العدد 32 - أردني
 

يتهامس أردنيون معنيون بسلطة القانون في جلساتهم حول وجود مناطق معينة في البلاد يطلقون عليها اسم "المناطق السوداء" ويتردد أنها عصية على رجال الأمن العام وأجهزة مكافحة المخدرات، حيث تجري فيها زراعة المخدرات بمختلف أنواعها، والاتجار بها.

هذه المناطق تعد ملاذاً آمناً للمهربين وللصوص، إضافة إلى الاعتداء على المال العام في وضح النهار، من دون أي ملاحقة أمنية بسبب وجود متنفذين ينتمون إلى عشائر توصف بأنها "سوبر".

وتعد مناطق جنوب عمان : "اللبن ، سحاب" و"الشلالة" قرب مدينة العقبة، وأخرى في الشمال: منطقة "الزعتري" في المفرق، و"الرمثا" في إربد، ومناطق "الغور"، أكثر المناطق التي تتردد أسماؤها في هذا المجال، ويدور جدل حول "كونها مناطق نفوذ عشائري ".

وفي جولة "للسّجل" على منطقة اللبن جنوب عمان نفى من التقتهم ما يتردد من أحاديث حول وجود فارين من وجه العدالة فيها، يقول مواطن فضل عدم ذكر اسمه "نحن نعيش في دولة القانون"، ويضيف" "في العديد من الجلسات أستمع إلى أحاديث عن قريتي وفيها الكثير من التلفيق".

حكومة معروف البخيت أمرت في العام الماضي بفرض القانون على "المعتدين" على أملاك الدولة سواء من خلال بناء منازلهم في أراضي سلطة وادي الأردن، أو من خلال امتناعهم عن دفع ما يترتب عليهم من عوائد استهلاكهم للكهرباء والماء.

الحملة التي أقامها البخيت في صيف العام 2006، لم تلق الكثير من النجاح، حيث يشكوا العديد من أبناء المنطقة من استمرار خرق القانون ووجود طابع "طبقي عشائري" يعتبر أن ما يحصل عليه من الدولة هو جزء يسير من حقه الطبيعي، كون الدولة بنظرهم جاءت بعد أفول نجم سيطرتهم المطلقة على "البلقاء".

ويتهامس أبناء القرى المحيطة بقرية الزعتري في المفرق، قائلين إن القرية تعد مكانا آمنا لتجار المخدرات والمهربين، إلا أن أبناء القرية ورسميون ينفون مثل هذه الأحاديث بالقول إنها مجرد شائعات لا مكان لها من الصحة.

مدير هيئة مكافحة المخدرات طايل المجالي ينفي أن تكون في الأردن أية مناطق عصية على رجال مكافحة المخدرات، مشيرا إلى أن ثورة الاتصالات مكنت الدول من مراقبة أراضيها من خلال الأقمار الاصطناعية.

المجالي يقول إن آلية عمل الجهاز القائمة على الاستخبارات وتجنيد المخبرين ،تنطلق من أرضية الوقوف ضد تجار المخدرات الذين يمثلون جانب "الشر".

وبيّن المجالي أنه تم إلقاء القبض على العديد من تجار المخدرات في عدة مناطق في البلاد من خلال زج عناصر الجهاز في صفقات الاتجار بالمخدرات للإيقاع بالتجار وبأعوانهم ،للقبض عليهم بالجرم المشهود.

في العام 2007 أصدرت إدارة مكافحة المخدرات تقريرا أكد عدم وجود زراعة مخدرات في الأردن. وفي إطار عملها في هذا المجال، تقوم الإدارة بمسوحات جوية على جميع المزارع، تضاف إلى الرقابة التي تتم من خلال الأقمار الاصطناعية حيث تقوم هيئة الأمم المتحدة بالتفتيش على الزراعات الممنوعة. وقد أكدت الهيئات المشار إليها جميعا خلو الأردن من أي زراعات محرمة دوليا. تقرير إدارة مكافحة المخدرات ذكر إنه تم ضبط بعض أشتال المخدرات، لكنه أكد أن عددها محدود، وأنها لا تنتج كميات تجارية وإن وجدت فهي للاستهلاك الشخصي.

المجالي يؤكد أن العثور على شتلات للمخدرات في البلاد، ليس دليلا على وجود زراعة لهذه الأصناف، "لا توجد في الأردن مناطق كتلك الموجودة في بلدان أخرى تشتهر بزراعة المخدرات أو الاتجار بها".

التقرير ذكر أن العام الماضي شهد وفاة أربعة أشخاص، جراء تناول جرعة زائدة من المخدرات، فضلا عن 46 حالة وفاة خلال الخمس سنوات الماضية، مشيرا إلى أن الفئة العمرية الأكثر تعاطيا للمخدرات هي فئة الشبان مابين 20 و 30 سنة. وقال إنه تم ضبط 32 فتاة متعاطية للمخدرات. قال التقرير إنه تمت معالجتهن جميعا في مركز الإدمان التابع للأمن العام، وبالتعاون مع وزراة الصحة. وكانت المواطنات الأربع من بين 56 فتاة متعاطية للمخدرات من جنسيات عربية وأجنبية.

