العدد 31 - حريات
 

سامر خير أحمد

تجاوزت عمليات مراقبة وملاحقة الإبداع وخنقه، التي يتعرض لها كتّاب عرب بين الفينة والأخرى، الرقابة التي تفرضها الأجهزة الحكومية، أو التي تقررها الأجهزة القضائية على ضوء دعاوى يرفعها من يقدمون أنفسهم بصفتهم حماة الدين والأخلاق. فقد وصل الأمر إلى ممارسة الناشرين الرقابة والخنق، من دون تدخل أية أجهزة، ليس من خلال الاعتذار عن نشر مخطوط كما جرت العادة، بل بعد أن يكونوا قاموا فعلاً بطباعته ونشره وعرضه في السوق.

فللمرة الثانية في غضون عام، تُقرر إدارة مكتبة مدبولي المصرية، وهي إحدى أكبر مؤسسات النشر في العالم العربي، إتلاف مؤلفات للكاتبة المصرية نوال السعداوي التي كانت المكتبة تعاقدت معها لنشر مؤلفاتها كافة، والبالغة أكثر من 40 كتاباً، بحجة أن المؤلفة تعرضت في أعمالها تلك للأديان.

فبعد أن كانت المكتبة قررت في شباط/ فبراير 2007، "إعدام" مسرحية من تأليف السعداوي، عنوانها "استقالة الإله في اجتماع القمة"، عاد صاحب المكتبة، محمد مدبولي، ليقرر قبل أيام "إتلاف" الطبعة الجديدة من رواية السعداوي "سقوط الإمام"، فضلاً عن التوقف عن توزيع مسرحية "استقالة الإله"، موضحاً، في تصريحات صحفية، أنه اتخذ القرار بعد أن اتصل به صحفي يعمل في جريدة "المصري اليوم"، ليلفت نظره إلى ما احتوته كتب السعداوي، فقرر ساعتها أن يقرأ العملين على الفور، إذ لم يكن قرأهما قبل نشرهما. عندها قرر مدبولي أن يتوقف عن توزيعهما، وطلب من المطبعة إعدام الطبعة الجديدة من الكتابين، والبالغ عددها ثلاثة آلاف نسخة لكل كتاب، ليتحمّل بالتالي، بحسب تقديراته، خسائر تجاوزت 70 ألف جنيه مصري (نحو تسعة آلاف دينار أردني). وعن سبب اتخاذه قرار الإتلاف وعدم التوزيع، قال مدبولي إنه "وجد أن الكتب تتعرض للإله، وهو لا يحب المساس بالمشاعر الدينية، بخاصة لأنه يحمل رسالة الحفاظ على الفكر"، مضيفاً أنه مع حرية الفكر إلى أبعد مدى، لكن "حين تتعلق المسألة بالذات الإلهية فأنا أتوقف عن ذلك" على حد تعبيره.

جدير بالذكر، وبحسب جريدة "عقيدتي" المصرية التي كانت هاجمت المسرحية، أن السعداوي ذكرت في مقدمة "استقالة الإله" إلى أنها كتبتها أثناء اعتقالها في عهد أنور السادات، ثم أرادت أن تنشرها بعد خروجها من السجن، لكنها خافت من ذلك فامتنعت عن النشر، وهو ما يدل على أن المسرحية تحتوي إشارات سياسية، لا دينية كما قد يدل ظاهر عنوانها. كذلك الحال بالنسبة لرواية "سقوط الإمام"، فقد أوضحت السعداوي أن المقصود بالإمام في روايتها التي صودرت طبعتها الصادرة عن دار الساقي، خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في العام 2006: "هو الزعيم السياسي الذي يستخدم الدين ويوظّفه لأغراض سياسية، والإدانة تلحق بكل من كانوا على شاكلته، وحتى في أميركا وأوروبا هناك استغلال للدين، فمثلاً بوش نفسه يستند لقوة مسيحية أصولية يمينية متطرفة وخطيرة، وكذلك شارون مثله وسط اليهود المتطرفين، وفي أوروبا الكنيسة لها دور رهيب"، نافية في كل الأحوال تهمة "إزدراء الأديان" عن نفسها، ومؤكدة، بحسب موقع محيط على الإنترنت، أنها "تفهم دينها جيداً وتحترمه".

