العدد 31 - كتاب
 

قطاع المياه في الأردن يزخر بالشكاوى من جهة والحجج من جهة أخرى، فالمواطن يتذمر من عدم وصول الماء إليه ومن نوعية وجودة المياه وملاءمتها صحيا، والحكومات المتعاقبة تستخدم شح المياه سببا يدعم عدم القدرة على إيصالها للجميع.

والنتيجة هي تنامي أعداد «الدكاكين» التي تقوم بمعالجة المياه ثم إعادة بيعها في قوارير للمستهلك وتوزيعها على البيوت، حتى في المناطق المعدمة وجيوب الفقر، ففي الأردن حتى الفقير يعتقد بأن «الإنسان أغلى ما نملك» ولا يريد أن يضيع بشربة ماء. لذلك لدينا 13 ألفاً من هذه الدكاكين تقوم بوظيفة الحكومة وليست ذات مستوى أداء موحد فتختلف نوعية المياه وجودتها بين دكان وآخر.

تشكو إدارات المياه من أن 40بالمئة من المياه يفقد في شبكات المياه التي يصل طولها إلى 21200 كم، فتنفق الحكومة فقط مليوني دينار سنويا لإصلاح هذه الشبكات وتشكو بأن الجزء الأكبر من فقدان هذه المياه هو نتيجة الوصلات المنزلية لأن جزءاً كبيراً منها قديم وتالف، هكذا يصبح المواطن هو السبب. هذا المواطن الذي يتحجج صانع السياسات بأنه لا يرغب في العمل نتيجة ثقافة العيب، وبالتالي فإن حل مشكلة البطالة، وهي مشكلة مزمنة وكبيرة، أمر ميؤوس منه. وهو المواطن نفسه الذي يلومونه بالنسبة لمشكلة الغلاء في أنه مبذر، رغم أن الإحصائيات تقول بانه لا ينفق أكثر من دينارين شهريا على الأكل خارج المنزل؛ أي ثمن ثلاثة سندوتشات شاورما حجم عادي، شهريا... ما هذا التبذير؟ لذلك، المواطن سبب كل ما هو غير منتظم في الأردن.

مسكين هذا المواطن الذي يدفع للحكومة 43بالمئة من دخله ليتلقى خدمات من الحكومة فلا يحصل عليها ليقوم هو بتقديمها لنفسه نيابة عنها، وتعود الحكومة عليه بخدمات أصبحت معظمها مخصخصة وهي الآن تبحث في كيفية التحرر حتى من المشاركة في هذه الخدمات.

دعونا نمر على دور المواطن وهذه الخدمات: 40بالمئة من طلبة الأردن يدرسون في مدارس خاصة؛ الاتصالات مخصخصة منذ العام 2000؛ الكهرباء مخصخصة ويشكو أهل الصناعة والسياحة والمواطن من ارتفاع أسعارها؛ الجامعات الخاصة أكثر من الجامعات الحكومية؛ معظم البيوت تشتري المياه من مؤسسات خاصة؛ وزارة الصحة تشكو من ارتفاع أسعار الدواء ونجعل المواطن يدفع جزءاً منه، والآن الوزارة أصبحت غير ملزمة بتقديم المطاعيم ونعلم جيدا كم نسبة من هم قادرون مالياً؛ المواصلات العامة هي شبكة مواصلات خاصة ليس للحكومة فيها أي دعم بل هي مصدر رزق لهيئات وخزينة الدولة التي تتكاثر بغير حساب ومع ذلك فخدمة المواصلات ضعيفة.

نعلم أن الأردن هو واحد من بين 12 دولة في العالم تنفق على الأمن والدفاع أكثر مما تنفق على التعليم والصحة.

كان من الممكن جعل المياه نظيفة وتوفير الطاقة من خلال نقل مياه الديسي بكلفة تتراوح بين 500-600 مليون دولار، ومن خلال قناة البحرين، التي اعتمدنا على تمويل البنك الدولي لدراستها، بكلفة تتراوح بين 3-4 مليارات دولار. الم يكن الأحرى بنا، بدلا من سداد الدين ب 2.3 مليار دولار الذي لم يفدنا سداده بشيء لا من ناحية الخصم أو حتى المنهجية المستقبلية أن تدفع الحكومة من خلال هذا المبلغ نصف الكلفة من كلا المشروعين لمشغل من القطاع الخاص ليحصل المواطن على مياه بكلفة معتدلة؟ لماذا لم يقوموا بذلك في بلد يثمن الانسان ويحترمه ويحترم حقوقه؟ أليست هذه هي الاستخدامات المثلى لأموال التخاصية؟ سؤال طرح قبل سبع سنوات وسوف تسأله الأجيال المقبلة.

يوسف منصور: لا أحد يريد أن “يضيع بشربة ماء”
 
19-Jun-2008
 
العدد 31