المتعاطيات الأردنيات، بحسب التقرير، غير جامعيات، "معظمهن متزوجات وربات منازل تعاطين المخدر، إما بطلب من الزوج او بغرض تحدي الزوج بالتجربة".

ارتفاع أسعار المخدرات حال دون تعاطي طلبة المدارس لهذه الآفة، لكن التقرير يشير إلى أنه تم ضبط 554 طالبا جامعيا تعاطى معظمهم الماريجوانا.

ويشير التقرير إلى أن عدد القضايا المضبوطة بلغ العام الماضي 2197 قضية بينها 549 تجارة و 1648 تعاطي، وبلغ عدد الأشخاص المضبوطين 3707 شخصا بينهم 833 تاجرا و2874 متعاطيا، أما كميات المخدرات المضبوطة فبلغت 410,300 كغم حشيش، 43,19 كغم هيروين، 7,474 كغم كوكائيين، و 10,929,138 حبة مخدرة. كما أشار إلى أن 203 أشخاص تلقوا العلاج في مركز علاج الإدمان.

وقد أتلفت إدارة مكافحة المخدرات كميات تقدر قيمتها بحوالي 12 مليون دينار منها: 12,25 ماريجوانا، مستحضر البالتان 45478 حبة، مستحضر البروكسيمول 190 حبة، مستحضر الترامال 9351 حبة وحبوب مخدرة 24441 حبة، بالإضافة إلى الكميات المذكورة من الحشيش والهيروين والكوكائيين والحبوب المخدرة.

ويشير التقرير إلى أن هذه الكميات المضبوطة، لا تعني أن الأردن يعاني من انتشار مثل هذه الظاهرة، كون 85بالمئة من المخدرات المضبوطة تخص دولاً مجاورة.

على الرغم من احتفال الأردن بعيد الاستقلال الثاني والستين، ومرور ما يقارب القرن على نشوء الدولة التي تعد الأعلى على مستوى الإقليم تعليميا، فإن قوانين وتنفيعات ومحاباة قدمت لفئات بعينها ساهمت في تكاثر الهمس عن أن عائلة أو منطقة تحظى برعاية خاصة.

**

الزرقاء: مدينة أخذت بجريرة أحد أبنائها

يحجم بعض أبناء محافظة الزرقاء العاملين خارج المحافظة وطلبة الجامعات، عن التصريح عن مكان إقامتهم، لئلا يوصموا بأنهم "زعران".

الزرقاء من أكثر محافظات المملكة اكتظاظاً بالسكان، إذ تبلغ الكثافة السكانية فيها نحو 173.3 نسمة لكل كيلومتر مربع واحد، مقارنة مع المعدل العام للمملكة الذي يبلغ نحو 61.6 نسمة. ويقطن في المحافظة نحو مليون نسمة وبنسبة نمو سكاني تبلغ 6.6 بالمائة.

هذه البيئة المكتظة، إضافة إلى وقوع المدينة في المرتبة الثالثة من حيث عدد ارتكاب الجرائم بمختلف أنواعها بعد العاصمة عمان ومدينة العقبة، ساهمت في ترسيخ قناعة بأن "الزرقاوي"، أيا كان هو بالنتيجة موضع للشكوك.

في دراسة لدائرة الإحصاءات العامة في العام 2003 ظهرأن 23،2 من أبناء الزرقاء يعتقدون بأن الجريمة أو العنف مشكلة في المنطقة التي يقطنها.

وجاء في المرتبة الثانية، بحسب الدراسة، أبناء محافظة جرش الذين يعتقد 12،8 في المئة منهم أنهم يعانون من الإحساس نفسه.

محمد، طالب في جامعة اليرموك، ينتمي إلى عشيرة بني حسن، يقول إنه على الرغم من إقامته في الزرقاء، فإنه لا يعرف على مكان إقامته بأنه من محافظة المفرق، وذلك تجنبا لتحرشات زملاء ينعتون آخرين من أبناء المدينة "بالزرقاويين".

حال محمد هو حال كثيرين من أبناء المدينة الذين يدرسون في جامعات مختلفة خارج محافظة الزرقاء. يقول خالد، طالب في الجامعة الأردنية، إنه لمس تحفظا من زملاء له في الجامعة في أعقاب دفاعه عن المدينة التي عاش فيها مشيرا إلى أن كثيرا من أبناء المحافظات الأخرى يحملون أفكارا عن مدينة الزرقاء تشبه إلى حد كبير ما نشاهده في أفلام هوليوود عن مدينة شيكاغو الأميركية الشهيرة بعصاباتها الإجرامية في العشرينيات من القرن الماضي.

