العدد 1 - اقتصادي
 

عمان – يحذر اقتصاديون ومسؤولون سابقون من أن تفضي خطط حكومية مبدئية لتقسيم مصفاة البترول الوحيدة في الأردن لست شركات إلى إحداث حالة من الفوضى وفراغ قانوني بعد انتهاء عقد امتياز المصفاة، قد يؤثر في توافر هذه السلعة الاستراتيجية في الأسواق.

على أن الحكومة ترفض تلك الاتهامات معتبرة أنها وضعت خطة لإعادة هيكلة قطاع الطاقة من شأنها استيعاب المتغيَرات المرتقبة مع انتهاء عقد الامتياز، في آذار/ مارس

يطالب اقتصاديون الحكومة بتوقيع اتفاقية مؤقتة مع المصفاة قبل انتهاء عقد امتيازها المقبل لتجنب حدوث فوضى في العرض والطلب.

يشتكي هؤلاء من غياب استراتيجية حكومية قادرة على معالجة هذا الملف "الشائك" مع اقتراب انتهاء استفراد المصفاة بحق تكرير، المشتقات النفطية ونقلها، وتخزينها وتوزيعها. لذلك يدعو عدد منهم إلى إجراء دراسات معمقّة بالتوازي مع البحث عن شريك استراتيجي، لرفع كفاءة الإنتاج دون المساس بحقوق المساهمين.

في المقابل يعزو اقتصاديون تعليق خطط توسعة المصفاة وتطويرها خلال العقـــد الماضي إلى تحالفات غير معلنة بين الحكـــومة والشركة تجاهلت ضرورات التوسعة بسبب قرب انتهاء عقد الامتياز، وبالتالي إخضاع الأسعار لتذبذبات العرض والطلب. إلى حين انتهاء العقد تخضع التسعيرة لقرارات الحكومة، التي رفعت مشتقات النفط أربع مرات خلال العامين المنصرمين.

مدير المصفاة الأسبق عبد الوهاب الزعبي يجادل بأن انتهاء عقد الامتياز يجب أن يسبقه- كما في الدول المتقدمة- نقاشات ودراسات في العمق قبل سنتين من موعد الاستحقاق.

فوضى في السوق

يلفت النظر في هذا السياق إلى استراتيجية سلعة النفط، مؤكداً على أهمية استثمار الوقت "ضمان استمرارية تزويد البلد بالمشتقات النفطية، انتظام الاستيراد، التخزين، التوزيع".

لكن على أرض الواقع، "لم يتم اتخاذ أي إجراء عملي لغاية الان"، حسبما نبّه الزعبي الذي يحذر من "حدوث فوضى في استيراد المشتقات النفطية وتخزينها وتوزيعها".

على أن الناطق الرسمي لوزارة الطاقة ماهر الشوابكة "يستبعد وقوع مشاكل بعد الامتياز" مع أنه أقرّ بأن "الوزارة لمّا تطرح بعد عطاء استقطاب الشركات الجديدة، كما أنها لم تحدد موعداً لذلك".

وينفي الشوابكة "وجـــود تلكــؤ في السير في عمـلـــية إعادة تنظـيم قـطاع الطاقة".

تنص استراتيجية إعادة هيكلة قطاع الطاقة، بحسب الشوابكة، على تقسيم شركة المصفاة وتأسيس أربع شركات جديدة للتسويق وشركة لوجستية واحدة تعنى باستيراد الخام. مهمة تكرير النفط ما بعد الامتياز ستناط بإدارة المصفاة في حين تكلّف الشركات الأربع بتوزيعه.

يعتقد الشوابكة أن "خطط الحكومة للتعامل مع انتهاء الامتياز تسير في الاتجاه الصحيح" ويؤكد "الخطة شاملة وعلمية وضعها عدد من الخبراء في وزارة الطاقة"، مشيراً الى أن الحكومة مصرة على "التجزئة والتوسعة" في آن واحد.

على أن مسؤولين سابقين ينتقدون تلكوء الحكومة في توسعة المصفاة لافتين إلى تعليق عدة خطط للتوسعة على مدار العقدين الماضيين.

اجراءات احترازية

الزعبي يتوقع "تدارك السلبيات المتوقعة إذا سعت الحكومة لتوقيع اتفاقية جديدة "ليست امتيازا" مع الشركة لتنظيم العلاقة بين الطرفين.

