العدد 32 - أردني
 

خليل الخطيب

في صورة ما يمكن اعتبار الجريمة قمة المأساة الفردية الإنسانية، وربما كان هذا هو السبب في أن أخبار الجريمة على المستوى الواسع هي الأكثر متابعة بين كل المواضيع التي تنشر في الصحف. ولكن المفارقة أن جانب الكشف عن الجريمة لا يحظى بمثل تلك الشعبية بين المواطنين رغم ما ينطوي عليه من إثارة، ورغم أنهم قد يتابعون مسلسلات تلفزيونية بوليسية تقوم فكرتها الرئيسية على تتبع ملابسات جريمة ما حتى يتم اكتشافها، وبمقدار ما يحرص المواطن على متابعة مسلسلات الجريمة تلك بقدر ما يخفت حماسه عندما يتعلق الأمر بدور إدارة البحث الجنائي في الأمن العام.

"ے" أجرت مقابلات عدة مع مواطنين من خلفيات عمرية، ومهنية، ومناطقية، مختلفة، لتتعرف على مدى معرفتهم بإدارة البحث الجنائي والدور الذي تلعبه، ولكن، من بين خمسين شخصا قابلتهم ے وافق على الحديث تسعة أشخاص فقط، وقد طلب هؤلاء جميعا عدم ذكر أسمائهم.

طالبة في السنة الثانية بقسم اللغة الإنجليزية في الجامعة الأردنية قالت إن وجود إدارة تبحث في اكتشاف الأدلة على الجرائم لتدعم بها التحقيقات حتى تكون المحاكمات عادلة أمر ضروري، لكن ذلك في رأيها غير موجود إلا في الدول المتقدمة. وأضافت الطالبة بعد أن قدمت أمثلة على مسلسلات بوليسية أميركية تتابعها: "لم أسمع بوجود شيء كهذا في الأردن".

وعن متابعتها لنشرات التوعيه التي تصدرها مديرية الأمن العام تقول "أنا أهتم بالقراءة عن الجرائم والأحداث الغريبة بواسطة الشبكة الإلكترونية في كل دول العالم، ولا تهمني نشرات التوعية". طالب في السنة الثالثة تخصص الحاسوب في الجامعة نفسها قال إنه عرف بوجود البحث الجنائي صدفة لكنه لا يعرف ما هي الأعمال التي يقوم بها على وجه التحديد. يشرح الطالب أنه كان في جولة بالسيارة مع بعض أصدقائه وطال بهم الحديث حتى وقت متأخر. ويضيف أنه وأصدقاءه شاهدوا سيارة تتوقف قرب سيارتهم سرعان ما نزل منها شخصان "أخذا يسألان عن هوياتنا وسبب وقوفنا وعرّفانا بأنهما من البحث الجنائي.

وعن متابعة ما يصدر عن الأمن العام من أخبار ونشرات توعية أشار إلى أنه" يتابع أحيانا، ولكنه يعتقد أنه مهما أصدر الأمن العام من نشرات توعية فإن المجرمين سيبقون يبتكرون طرقا جديدة". طالب علوم مصرفية في جامعة عمان الأهلية قال إنه" سمع بالبحث الجنائي قبل ثلاثة أشهر عندما وقع صديق له في مشكلة، نتج عنها محاكمته بعد أن حقق معه رجال البحث الجنائي". وعبر طالب العلوم المصرفية عن اعتقاده بأن "عمل البحث الجنائي يتعلق بالمشاكل البسيطة".

ولم يبد اهتماما بمتابعة أخبار الجرائم أو المعلومات التي تتعلق بها لإعتقاده أن كل ذلك مجرد "حكي جرايد".

رفض معظم سائقي التكسي الحديث في الموضوع وأثار بعضهم شكوكاً حول دوافع أسئلتي حتى أن أحدهم أصر على إنزالي من السيارة حين وجهت له الأسئلة.

أستاذ علم الاجتماع موسى شتيوي فسر هذه الحالة بأن" المواطن الأردني تعود على أن الأجهزة الأمنية موجودة وتعمل بكفاءة لكن الحديث عنها أمر قد يوقع في المشاكل".

في حين أكد المقدم ممدوح الناصر، من إدارة البحث الجنائي، أن "مواطننا مسالم بطبعه، ويحب أن يبقى بعيدا عما ليس له مصلحة به."

لكن الأمر ليس كذلك مع بائعي المشروبات الكحولية الذين يبقون محلاتهم مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل، حيث يكثر الزبائن الذين يشترون كميات أكبر ونوعيات أغلى من المشروبات، بحسب تصريح أحد أصحاب هذه المحلات. لكن ذلك قد ينقلب إلى العكس تماما، فهنالك دائما احتمال وقوع مشاكل مع بعض الزبائن الذين يأتون لشراء المشروب وهم في حالة سكر شديد.

يقول: "بعض هؤلاء يكونون من الزعران وأصحاب السوابق ويمكن أن يرتكبوا أي حماقة، ولذلك نحن نحتفظ بأرقام البحث الجنائي، والأمن الوقائي لأن أمثال هؤلاء خطرون جدا ولا يخشون شيئا". أحد أصحاب المحلات هذه يبدو أكثر حذرا، فهو يبرز على زاوية محله خلف (الكاشير) مباشرة، كاميرا مراقبة، ويحتفظ على رف مجاور بمسدس من عيار 7 ملم، وتحت الرف بقائمة بأرقام الأجهزة الأمنية الذين قد يحتاجهم في أي وقت.

حارس مفتول العضلات يجلس أمام أحد النوادي الليلة في منطقة الشميساني قال للسجل: "تنحصر مهمتنا في ضبط المشاغبين من الزبائن وإخراجهم من النادي بهدوء، لكن بعض هؤلاء يتصرفون بعنف أحيانا، أو يكونون أصحاب سوابق، أو مطلوبين، وهنا يأتي دور الأمن الوقائي والبحث الجنائي حيث يوقفهم رجاله ويحيلونهم إلى التحقيق".

ويضيف الحارس "لكن مهمتهم لا تتوقف هنا، فهم يتأكدون، يوميا، من أن المحل يعمل وفق القانون، ولا تحدث فيه أشياء مخلة بالآداب العامة". حارس على باب ملهى آخر يضيف" بصراحة بعض من يرتادون الملاهي هم من أصحاب المشاكل، ولذلك تجد عيون البحث الجنائي والأمن الوقائي مفتوحة على هذه الأماكن".

الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام محمد الخطيب يعلق على ما تشير إليه المقابلات السابقة من ضعف في معرفة المواطنين حول إدارة البحث الجنائي ودورها : "مديرية الأمن العام تقدم برامج إرشادية متنوعة، وتنشر أخبار الجرائم والحوادث حتى تقدم للمواطن رسالة توعية تساعده على تجنب أن يكون ضحية أو جانياً".

وينبه الخطيب إلى أن "تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى أن يستخدم المواطن هذا الوعي، ويطبقه قبل أن يعرّض نفسه لمواقف تضعه في مكان الضحية أو الجاني."

الجهل بحقيقة البحث الجنائي ودوره في مكافحة الجريمة، ومنع وقوعها الذي لاحظناه بين المواطنين الذين قابلناهم، يشير إلى ضرورة تكثيف التوعية في هذا المجال مما سيساعد على الحد من وقوع المواطنين في مواقف تضعهم ضمن خانة الضحايا، أو خانة المجرمين.

لبحث الجنائي.. سطوته والجهل بجهوده
 
26-Jun-2008
 
العدد 32