العدد 32 - أردني
 

حسين أبورمّان

جرائم خارجة عن المألوف هي التي تهز ضمائر الناس، وتستقطب اهتمامهم، وتتحول في كثير من الحالات إلى قضايا رأي عام. لكن الوقوف على الحالة الحقيقية للجريمة أمر على جانب من الصعوبة. فما يطفو على السطح لا يشكل سوى "قمة جبل الجليد العائم".

وخلافاً للانطباعات السائدة، فإن معدلات الجريمة في محافظات طرفية، اكبر منها في محافظات مأهولة بالسكان. فالعقبة تحتل المرتبة الأولى بمعدل 1279 جريمة لكل مئة ألف من السكان، حسب أرقام عام 2005، فيما تحتل محافظة المفرق المرتبة الثالثة (559 جريمة)، بعد العاصمة (658 جريمة)، يليها محافظة الزرقاء (485 جريمة)، فمحافظة إربد (428 جريمة). هذا الترتيب كان هو نفسه عام 2002.

تضاعفت أعداد الجرائم في المملكة في العقد الممتد من عام 1992 إلى عام 2001، إذ ارتفعت إلى 60855 جريمة. لكن الإحصاءات الرسمية هبطت بأعداد الجريمة إلى النصف في عام 2002، بعد إعادة تصنيف الجرائم لاستثناء الخفيفة منها مثل جرائم الإيذاء البسيط، السُكْر المقرون بالشغب، إعطاء معلومات كاذبة، وغيرها.

الجهات التي تعنى بحصر الجريمة والإحاطة ب"تطورها"، تواجه صعوبات؛ منها اعتبارات اجتماعية تحول دون إبلاغ كثيرين من الضحايا أو ذويهم عن الجرائم التي وقعت عليهم، خشية المضاعفات التي قد تنجم عن ذلك. قلة من السيدات اللواتي يتعرضن للعنف الأسري، يقمن بالتبليغ عما تعرضن له.

وجود مصلحة مشتركة لدى الفاعلين في إخفاء الجريمة، مثل جرائم الرشوة (الراشي والمرتشي)، والاتجار بالمخدرات (البائع والمشتري)، وغيرها تشكل صعوبة أخرى. بل إن ضحايا كثيرين يفتقدون القناعة بجدوى الإبلاغ إذا كانت الجريمة ستقيد "ضد مجهول"، بغياب شواهد أو أدلة توصل للفاعل.

ارتفاع أرقام الجريمة بأنواعها، يقلق في المقام الأول أجهزة الأمن العام. رغم أن المسؤول عن الجريمة هو المجتمع نفسه. تتمثل المسؤولية المباشرة لأجهزة الأمن في اكتشاف الجريمة ومكافحتها. لذلك يحسن بأي جهة أمنية عدم التقليل من حجم الجريمة، أو التهوين منها. فالمجتمع يجب أن يواجه دائماً بحجم وتطورالخلل فيه، حيث الحجم الفعلي للجريمة هو في كل الأحوال أكبر من الأرقام المعلنة.

أجهزة الأمن الأردنية تتمتع بسمعة جيدة بما يخص قدرتها على اكتشاف الجريمة. يشكّل هذا عاملاً مهماً من عوامل الردع لها. كما يشجع الأمن العام على تعزيز مفهوم الشرطة المجتمعية والتركيز على دور المواطن في الوقاية والحماية من الجريمة.

للجريمة أكثر من تعريف، وتعريفها الاجتماعي هو الأوسع. فهي «كل سلوك مخالف للمعايير والقيم السائدة أو مخالف للإجماع أو العدالة، وتشتمل على مخالفات قانونية وغير قانونية. وفي المجال القانوني، فإن السلوك المخالف يستوجب العقاب، إذ لا عدالة بدون قوانين، سواء ما هو نافذ منها، أو ما هو غير موجود»، وفق أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة الأردنية موسى شتيوي.

