفي غير مرخص ولا يجوز تغطيته أو تصويره». هذا الحادث اعُتبر بسيطا أمام حادثة مقتل مواطن وإصابة آخر في منطقة الشونة الجنوبية في الأغوار الوسطى قبل أقل من عام، بعد أن رد رجال الشرطة على هجوم مفاجئ عليهم، تم في إطار قيام حكومة معروف البخيت بإزالة اعتداءات المواطنين على ممتلكاتها في حزيران من العام الماضي.

الانتهاكات كبيرة، ويسيء بعضها لجهاز الأمن العام، ما ينعكس سلبا على الثقة بين رجال الأمن والمواطنين كما يقول نقيب المحامين الأردنيين، صالح العرموطي.

يؤكد العرموطي أن نقابة المحامين الأردنيين تتلقى شكاوى عن ممارسات سلبية من رجال الأمن العام تمثل خرقا لحقوق الإنسان، حيث التقت نقابة المحامين على إثر ذلك مدير الأمن العام للاتفاق على آلية تضمن وضع حد للإشكاليات التي تقع بين المحامي ورجل الأمن، وبين المواطن ورجل الأمن.

سبق لمديرية الأمن العام أن أحالت بعض رجالها لمحكمة الشرطة حيث أصدرت أحكاما بحقهم، لكن ذلك برأي العرموطي «غير كاف»، وما زالت الشكاوى والاعتداءات وانتهاك كرامة الإنسان موجودة كما يقول: «عند زيارة مراكز إصلاح تنتهك حقوق المواطن ويعامل بلا إنسانية، وهي ممارسات لا بد من وقفها».

يذكر أن الأردن وقع على جملة اتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان، أهمها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والميثاق العربي لحقوق الإنسان.

ويرى المحامي طالب السقاف، مدير مرصد الإنسان والبيئة، أن الأحداث التي تقع بين فترة وأخرى هي «استثناءات» على نهج مديرية الأمن العام، أو أخطاء ترتبط بمدى كفاءة بعض أفراد الأمن العام للقيام بالأعمال الموكولة لهم، ونقصها مرتبط بطائفة أخرى من الأسباب منها التخصص بالعمل؛ فجزء كبير من رجال الأمن العام غير متخصصين في أعمالهم ودائما يكونون عرضة للتنقل داخل مرافق الجهاز ،مما يتطلب إعداداً وتدريباً على كل مهمة جديدة وقد تحصل الأخطاء.

ثقافة أمنية

الثقافة الأمنية لدينا ضعيفة، وفق نقيب المحامين مطالبا بضرورة «إيجاد حماية للطرفين الشرطي والمواطن فلو كان هناك حوار بين الأمن العام والمجالس المحلية لساهم ذلك إيجابًا». ولابد من وجود سياسة تثقيفية إعلامية بين المواطن ورجل الأمن للحفاظ على هيبة الدولة وصورة الأمن العام دون أن نحمل المواطن فوق طاقته.

تثقيف رجال الأمن يصطدم بإرث وعقلية مجتمعية -على ما يقوله جميل النمري - متحدثا عن حادثة وقعت أمام عيونه ذات يوم «قبض مواطنون على نشال وذهلت من حجم الضرب الذي كالوه للنشال، هؤلاء ليسوا رجال أمن. هناك عقلية قمعية عنيفة وجهاز الأمن العام موجود منذ عقود، ولا تتوقع أن تتوقف السقطات والتجاوزات بمجرد الإقرار بسياسة إصلاح.»

كاتب رفض الإفصاح عن اسمه قال إنه متفائل من سياسية الانفتاح لأنها اعتمدت على «إرادة سياسية راغبة بتطوير أداء الأمن العام واحترام حقوق الإنسان». لكنه يرى أنها تحتاج إلى وقت أطول: «نحتاج لسنوات لإحداث التغيير؛ ولعل التغيير بدأ من خلال تحديد المستوى العلمي عند رجال الأمن فوق رتبة معينة، وبعدم قبول رجل أمن عام بأقل من المستوى الجامعي».

