العدد 31 - دولي
 

يبدو أن ما كشف عنه تصويت الإيرلنديين ضد خطة إصلاح الاتحاد الأوروبي المعروفة باسم «معاهدة لشبونة»، أكثر أهمية من نتيجة التصويت نفسها، وأن ما خشي منه الإيرلنديون حين صوتوا ب»لا»، أكثر أهمية مما تتضمنه بنود الاستفتاء المرفوض.

بدا هذا واضحاً حين لاح في الأفق أن جمهورية التشيك، التي ستكون الدولة الأوروبية التالية في قائمة المصوتين على خطة الإصلاح، تتجه هي الأخرى إلى معارضة الخطة، وفي هذه الحالة فإن تصويت التشيكيين ب»لا» سوف يعرقل خطط دول الاتحاد التي حددت يوم الأول من كانون الثاني من العام المقبل موعدا لتطبيق الخطة، وهو ما يعني في النهاية أن دولتين أوروبيتين صغيرتين: إيرلندا والتشيك، سوف تعرقلان خططا يتبناها عملاقا الاتحاد: ألمانيا وفرنسا.

وبعيداً عن أي استنتاجات بأن أوروبا تشهد بوادر تمرد الدول الصغيرة ضد الكبيرة، أو أن الاتحاد يقع ضحية ديمقراطيته التي تتساوى فيها الدول الصغيرة مع الكبيرة في أن لكل منها صوتاً محسوباً في الاستفتاءات الأوروبية، فإن الرفض الأيرلندي كشف عن أزمة حقيقية يعاني منها الاتحاد، لا يمكن القول إن طرفيها هما الدول الصغيرة وتلك الكبيرة، فبريطانيا وهي دولة كبرى وقفت إلى جانب إيرلندا من حيث ضرورة احترام نتائج الاستفتاء، والأزمة ناجمة عن محاولة فرنسا وألمانيا لعب دور القائد للاتحاد والموجه لسياساته.

محاولات فرنسا وألمانيا جاءت حين بدأ البلدان الأكبر في أوروبا في ممارسة ضغط على جمهورية التشيك لكي يكون التصويت بنعم، وخاصة بعد ارتفاع أصوات تشيكية مؤثرة تعلن عن رفضها لخطة الاتحاد، من بينها الرئيس التشيكي فاتسلاف كلاوس الذي يعد من أكبر منتقدي سياسة الاتحاد التي ترسم في بروكسل، ورئيس الوزراء ميروسلاف توبولانيك الذي يقود حملة مقاومة الضغط التي تمارسها فرنسا وألمانيا، يؤازره في ذلك نائبه ألكسندر فوندرا.

أهمية التصويت التشيكي تأتي من أن خطة الاتحاد يمكن أن تستمر في ظل معارضة دولة واحدة من أصل 27 دولة، غير أن معارضة دولتين يقوض الخطة، ويجعل من المستحيل تقريباً الوفاء بتنفيذ خطة الإصلاح الأوروبية في مطلع العام الجديد.

الدول الأوروبية انقسمت حيال تصويت الإيرلنديين بالرفض، ففيما ترى فرنسا وألمانيا، أساسا، ومعهما العدد الأكبر من الدول الأوروبية، أن على الحكومة الإيرلندية أن تعيد التصويت بسرعة على الخطة لضمان تنفيذها في الموعد المحدد، تقف إيرلندا التي لم تكن حكومتها تتوقع تصويتاً بالرفض، محرجة أمام رغبة شعبها التي عبر عنها في التصويت، ورغبتها في السير مع دول الاتحاد التي كانت سخية معها حين صوتت على الانضمام إلى «السوق الأوروبية المشتركة» آنذاك، عام 1973، فقدمت لها منحاً تقدر بنحو أربعين بليون يورو. فصدرت عن رئيس

إيرلندا، بريان غوين تصريحات تعكس خيبة أمل من الرفض الشعبي الذي جوبهت به المعاهدة، في حين صدرت عن زعماء المعارضة تصريحات تفيد بالارتياح للنتائج التي أسفر عنها الاستفتاء.

في تحليل أسباب رفض الإيرلنديين للخطة، قال محللون استنادا إلى استفتاءات واستطلاعات رأي، إن الرفض جاء على خلفية خشيتهم من أن يؤدي تبني الخطة إلى حرمان حكومات بلادهم من أن تضع ضرائبها بنفسها، وأن يفرض عليها إرسال جنودها إلى بلدان أخرى في العالم للقتال والتعرض للقتل، وتغيير قوانين الإجهاض، علما بأن كل هذه الأمور غير مطروحة في بيانات الاستفتاء التي أجمع كثير من الإيرلنديين على أنها كانت غامضة.

لقد أعاد رفض الإيرلنديين لمعاهدة لشبونة ما حدث قبل سنوات، حين رفضت الدنمارك، وهي دولة أوروبية صغيرة، معاهدة ماستريخت في أول استفتاء عليها، ولكن مزيداً من الجهد والإيضاح لمكاسب الدنمارك من المعاهدة، جعل الدنماركيين يعودون عن رأيهم ويصوتون لصالح المعاهدة في استفتاء تال.

آنذاك لم تكن هناك ضغوط من دول أوروبية كبرى مثل فرنسا وألمانيا، فهل تتوقف الضغوط ويعاد الاستفتاء بقبول إيرلندي قبل نهاية العام الجاري؟.

تمرد الدول الصغيرة على الأوروبيين الكبار
 
19-Jun-2008
 
العدد 31