العدد 5 - اقتصادي
 

نادى جلالة الملك عبد الله الثاني في خطابه للأمة ومجلسها الأسبوع الماضي بتعظيم الإنفاق الرأسمالي في الموازنة، وهو نداء حصيف، وتوجه تنموي بحت لا مناص منه إذا ما أردنا للأجيال القادمة والحالية أن تعيش بسؤدد ورخاء. التساؤل هو كيف ستطبق الحكومة الجديدة، بمواهب بعض وزرائها المشهود لهم بالإنجاز في العمل العام، هذا التوجيه.

ما وصل إليه الاقتصاد اليوم سببه تراكم الأخطاء منذ سنين. دعونا نعود بالتاريخ إلى بضع سنوات فقط، فلقد نبهت الأجندة الوطنية منذ سنين إلى أنه على الرغم من تنامي الإيرادات العامة للحكومة المركزية بفضل المنح الخارجية في السنوات 2000-2004 بسرعة أكبر من النفقات العامة، وصل عجز الموازنة قبل المنح إلى 11.8% من الناتج المحلي الإجمالي، متساوياً بذلك مع نسب العجز في بعض أسوأ دول المنطقة. حيث نمت الإيرادات من33.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000 إلى 37.2% عام 2004، بينما نمت النفقات من 36.5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 39.1% عام 2004. كما أن العجز بعد المساعدات تقلص من 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.9% في نهاية الفترة، بينما نما العجز قبل المساعدات للفترة ذاتها من 9.9% إلى 11.8% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتوقعت الأجندة في نصوصها، التي كتبت قبل ثلاث سنوات فقط، أن يهبط حجم المساعدات بحدة في المدى القصير، لتغيّر أوضاع المنطقة، بخاصة بعد إنحسار برنامج التحول الإقتصادي والإجتماعي وتراجع المنح النفطية، كما حذرت الأجندة من تفاقم العجز في ضوء إنخفاض نسب المنح، سيما وأن نسبة الدين العام في سنة 2004 وصلت إلى 91% من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزة بذلك الحد القانوني (80%) الذي وضعه قانون الدين العام لسنة 2001.

وسببت الأجندة، غير مغلوطة، إرتفاع عجز الموازنة إلى إرتفاع النفقات الرأسمالية (25%)، وكلفة رواتب التقاعد (12%)، تكاليف الدفاع والأمن (21%)، الرواتب والأجور (15%)، الفوائد (7%)، و دعم المشتقات النفطية (8%). مع العلم أن بند النفقات الرأسمالية لم يكن فعلاً إنفاقاً رأسمالياً حقيقياً حيث شكلت النفاقات الجارية( رواتب وأجور، دراسات وإستشارات، قروض ومساهمات، وأثاث، وغيرها) 65% منه، حتى برنامج التحول الاقتصادي لم يخلو من كون معظم إنفاقاته نفقات جارية، لذا، فقدت الموازنة مرونتها على مر السنين، وأصبح 90% منها نفقات إلزامية جارية تتوارثها الحكومات عاما بعد عام.

ولم توص الأجندة أبدا برفع الضرائب، بل أكدت على أن الأردن يعتمد على الإيرادات من ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية أكثر من الكثير من الدول، وبالتالي دعت إلى الإصلاحات الضريبية الشاملة، وخلق بيئة جاذبة للإستثمار، وتحسين كفاءة وفعالية الإدارة الضريبية، وتعزيز كفاءة إدارة الجمارك.

كما أشارت الأجندة إلى أن الأردن يخضع إلى أعلى الضغوطات الضريبية بين الدول العربية، فدعت إلى خفض الضرائب على الشركات، وتفعيل جهود جذب الإستثمار لرفع معدل دخل الفرد والمؤسسات وتحسين العائد الضريبي دون زيادة العبء على المواطن، واقترحت الكثير الجيد، الذي يجنبها التخبط الضريبي الذي حصل في السنوات الماضية، ويضعها في مصاف الجهود المحمودة.

كيف ستزيد الحكومة من النفقات الرأسمالية التي تراجعت منذ عام 2004 في ظل تزايد نفقاتها الجارية من أجور ورواتب لتوظف الحكومة بذلك ثلث القوة العاملة، وتلتزم لهم ولغيرهم من المتقاعدين بأجور على مدى السنين؟ وكيف ستستطيع الحكومة أن تزيد من النفقات الرأسمالية في ظل تراجع الدولار وبالنتيجة الدينار أمام اليورو، وبالمحصلة ارتفاع قيمة الدين بالدينار وكلفة خدمة الدين ب386 مليون دينار في العام الماضي، وتفاقم العجز التجاري، وارتفاع الفاتورة النفطية ليصل سعر النفط أربعة أضعاف ما كان عليه أيام كتبت الأجندة الوطنية؟

الحلول هي أن تتوجه الحكومة وبسرعة إلى تفعيل برنامج التخاصية (المبلغ المتوقع هو 1.1 مليار دينار) لرفد مواردها، لا أن تزيد من العبء الضريبي على المواطن. وأن تضع الحكومة الفتية الجديدة والتي نتوخى فيها الخير برامج تصلح- فعلا وبشكل ملحوظ -القطاع العام من خلال إيقاف التوظيف وتسريح البعض من غير المنتجين بعد تدريبهم للعمل في القطاع الخاص. المطلوب أيضا تحسين بيئة الأعمال وتنافسية الأردن ومحاربة الفساد، وكلها مؤشرات تراجع الأردن فيها في الأعوام الثلاثة الماضية، وكانت حجة البعض دخول دول أخرى إلى هذه المصنفات الدولية (وكان سؤالنا في حينها لماذا تدخل أمامنا وليس خلفنا؟). وأن نجذب الاستثمارات التي نريد لا التي تريد أن تأتي لتشتري عقارا أو أرضاً لتكون استثمارات ذات قيمة مضافة عالية ومعرفية لنستعيد على الأقل أبناءنا وبناتنا من الخليج ولتذهب الاستثمارات إلى توظيف الأردنيين بدخول مرتفعة. وأن تكون إنفاقات الحكومة الرأسمالية إنفاقات منتجة، لا تحتوي على التزامات مستقبلية جديدة على الحكومة وتساعد الناس على الإنتاج، بدلا من أن تطعمهم من محاصيل الآخرين.

هذه بعض الحلول، وبكل صراحة لا مجال لتلخيص جميع توصيات اللجنة الوطنية هنا، لذا لا بد للحكومة الجديدة من تفعيل توصيات الأجندة، التي شارك العديد من الوزراء في صياغتها، ودراسة ما صدر عنها من مخطط شمولي يهدف لتحقيق التنمية المستدامة لتنفيذ توصيات الملك.

تعظيم الإنفاق الرأسمالي – د. يوسف منصور
 
06-Dec-2007
 
العدد 5