السياسات العامة للحكومات تتحمل مسؤولية رئيسية عن نمو أنواع معينة من الجريمة، لأنها صاحبة الولاية العامة على مقدرات الدولة. تؤكد العديد من الأبحاث الاجتماعية أن السياسات التي تفضي إلى توطين الفقر والبطالة والجهل وتهميش فئات واسعة من المجتمع وحرمانها من حقوق أساسية، تشكل سبباً رئيسياً من أسباب الجريمة.

يلفت أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة فيلادلفيا سالم ساري الانتباه إلى منظور عالم الاجتماع الفرنسي ديركهايم للجريمة بأنها "ظاهرة طبيعية من ظواهر المجتمع. فالترتيبات والمصادر نفسها التي تعزز في المجتمع أنماطاً أو أفعالاً سوية، هي نفسها التي تفرز أنماطاً أو أفعالاً غير سوية. غير أن المسألة الشائكة تكمن في الصورة التي تحيط بالجريمة".

هناك أنماط من جرائم لا يلتفت إليها بالقدر الكافي مثل الجرائم الاقتصادية، الغش التجاري، الفساد المالي والإداري، يوضح سالم ساري، مضيفاً أن الجرائم الأشد خطورة هي تلك التي يقوم بها من يطلق عليهم أصحاب "الياقات البيضاء". فهذه الجرائم ذات طبيعة مهنية، يقوم بها محترفون من خلال وظائفهم والخبرة التي اكتسبوها.

انطلاقاً من قاعدة البيانات المعتمدة لعام 2002، فإن أرقام الإحصاءات العامة، تشير إلى اتجاه هبوطي للجرائم الرئيسية من جنايات وجنح للسنوات 2002- 2006 ، إذ إن أرقام 2006 أقل بـ 2047 عنها في 2002. وتوزع التراجع بين 881 جناية، بنسبة 15.5 بالمئة، و1166 جنحة، بنسبة 4.6 بالمئة. لكن تراجع الأرقام لا يشمل جميع الجرائم.

في مقابل العدد الكبير من الجرائم التي هبط عددها خلال السنوات المشار إليها، ارتفع عدد "جرائم جنحوية" عدة، أهمها الإضرار بمال الغير، بمعدل زيادة سنوية قدرها 282 جريمة، وتعاطي المواد المخدرة بمعدل زيادة سنوية قدرها 121 جريمة. أما الجنايات، فقد هبطت جميعها ما عدا جرائم المخدرات والرشوة.

حول توزيع عدد الجرائم في محافظات المملكة، حسب أرقام عام 2006، فإن خمس محافظات تسجل 84 بالمئة من الجرائم والجنح، هي على التوالي: العاصمة (46.5 بالمئة)، إربد (14.5 بالمئة)، الزرقاء (12.8 بالمئة)، البلقاء (5.8 بالمئة)، و العقبة (4.2 بالمئة).

المعطيات الخاصة بتطور الجريمة ، تدلل على أن الجريمة في بلادنا كانت حتى وقت قريب نمطية، "اعتيادية" الطابع بما في ذلك في مجال المخدرات. مع التداخل العالمي الكبير، هناك مخاوف أن تكون الجريمة منظمة، وذلك مع أشكال جديدة من جرائم قديمة، مخدرات، غسيل أموال، تهرب من الضرائب، شركات وهمية، تجارة الجنس، إضافة إلى جرائم المعلوماتية والتجارة الإلكترونية.

وراء الجريمة المنظمة مؤسسة مثل مؤسسات أخرى، لكنها ذات طابع سري، تتسم بالتنظيم والتشبيك والترويج والاستهلاك. انتقل نموذجها المشهور "المافيا" بعلاقاتها التي كانت تفرضها بالقوة مع الشرطة والقضاء والإعلام والصحافة، إلى علاقات تقوم على المصلحة باستغلال نفوذها غير المشروع وتحويله إلى ممارسات مقبولة كأي نشاط آخر تجاري أو مالي.

هذا التطور للجريمة على المستويين الدولي والإقليمي ينتقل بسرعة متفاوتة إلى المستوى المحلي، ما يتطلب عملاً في اتجاهين ؛ الأول توعية الأجهزة المعنية بتطور الجريمة، والارتقاء بقدراتها على اكتشافها والحد منها. والاتجاه الآخر يتعلق بتطوير التشريعات لمواكبة الاحتياجات المستجدة لدى السلطة القضائية.