الأمن العام هو المعبر عن جوهر فكرة النظام وسيادة القانون وأي عطب مهما كان بسيطا فيه قد ينعكس سلبا على نظام الأمن الاجتماعي برمته. يقول السقاف، «مظاهر الإفراط في استخدام القوة أو المبالغة بإجراءات المداهمة والقبض التي تتم من رجال الشرطة أحيانا ،تحمل على الاعتقاد بأن هناك توجهاً مركزياً في هذا الأمر. والحقيقة أنه لا يوجد توجه مركزي لدى إدارة الأمن العام للتشديد على المواطنين، وكل ما هنالك أن ثمة حالات تجتهد في فهمها للقانون أو للخضوع له، على أن البعض منهم يعتبر بأن السلطة شخصية في حين أن القانون سلطة موضوعية، ولا يحق لأحد فرضها بالقوة إلا في حدود معينة.»

مكتب «ديوان المظالم وحقوق الإنسان» التابع للأمن العام استقبل 652 شكوى خلال العام 2007، تتعلق بالإجراءات الإدارية والمطالبات المالية والمخالفات القانونية، وأحيلت 22 قضية إلى محكمة الشرطة، و24 قضية إلى قادة الوحدات ومنع محاكمة 70 فردا لعدم ثبوت ما يدينهم، وحفظ 392 شكوى لعدم وجود ما يبرر الملاحقة الجزائية. وبما يتعلق بقضايا الإيذاء وإساءة المعاملة المرتكبة من مرتبات الأمن العام بحق المواطنين، فقد استقبل المكتب 98 شكوى تم إحالة 10 قضايا منها لمحكمة الشرطة وقضيتين أمام قادة الوحدات ومنع المحاكمة في 23، وحفظ 38 قضية لعدم وجود جرم يمكن ملاحقته جزائيا، و 70 شكوى خطية من صناديق الشكاوى في مراكز الإصلاح والتأهيل كان معظمها يتعلق بطول أمد التوقيف الإداري.

وما يمارسه مكتب المظالم يعد نوعا من أنواع الرقابة الداخلية والذاتية على منتسبي جهاز الأمن العام. يقول طالب السقاف «علينا أن لا نتوقع الكثير من ديوان المظالم لكونه غير مستقل عن جهاز الأمن العام، والهيئات المستقلة مثل المركز الوطني أو القضاء ربما يكون الأثر فيهما أفعل.»

محكمة الشرطة، من ضمن المحاكم التي تعُنى بالأفعال التي ترتكب من قبل أفراد الأمن العام، وفي بعض القضايا يتم الطعن في محكمة التمييز لكن بعض الأحكام، وبخاصة في الجنح أو في أحكام العقوبة، تعطى صلاحيات بإنهاء القضية والتصديق عليها من قبل مدير الأمن العام.

محكمة استئناف

ويطالب العرموطي بأن تكون هناك محكمة استئناف لمحكمة الشرطة، أسوة بالمحكمة العسكرية، وألا تكون على درجة واحدة. «الطعن في الجنايات مقتصر على محكمة التمييز لأن الجنح قد لا تصل لمحكمة التمييز عندها يحق لكل من يصدر عليه حكم من محكمة الشرطة أن يرفع دعوى للمطالبة بالتعويض لدى القضاء النظامي عن العطل والضرر للشخص.»

لكن مدير مكتب «المظالم وحقوق الإنسان» العقيد ماهر الشيشاني يكشف عن توجه لإصدار «قانون القضاء الشرطي»، وهو حاليا في مراحله التشريعية الأخيرة. وأضاف أن القانون سيتضمن «إنشاء محكمة استئناف شرطية» تكون مساندة لمحكمة الشرطة.

ويأتي إنشاء محكمة الشرطة استنادا لقانون الأمن العام في المادة 85 حيث تتبع قواعد وأصول المحاكمات الجزائية المدنية التي تطبق على كافة المحاكم، كما توجد هيئتان في محكمة الشرطة، تتبع قواعد وأصول المحاكمات الجزائية المدنية نفسها التي تطبق على المحاكم كافة.

وكان «ديوان المظالم وحقوق الإنسان» قد اصدر مدونة السلوك الوظيفي للشرطي، أطلق عليها «دستور الشرف الشرطي»، ويتضمن مجموعة ضوابط سلوكية وظيفية لرجال الأمن العام وتم توزيعها على رجال الأمن العام كافة، على اختلاف رتبهم.

يمكن لأي مواطن تضرر من أحد رجال الأمن العام أن يقدم شكوى عبر الاتصال على الرقم 5656409 أو عبر البريد الإلكتروني shakawi.office@psd.gov.jo

“ديوان المظالم”.. في الأمن العام: جهاز يحمي المواطن ومطلوب تطويره
 
26-Jun-2008
 
العدد 32