العدد 31 - اقليمي
 

محجوب الزويري

كان الانطباع الأول الذي تردد بعد توقيع اتفاق الدوحة بين القوى اللبنانية هو أن الفائز الكبير كان حزب الله وكذلك قوى المعارضة أو الثامن من آذار. وقد جرى الربط بين الاتفاق وبين قدرة حزب الله على فرض أجندته من خلال استخدام السلاح -الذي يجب أن يكون للمقاومة- ضد اللبنانيين أنفسهم.

إن الحديث عن انتصارات لحزب الله اعتبارا من 2000 أي الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، ثم الانتكاسة الإسرائيلية على يد الحزب 2006، ثم مواجهة الحكومة اللبنانية عسكريا حين حاولت المس باتصالات الحزب، يجب الاّ يغفل عناصر هامة هي:

أولا: حالة حزب الله العسكرية ليست الحالة الوحيدة في لبنان التي عملت وتعمل على تقوية نفسها عسكريا خلال العامين الماضيين، فالتقارير التي ترد عن تجارة السلاح من لبنان كانت تتحدث عن زيادة الطلب، بل وارتفاع أسعار الأسلحة الفردية، إضافة إلى إرسال بعض قوى سياسية لعناصر أمنية وعسكرية للتدرب خارج لبنان، فالحالة العسكرية كانت آخذة في التشكل منذ 2006، هذا بالطبع لا ينفي وجودها قبل ذلك. في هذا السياق يجب الاّ ننسى أن حزب الله لا يستطيع نفي الدعم الإيراني، فهو في الوقت نفسه الذي يعلن فيه عروبة الحزب وتشديده عليها، لا ينفي تبعيته لنظرية ولاية الفقيه السياسية التي تعد إيران الدولة الوحيدة التي تستند إليها.

إن حزب الله بوصفه لاعبا، غير دولة، يحتاج إلى الدولة اللبنانية، بل أن الدولة اللبنانية مهما كانت ضعيفة هي ضرورة لمنح الحزب شرعيته، وبخاصة إذا ما تذكرنا أن حزب الله بوصفه حزبا شيعيا يعيش في محيط لبناني متنوع وإقليمي غالبيته سنية. فهو لبناني بحسب الدستور، والمكون الديمغرافي اللبناني يواجه صعوبة في أن يكون الدولة، وحضوره الإقليمي مرتبط بحالة المقاومة، فحالة المقاومة هي التي تعطيه شرعية الرأي العام العربي والسني، فواقع الاحتلال والدعم غير المتناهي لإسرائيل من قوى كبرى أعطى ويعطي الحزب كل هذا التأييد. صحيح أن الحزب ربما يخسر بعض الشعبية لدى الرأي العام العربي وذلك بسبب ظاهرة الخوف من الشيعة التي تسيطر على الشرق الأوسط بعد اجتياح العراق وتصاعد نفوذ الشيعة فيه، وهو أمر قد يعني الكثير بعد تصريحات أمين عام الحزب حول تبعية الحزب لمبدأ ولاية الفقيه، وهو أمر يفهم منه التبعية لإيران.

ثانيا: إن حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة على مستوى الحكومات، أو على مستوى اللاعبين غير الدولة، تزيد من حالة الاحتقان السياسي وتدفع باتجاه استخدام القوة العسكرية أو التلويح بها، كما حدث في بيروت في الشهر الماضي. لقد كان من الواضح أن الحكومة اللبنانية لم تعد جيدا لقرارها حول شبكة اتصالات حزب الله، كما كان واضحا أنه لم يجر التنبؤ بردة فعل حزب الله ومؤيديه، الأمر الذي، ربما في الظاهر، أحرج الحزب لاستخدامه سلاحه وسلاح مؤيديه في شوارع بيروت، لكنه في الوقت ذاته أضعف الحكومة التي أسرعت إلى إلغاء قراراتها. في هذا السياق يجب النظر إلى الصمت الأميركي غير المتوقع حول ما حدث، فالحكومة الأميركية التي تأخرت في قول رأيها حول اتفاق الدوحة، حاولت أن تنأى بنفسها عن التعليق على قرار الحكومة اللبنانية بالتراجع عن قراراتها، وهو أمر أعطى إشارة سلبية للحكومة اللبنانية بأن واشنطن كانت مسرورة سابقا بالقرار، وأنها لم تفعل ما فيه الكفاية لحماية الحكومة التي طالما اعتبرتها شرعية وساندتها سياسيا وعسكريا. إن زيارة وزيرة الخارجية الأميركية القصيرة للبنان ومطالبتها بالعمل لحل مشاكل مزارع شبعا، وكذلك إظهار الدعم للرئيس اللبناني الذي انتخب كأحد ثمرات اتفاقية الدوحة، ربما يعكس الحرص الأميركي على العودة للمشهد السياسي اللبناني بشكل المؤيد لما يتوافق عليه اللبنانيون. إن من الواضح كذلك أن المحادثات السرية التي كشف عنها بين سورية وإسرائيل أيضا، ربما تعتبر محفزا لواشنطن للعودة والبقاء في صورة الأحداث فيما يتعلق بالملفين السوري واللبناني، وهي مسألة ربما تعالج التغييب الأميركي عما حدث في الدوحة وما يحدث في أنقرة.

أخيرا، إن الحديث عن انتصارات لحزب الله مرتبط بقراءة وفهم عميق للتغيرات وبحالة الاستقطاب والتحالفات التي تشهدها المنطقة، وعودة الزواج السياسي بين حزب الله وحكومة لبنانية- تحظى بتأييد داخلي وخارجي- سيكون في الحقيقة أعظم إنجاز للحزب، لأنه بذلك سيعزز شرعيته في الساحة السياسية اللبنانية أكثر، وهو أمر يبدو أولوية للحزب لمواجهة منتقديه بعد أحداث بيروت.

“الزواج” بين حزب الله والحكومة.. إنجاز منتظر
 
19-Jun-2008
 
العدد 31