"عبء التعامل مع الجريمة ملقى إلى الآن على عاتق الأمن العام والقضاء. ليس هناك اهتمام كاف بالسياسات الاجتماعية الخاصة بالجريمة، مع شبه غياب لدور المجتمع المدني وللدراسات الأكاديمية في هذا المجال"، بحسب شتيوي.

وبالنظر إلى التحولات التي يمر بها العالم وانعكاساتها على مستوى تزايد الجريمة، وتنوع أشكالها، وبروز ظواهر أمنية لم تكن معروفة، فقد اتجه جهاز الأمن العام إلى توظيف مخرجات البحث العلمي لتصبح مرشداً للخطط والاستراتيجيات الأمنية. وتم إنشاء "مركز الدراسات الاستراتيجية الأمنية" لإجراء الدراسات والبحوث الأمنية وتقديم الاستشارات لقيادة وقادة وحدات الأمن العام بما يساعد على اتخاذ القرارات المناسبة، وتقديم خدمة أمنية أفضل.

تصنف الجرائم في القانون الأردني من حيث درجة خطورتها أو جسامتها إلى جنايات وجنح ومخالفات، لكن قانون العقوبات لا يقدم تعريفاً مباشراً للجرائم، وإنما يتحدد نوع الجريمة بحسب العقوبة الموصوفة لها في القانون. فجريمة ما تكون جناية إذا كانت عقوبتها جنائية، ويشمل هذا عادة الجرائم الأشد خطورة وجسامة، مثل: الشروع بالقتل، القتل العمد، السرقة الجنائية، الاغتصاب، الخطف، هتك العرض، تزييف النقد، الرشوة، المخدرات، وغيرها. العقوبات الجنائية خمس، هي: الإعدام، الأشغال الشاقة المؤبدة، الاعتقال المؤبد، الأشغال الشاقة المؤقتة، والاعتقال المؤقت.

وتصنّف الجريمة جنحة إذا كانت عقوبتها جنحية، وتعتبر الجنحة أقل خطورة من الجناية، وهذا يشمل عدداً كبيراً من الجرائم مثل: القتل الخطأ، الذم والقدح والتحقير، السرقة الجنوحية، الإضرار بمال الغير، الزنا، التهديد، الاحتيال، تحرير شيك بدون رصيد، تعاطي المواد المخدرة، وغيرها. العقوبات الجنحية ثلاث، هي: الحبس، الغرامة، والربط بالكفالة.

وتعدّ الجريمة مخالفة إذا كانت عقوبتها تكديرية، وهذا يشمل طيفاً واسعاً من الأعمال الجرمية ذات الأثر البسيط. وعقوبتها نوعان؛ حبس تكديري من 24 ساعة إلى أسبوع، أو غرامة.

تحفل سائر المجتمعات المتقدمة منها وغير المتقدمة بأنواع شتى من الجرائم ، ويتفاوت عددها ونسبتها بين "موسم " وآخر . تختلف النظرة الى الجرائم من مجتمع الى آخر ، وتختلف نظرة القانون اليها عن نظرة المجتمع أحياناً ، كما هو الحال مع حوادث السيارات. الاردن بلد آمن من منظور سياسي وفي التصنيف ..السياحي.غير أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي شهدتها المملكة منذ مطلع الألفية الثالثة ، تستحق أن تفتح الاعين على أشكال مستجدة من الجريمة والإخلال بأمن الأفراد والمجتمع، كالجرائم عبر الانترنت وأشكال لا تحصى من الاحتيال التجاري والطبي والسياحي ، علاوة على أهمية ضبط حيازة الاسلحة الفردية والحد منها ،ومحاصرة ظاهرة الخروج على القانون، ووضع حد لمن يعتبرون أنفسهم فوق القانون ، مع ما يستلزمه ذلك من تأهيل وتثقيف لرجال الأمن العام .

اقترافات أصحاب “الياقات البيضاء” الأشد خطورة : الجرائم في الأردن “حول المعدل” وتواكب ثورة المعلوماتية
 
26-Jun-2008
 
العدد 32