العدد 5 - اجتماعي
 

كثيرون في العالم العربي يذهبون في رؤيتهم لكيفية تجاوز أزمة غياب الديمقراطية التي يعانيها العالم العربي، مذهب المفكر العربي الراحل هشام شرابي الذي قال في كتابه “النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي” أن الأمر مشروط بـ”تحرير المرأة قولاً وفعلاً”، بمعنى أن إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الناهضة لا يمكن أن تتحقق إلا ابتداءً من مساواة المرأة بالرجل، فذلك في رأيه يقود إلى المساواة بين الجميع في المجتمع، ومن ثم إلى تقويض دكتاتورية السلطة السياسية. لذلك فقد كان يرى أن “الحركة النسائية هي الأكثر أهمية لأنها الأكثر ثورية من حيث طاقتها الكامنة فيها”.

غير أن هذا الرأي يمكن أن ينطوي على خلط غير مبرر بين مطلب الحريات العامة والحرية الفردية داخل المنظومة الاجتماعية من جهة، ومطلب مساواة الرجل والمرأة سياسياً واجتماعياً، من جهة ثانية. وبخاصة أنه لا يقدم تفسيراً علمياً واضحاً حول الآلية التي يكون بها “تحرير المرأة” مفتاحاً لا بديل عنه لتحرير باقي مكونات المجتمع.

وإذا كنا نؤكد أن مسألة تحرير المرأة العربية تمثل قضية هامة، لأن حالة المرأة العربية الراهنة تمثل دون شك أحد أركان أزمة العرب الحضارية، ما يستدعي ضرورة تغيير نظرة المجتمع العربي للمرأة وإنجاز مساواتها مع الرجل وبخاصة في مجالات المشاركة السياسية والاجتماعية، فإننا لا نوافق على أولوية قضية المرأة ومحوريتها في مسارات التحرر من التخلف الحضاري الراهن بشتى مظاهره.

فالحقيقة أن الحرية مفقودة لدى كل مكونات المجتمعات العربية، لا لدى المرأة العربية وحدها. فإذا كان من حق المرأة أن تطالب بالمساواة على الصعيد الأسري، وجب أن نلاحظ كذلك أن هكذا مطلب هو أيضاً من حق الابن (الذكر) في الأسرة، فهو الآخر لا حرية له في القرار والاختيار، حتى في المسائل التي تمس حياته الشخصية مباشرة، فمعظم الأسر العربية تمارس ضغوطاً على أبنائها في مسائل مثل اختيار الموضوع الذي سيدرسه الابن في الجامعة، أو المهنة التي سيتخصص بها، أو حتى وجهة مشاركته السياسية، هذا إذا سمحت له بالمشاركة السياسية من حيث المبدأ!

الفرد في المجتمعات العربية، ذكراً كان أم أنثى، لا يُعامل –اجتماعياً- كفرد حر مسؤول، وإنما كرقم تتحدد كفاءته وأهليته في ضوء مكانة الأسرة والقبيلة التي ينتمي لها. أما سياسياً، فهو مقموع ومهمّش ومنزوع الحقوق أياً كان جنسه. وهكذا فالقمع الاجتماعي والسياسي موزع بالتساوي بين النساء والرجال!

المرأة العربية، إذاً، ليست وحدها المتضررة من تخلف المجتمعات العربية، ما يعني أن التخلص من مظاهر التخلف ليس مرتبطاً بها بالضرورة، بل قد يكون منوطاً بشكل أكبر بتحرير الابن، بالمعنيين الاجتماعي والسياسي (وفي هذا الأخير فإن الابن هو المواطن المهمّش الذي تمارس عليه السلطة السياسية نفوذها باعتبارها الأب الراعي)، فتحرير الابن، أي انجاز مساواته كفرد له قيمته وحريته في الاختيار (مساواته مع “أبيه”)، يعني بالضرورة أن لا يكون لأحد سلطة على أحد، تمنح الكبير قدسية الرأي، ويعني بالتالي حتمية الديمقراطية على الصعيدين السياسي والاجتماعي.

الحرية، إذاً، هي قضية المجتمع لا قضية المرأة وحدها في العالم العربي، ولا جدوى من قضية تحرير المرأة إن لم تراع حقيقة غياب الحرية عن الجميع، حتى لا تكون المسألة بمثابة مقارعة لطواحين هواء، ففاقد الشيء لا يعطيه!

لا أولوية لقضية المرأة ! – سامر خير أحمد
 
06-Dec-2007
 
العدد 5