السعداوي كانت غادرت مصر في العام الماضي إلى بروكسل، بعد أن قدّم محامٍ يُدعى نبيه الوحش، اشتُهر برفعه دعاوى قضائية ضد عدد من المثقفين والكتاب بتهمة ازدراء الأديان، من بينهم نصر حامد أبو زيد، بلاغاً ضدها لدى "النيابة العامة" يتهمها فيها بـ"الردّة"، على خلفية بعض كتاباتها وتصريحاتها الصحفية. يومها فسّرت السعداوي سفرها للخارج بالقول: "كتبي تُصادر وحياتي تُهدد وسمعتي تُشوه، هذه حياة يومية أعيشها في مصر من نصف قرن، أمور لا تخيفني ولكنها تقرفني، فما الذي يجعلني أجلس في وسط هذا الغم إذا كانت عندي فرص للسفر لتلقي جوائز، وأن أكون أستاذة زائرة ملء السمع والبصر. أنا لي قيمة في العالم، فإذا كانت بلدي لا تُدرك هذه القيمة وتصمت النخبة المصرية عمّا أعانيه، فهؤلاء لا يستحقون أن تظل نوال السعداوي بينهم".

الناشر الأردني "سعدي البس"، نائب مدير دار الشروق للنشر والتوزيع، قال تعليقاً على وجود مخاوف من أن تكون خطوة "مدبولي" تمهيداً لناشرين آخرين ليقوموا برقابات داخلية على ما نشروه فعلاً، فيقرروا إتلافه، إنه كناشر لا يمكن أن يتلف الكتاب، بل يمكن أن يقوم بإعادة تصديره، إذا ما طلبت جهة رسمية منعه، أو يعيده للمؤلف كي يتصرف فيه، مؤكداً أنه لا يقوم بنشر أي كتاب قبل أن يراجعه ويتأكد من مناسبته لسياسة الدار، ولذلك فإن حالة كالتي وقعت مع "مدبولي" لا يمكن أن تحدث معه. وأضاف البس أن للناشر الحق في تقرير ما إذا كان الكتاب ينطوي على إساءة أم لا، لأن للأمر علاقة بسياسة الدار ونهجها، حتى لو كان ما في الكتاب يعبّر عن وجهة نظر كاتبه، لا ناشره.

وحول مسألة محاسبة الناس على أفكارهم، بحجة الحفاظ على الدين، قال مصطفى أبو رمان، إمام مسجد صهيب بن سنان في عمّان، إن حرية الرأي والفكر والإبداع يجب أن تظل مصونة، ولا يجوز أن يدعي أحد امتلاك الحق في محاسبة الآخرين، وهذا ما تفرضه الأحوال الموضوعية التي نعيشها، مؤكداً أنه لا يجوز الرد على آراء الناس بالقمع، بل بالحوار، لأن "الحوار هو الحل" في حال الاختلاف. وعن حالة السعداوي، رأى أبو رمان أنه كان يجب على الناشر إبلاغ المؤلفة بالمشكلة التي ستحدث معه لو نشر الكتاب ووزّعه، وساعتها له أن يقرر إما نشر الكتاب بما فيه من أفكار، أو الاعتذار عنه، لا أن يقرر من عنده إعدام الكتاب.

لــلمـــشـــــــاركــــــة وإبــــــداء الـــــــــرأي:www.al-sijjil.com

مدبولي يتلف كتب السعداوي “حفاظاً على الفكر”!
 
19-Jun-2008
 
العدد 31