العدد 31 - كتاب
 

في بلاد الدنيا يهجر الناس المدن وبالذات العواصم في الصيف، صوب البحر والجبال والريف، أما عمان فتستقبل عشرات الآلاف من المصطافين القادمين من بلدان "ملتهبة"، نسبة كبيرة منهم من الأردنيين المقيمين في دول الخليج،علاوة على طلبة ومقيمين في أصقاع الدنيا يعودون لقضاء إجازاتهم بين الأهل في عمان.

هذه خصوصية أخرى لعمان التي يزيد عدد القاطنين فيها في الصيف، ويرتفع عدد المركبات في شوارعها بصورة ملحوظة، ويعتصم غالبية سكانها فيها لا يبرحونها إلا إلى أقرب المناطق في محيط العاصمة. الطبقة الوسطى العريضة لا تعرف تقليداً اسمه إجازات الصيف، إما لضيق ذات اليد وهذا هو السبب الغالب والأعم، أو لافتقاد فرص السياحة الداخلية "الشعبية "، المأمول أن تشهد السنوات العشرون المقبلة، إقامة مرافق سياحية في شمال المملكة حيث المناخ اللطيف صيفاً.. وهي مناطق تشكو من عذرية سياحية، رغم سحر الطبيعة فيها. السياحة الداخلية عندنا شتوية،صوب العقبة، والبتراء، ووادي رم، والأغوار. أما في الصيف، فيسوح الواحد في دخيلة نفسه وداخل ملابسه..

باتت عمان مقصداً للسياح العرب في الصيف، وهو تطور طيب وإن لم يكن جديداً تماماً. يرى الزائرون فيها ما لا يراه أبناؤها.قلما يلتفت الناس هنا،الى صفاء ورخاء ليالي عمان في الصيف حتى حين لا يكون هناك قمر في السماء،أو إلى جودة فواكه الموسم، أو إلى الحياة اليومية الآمنة، أو الليل الذي بات مضيئاً وأنيساً يلبي رغبات عشاق السهرالطويل.

الناس يلتفتون فقط ولهم الحق في ذلك الى الأسعار السياحية للسلع. الى الاكتظاظ الشديد في الشوارع. الى الشقق المفروشة التي أخذت تتكاثر في البنايات السكنية (يشكو بعض الساكنين من الغرباء ولكأن الساكنين يعرفون جيرانهم!). يلتفتون الى شاشة التلفزيون ويتسمرون أمامها، وقد باتوا يضيقون بها كلما زادت مساحة الشاشة، وكلما زاد عدد القنوات الفضائية المتاحة !. ذهبت أيام زمان حين كان الواحد يطير فرحاً، بالعثور على محطة تلفزيونية جديدة تضاف الى القنوات الثلاث التي يوفرها "الأنتينن" آنذاك، ويدعو لرؤية القناة الجديدة المكتشفة ضيوفه حتى يرون بأعينهم ما يراه.

يوفر الصيف فرصة سانحة للشكاوى المحقة،كما للتشكي الذي يجري مجري العادة ويعكس مزاجاً خاصاً، بأكثر مما يجسد واقع الحال. الدليل أن الناس تضيق علناً ببرودة الشتاء وحرارة الصيف.رغم أن أيام الزمان لم تكن أقل برودة شتاء أو أقل حرارة صيفاً، عما هي عليه في أيامنا.

يقول المثل العربي السائر "في الصيف ضيعنا اللبن"،. أهل عمان أضاعوا اللبن (المخيض) وفقدوا أموراً أخرى.

عليه فإن الزوار وبعضهم من الأردنيين، هم من يأخذون فرصتهم في التمتع بمزايا الحياة عندنا في الصيف، بينما ننتظر نحن انقضاء الصيف وحلول الشتاء كي نغير في مفردات التشكي.

محمود الريماوي: ما يراه الزائرون وما لا نراه
 
19-Jun-2008
 
العدد 31