مثل هذا الإجراء "طبق في دول كثيرة منها المغرب" بما يضمن إلزام المصفاة باستمرارية تقديم الخدمات بانتظام وتحمل مسؤولية توفير احتياجات المملكة من المشتقات النفطية بمواصفات عالمية وكميات تغطي الطلب في السوق"، على ما يوضح. الى ذلك يحث الحكومة على "الالتفات لهذه المسألة والبدء بالتحضير لهذه االاتفاقية لتكون شاملة وعميقة، يمكن أن تتضمن بنودا حول إلزام المصفاة برفع طاقتها الإنتاجية وتقديم أفضل الخدمات، وادخال شركات جديدة للسوق في حال عدم التزامها بنصوص الاتفاق". في السياق، "يتم احتساب الأسعار وفق حسابات تجارية تعتمد على الأسعار العالمية بناء على معادلة يتفق عليها الطرفان.. على أن يحدّد سعران للمنتج: الأول يسمى "سعر باب المصفاة" والثاني واصل المستهلك.

ينبّه الزعبي إلى "خطورة تجزئة المصفاة إلى عدّة شركات متخصصة" مبيناً أن "الحل يكمن بإدخال شريك استراتيجي وإجراء دراسة معمقة غير موجّهة تصب في مصلحة جميع الأطراف: الحكومة والشركة، والمواطن". يدعو الحكومة إلى "الحفاظ على أصول وموجودات الشركة وعدم التفريط بحقوق المساهمين" لاسيما وأن 75 % من أسهم الشركة تعود لصغار المستثمرين.

وفي حال أصرّت الحكومة على خيار "البيع بالتجزئة"، حسبما يتسرب عن اجتماعات رسمية، يشدّد الزعبي على ضرورة تقييم الموجودات على أساس القيمة في السوق وليس قيمتها الدفترية خصوصا" معتبرا أن الآلية الأخيرة لا تنصف المساهمين".

الزعبي، الخبير في شؤون الطاقة، يشارك مسؤولين سابقين في الاستغراب من مخططات الحكومية خصوصا وأن الشركة "مساهمة عامة مملوكة للقطاع الخاص". إلى ذلك تساءل الزعبي "عن سبب تدخّل الحكومة في هذه المسألة؟ معتبرا أنها ترتكز إلى بند في عقد الامتياز "انتفى" الغرض من وضعه قبل خمسين عاما. لكن الناطق باسم وزارة الطاقة يرى أن من" حق الحكومة التدخل في بيع وتقسيم المصفاة" المملوكة للقطاع الخاص، معللاً ذلك بأنها من الشركات الاستراتيجية المهمة في قطاع الطاقة الذي تسعى الحكومة لإعادة هيكلته في هذه المرحلة.

وتوقع المتحدث باسم الوزارة أيضاً أن "تؤسس شركة المصفاة شركتين من شركات التسويق الاربع" التي تسعى الحكومة لتأسيسها" بهدف القيام بجزء من عملية التسويق للسوق المحلية.

بموجب العقد بين الحكومة والشركة "قيد التأسيس" عام 1960 "يحق للحكومة بيع وشراء موجودات المشروع" لإنقاذ الاستثمارات الفردية في حال لم يكتمل الاكتتاب، بحسب الزعبي. ومن وجهة نظرالزعبي: "لا يحق للحكومة أن تتملك موجودات المصفاة إلا بالقيمة الاستبدالية وباتفاق الطرفين". من بين الخطط الحكومية عرض منشأة تابعة للمصفاة في العقبة للبيع مقابل خمسة ملايين دينار، استنادا إلى قيمتها الدفترية بينما تقدر قيمة هذه المنشأة في السوق ب30 مليونا، بحسب وزير سابق رفض الكشف عن هويته.

يؤكد الزعبي أن" أسهم الشركة باتت حقاً مكتسباً للمساهمين الذين دعموا المصفاة منذ إنشائها، وكان لهم دور في تثبيت هذا الصرح الاقتصادي الوطني وتقويته". لذلك، يضيف مدير المصفاة الأسبق، "ليس من حق أحد نزع موجودات الشركة التي أقيمت بأموال المصفاة نفسها وبأموال أصحابها أنفسهم".

لا توسعة

يذكر أن شركة مصفاة البترول خاطبت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1996 أكثر من مرة بهدف توسعة مرافقها التي تقدر كلفتها الآن بحوالي 750 مليون دولار، إلاّ أن الحكومة لم تستجب لهذا الاتجاه، وظل التأجيل مصير فكرة التوسعة رغم انعكاساتها الإيجابية على الاقتصاد الوطني ونوعية المشتقات النفطية المقدمة للمواطنين.