حال مأمون، سائق تكسي، ليس أفضل فقد لاحظ عزوفا من ركاب في مطار الملكة علياء عن الركوب معه بعد أن أوصل مسافرا إلى المطار في سيارته المسجلة في محافظة الزرقاء. ويضيف "كانت تجربة أليمة؛ شعرت وكأنني احمل وزر مدينة كل ذنبها أنها خرجت شخصا.." ولم يذكر اسم الشخص المقصود، الزرقاوي.

ارتباط اسم مدينة الزرقاء بأبو مصعب الزرقاوي، ساهم في وصم المدينة الفقيرة بالتطرف، فهي تعد معقلا لجبهة العمل الإسلامي، وهو ما دفع ابن المدينة الشاعر أمجد ناصر إلى الدفاع عنها في مقال له في القدس العربي بقوله "أنا أيضا زرقاوي".

يتوزع سكان محافظة الزرقائ على 52 تجمعاً سكانياً، أهمها مدينة الزرقاء، وهي مركز المحافظة. أما باقي السكان فيتوزعون على تجمعات سكانية هي حواضر وبلدات وقرى. وبحسب إحصاءات رسمية، يقيم في المدينة والحواضر التي تحيط بها نحو 96 في المئة من إجمالي عدد سكانها.

**

الشلالة: بؤرة عنف

في "ثغر الأردن الباسم"

قليلون، ربما، هم الذين سمعوا باسم «الشلالة»، فقد وصفها تقرير أصدرته مؤسسة كويست سكوب للتنمية في الشرق الأوسط بأنها "جزيرة معزولة عن سياقها الاجتماعي».

الشلالة، هي إحدى مناطق العقبة التي كثيرا ما يشار إليها باسم «ثغر الأردن الباسم»، لكن سكان الشلالة لا يرون سببا وجيها للابتسام، فبحسب التقرير المشار إليه، تتميز المنطقة بتردي الوضع التعليمي، وتفشي البطالة في منطقة تعد واحدة من جيوب الفقر الـ 20 في المملكة، فهي تشمل ما يزيد على 54بالمئة من إجمالي عدد سكانها.

قبل أسابيع ضبط جهاز الأمن العام كمية كبيرة من المخدرات في أحد منازل الحي، وعندما حاول رجال الأمن العام القبض على المتاجرين بالمخدرات، قاوم هؤلاء رجال الأمن، وأطلقوا عيارات نارية بهدف عدم إلقاء القبض عليهم، بحسب تقرير الأمن العام.

جرائم الشلالة تساهم في رفع نسبة الجريمة في محافظة العقبة، ولكن هذا الحي ليس الوحيد الذي تزداد فيه نسبة الجرائم، فقد أظهرت دراسة لدائرة الإحصاءات العامة لعام 2002 – 2005، أن المحافظة شهدت 1269 جريمة مختلفة، مقابل 658 وقعت في محافظة العاصمة التي حلت ثانيا.

وأشارت الدراسة إلى أن 4،6 من سكان المدينة يعتقدون أن الجريمة أو العنف مشكلة في المنطقة التي يقطنوها.

وتشير الدراسة إلى تراجع الجريمة في المملكة بشكل عام، باستثناء مدينة العقبة التي شهدت ما بين العامين 2003 – 2005 ارتفاعا في نسب الجريمة بمعدل 5 بالمائة.

ارتفاع نسب الجريمة في المدينة الميناء يرده الخبير الاجتماعي موسى شتيوي إلى الطبيعة الساحلية لها، ويقول شتيوي «إن المدن الساحلية في العادة تشهد ارتفاعا في نسب الجريمة».

تحول المدينة إلى منطقة خاصة ساهم في تغيير التركيبة الاجتماعية للمدينة التي تحولت إلى منطقة تحكمها قوانين خاصة. هذا التحول ساهم في تحقيق عائد مادي للبعض فيما بقي سكان المناطق الفقيرة عاجزين عن اللحاق بهذا التطور بفعل غياب التعليم الأكاديمي والحرفي.

وبحسب عالم الاجتماع خالد عوض فإن بروز وانتشار أنواع جديدة من الجرائم، وارتباط عدد منها بالظروف الاقتصادية وخصوصا الفقر، ساهم في ازدياد جرائم السرقات الجنائية والسرقات الجنحوية وحيازة المسروقات والشروع بالسرقة، إضافة إلى ارتباط عدد من الجرائم بتراجع البعد الأخلاقي والقيمي وعلاقة المجتمع بالدولة نتيجة لتحول المدينة إلى مجتمع يعتمد على السياحة بشكل أساسي، وانتشار أماكن الترفية التي تستقطب الشباب.

مفوضية العقبة تعتزم ترحيل سكان الشلالة إلى مناطق أخرى لما يمثله موقع الحي الواقع على هضبة مطلة على البحر في مكان استراتيجي في العقبة. فهل تختفي جزيرة العنف هذه، وتعود الابتسامة إلى ثغر الأردن؟

“المناطق السوداء” بين الروايات الشعبية والنفي الرسمي
 
26-Jun-2008
 
العدد 32