العدد 30 - كتاب
 

انشغلت منابر صحفية عربية خلال الأيام القليلة الماضية، بشن حملة على مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية باراك أوباما. سبب الحملة ما أورده أوباما من مواقف مناصرة لإسرائيل، في خطاب ألقاه أمام ايباك، وهو تقليد درج عليه المرشحون، فهذه المنظمة الصهيونية تتمتع بنفوذ كبير على الأميركيين اليهود وغير اليهود، مما يجعل مخاطبتها وبلغة زعمائها ممراً "إجبارياً "للمرشحين للرئاسة.

لم يأت المرشح الشاب بجديد على أدبيات الإدارات الأميركية المتعاقبة. وحديثه لا يسر بالطبع أي عربي وأي نصير للحق والعدالة في العالم. وشخصية المتحدث ذي الأصل الإفريقي ضاعفت الشعور بالصدمة، لمن توقعوا أن تدفع عذابات الإفريقيين هذا السياسي الشاب لأن يتحسس أكثر آلام وحقوق الشعوب المعتدى عليها.

موقف أوباما يبدأ من التشديد على "حقوق الدولة الإسرائيلية" ، ليقفز سريعاً عن المظالم التي رافقت النشاة الملتوية لهذه الدولة (تشريد اللاجئين أصحاب الأرض)، ثم ينزلق الخطاب بعدئذ للخلط بين الدولة العبرية وبين الاحتلال الذي تباشره هذه الدولة لأرض الغير (ومنها القدس)، مما يثير مشكلة سياسية وأخلاقية كبرى.

غير أن الحملة الإعلامية العربية على أوباما تلقي بدورها الضوء على مشكلات تخصنا. فنحن ننتظر ممن يجهلوننا أن يتفهمونا تمام التفهم وعلى طريقتنا. فليس هناك ما يفيد بأن جماعات أو هيئات عربية أو من أصل عربي، اقتربت من هذا السياسي الطموح كما هو حال منظمة ايباك مثلاً.

ويتجاهل أصحاب الحملة من طرفنا، أن الأميركيين ينشأون على التعلق بإسرائيل، كجزء من قيمهم وثقافتهم ونظرتهم للعالم الخارجي، وكما ينشأ العرب على الإيمان بعدالة القضية الفلسطينية.

ويتناسى أصحاب الحملة أنه إذا كانت مواقف أوباما سيئة وسلبية وهي كذلك، فإن مواقف البديل الآخر المرشح الجمهوري، جون ماكين، هي أشد سوءاً بما لا يقاس، فالأخير مع الحرب على إيران وضد الانسجاب من العراق، ومع وقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ما دامت هناك عمليات لحماس. وأن الديمقراطيين أكثر استعداداً للحوار مع العالم الخارجي وأقل عسكرة للسياسة الخارجية لبلادهم.وأن المفاوضات الجدية الوحيدة جرت في عهد الديمقراطي كلينتون، بينما جرت الحرب على العراق في عهد بوش.

أوباما الذي تورط في الحديث عن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، دعا في حوار لاحق لخطابه الى التفاوض بشأن مستقبلها. وسبق له أن أدان التطرف الإسرائيلي.

في النهاية يمكن محاورة الرجل، وخلفيته الثقافية ورؤيته للعالم ككل لا للقضية الفلسطينية فحسب، تشجع على الحوار معه. وبعض مستشاريه هم ممن رافق عملية أوسلو (دنيس روس مثلاً) بينما يزايد ماكين على تطرف المتطرفين في تل أبيب.

بدل أن يصب العرب جام غضبهم على أشخاص مثل أوباما، عليهم ومعهم القادة الفلسطينيون لوم أنفسهم أولاً، لضعف إدارتهم للصراع حرباً وسلماً..منذ متى؟ قبل أن يعرف أب أوباما المسلم الأم المسيحية، وحتى أيام الناس هذه.

محمود الريماوي: سوء فهم مع أوباما
 
12-Jun-2008
 
العدد 30