دخول الشريك الاستراتيجي يهدف الى إتـمام عملية التوسعة التي باتت ضرورة في المرحلة الحالية، لسببين الأول يتمثــل بانــتاج مشتقات نفطية بمواصفات عـالمية، مثل البنزين الخالي من الرصاص والديزل بنسب كبريت قليـلــة لا تتجاوز 05 ر% مقارنة مع نسبة 1ر1 % حـــالياً. ثمة ضرورة مـــلحة لرفع حجم الإنتاج المُقدر الآن ب 100 ألف برميل يومـــياً إلى 130 ألفاً بحلول العام 2017.

وزير طاقة أسبق يرفض طروحات الزعبي حول تقـــسيم مرافق المصفاة، إذ يؤيد "دخول شركات جديدة إلى السوق" معتبراً أن ذلك "يساعد على تقديم منتجات أقل تكلفة في حال تأهــــلت شركات ضخمة" لعطاء التسويق مثلاً. في المـــقابل، يتفق الوزير الذي لم يشأ الإفــــصاح عن اسمه مع الزعبي بأن "هناك ظروفاً محلية طاردة للمستثمرين الراغبين في الدخول بمشروع التوسعة" إلى ذلك يحث "الحكـــومة على اتخاذ إجراءات عدة لاغراء القطاع الخاص بالدخول في شراكة توسعة المصفاة".

أحد العوامل الطاردة للمستثمرين، بحسب الوزير الأسبق، "عدم التزام الحكومة بتحرير أسعار المشتقات النفطية، وغياب سياسة تسعيرية واضحة تتبع لها السوق". يرى هذا الوزير أن "التخوف من بقاء سيطرة شركة المصفاة على السوق في غير محله" معتبراً أن حجم حصة الشركات الجديدة يعتمد على قوتها التي تحدد إمكانياتها في استيراد منتجات نفطية مكررة بأسعار أرخص من التي تعرضها المصفاة الأردنية".

ينتقد المسؤول السابق "التأخير غير المبرر في طرح عطاء شركات تسويق المشتقات النفطية التي أوصى بها أحد خبراء البنك الدولي" كما يشدد على "أهمية وضع تشريعات ناظمة لعمل هذه الشركات لتجنب الأخطاء لدى التطبيق".

نقيب أصحاب محطات المحروقات حاتم العرابي يرى تناقضاً كبيراً بين ما تتحدث عنه الحكومة من وعود بتحرير السوق وبين ما يجري على أرض الواقع. يشكّك العرابي بالإجراءات الحكومية في قطاع الطاقة، ويقول: "ليس هناك تحرير للأسعار فكل ما يجري الهدف منه رفع الدعم عن المشتقات النفطية"، المقرر أن تنجز حلقتها الأخيرة في مارس/آذار المقبل- وفقاً لخطة حكومية مطبقة منذ سنوات

العرابي يتفق مع الزعبي حول ضعف الجدوى الاقتصادية لإنشاء مصفاة بترول جديدة في المملكة بسبب صغر حجم السوق وارتفاع تكلفة المشروع، إذ تتجاوز ثلاثة مليارات دولار فضلا عن ارتفاع كلفة وتعرفة شحن المواد الخام، علماً أن السعر العالمي اخترق سقف 90 دولاراً للبرميل.

تقول الحكومة إن فاتورة النفط تجاوزت مليارا و700 مليون دينار منذ مطلع العام، ما يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي، ويكلف كل دولار زيادة في أسعار النفط عالمياً الخزينة حوالي 30 مليون دولار.

يستشهد العرابي بمشروع قانون تحرير سوق المشتقــات النفطيـة، الذي عرضته الحكومة على النقـــابة. ويتضمن تقاسم المشتقات التي تبيعها محطات المحروقات ال 360 بين أربع شركـــات تسويـق مقترحــة، إلى جانب مصفاة البترول. كذلك ينص على أن تحدد الحكومة سعراً موحداً يتغيّر كل شهرين، تخضع له جميع الشركات، الأمر الذي "يتنافى" مع فكرة السوق الحرة التي يحكمها العرض والطلب.

أما نقيب الجيولوجييـن خالد الشوابكــة، فيذهب أبعد من تطوير المصفاة القــائمة إلى الدعوة لبنــاء مصفـــاة جديدة تمتـــلك تقنيات تكرير «الصخر الزيتي» الذي يحتاج لوســائل دقيقة لاحتوائـة نسباً عالية من الكبريت.

مخاوف من فوضى جراء صفقة تقسيم المصفاة – جمان سليمان
 
08-Nov-2007
 
العدد 1