العدد 30 - اقليمي
 

عبدالسلام حسن

القدس- بعيدا عما يضمر الفرقاء الأشقاء، جاءت دعوة الرئيس محمود عباس الى الحوار الوطني الشامل، لتنعش الأمل في نفوس الفلسطينيين بامكانية استعادة الوحدة، وطي صفحة عام كامل من التشرذم والانقسام السياسي.هذا الأمل وجد ما يبرره في نجاح اللبنانيين المتنازعين في الوصول الى صيغة توافقية بينهم في الدوحة، للانطلاق منها نحو معالجة خلافاتهم السياسية، حتى لو برزت عراقيل هنا وهناك.

القيادي في حركة فتح إبراهيم أبو النجا، اعتبر ان دعوة الرئيس عباس للحوار" تلاقي اجماعاً وطنياً، لأن ما حدث انعكس سلباً على القضية الفلسطينية، ويجب أن يصار الى محاصصة تضمن مشاركة الجميع من أجل إعادة الأمور الى طبيعتها، وهذا يكون من خلال حوار وطني نتوقع أن يكون شاقاً، حتى نصل الى ما يرضي شعبنا ويعيد قضيتنا الى وضعها الصحيح".

غير أن العودة الى ما قبل 14 حزيران 2007، كما يفهمها أبو النجا لا تعني العودة الى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، فهذه الحكومة حدث في عهدها انقلاب ما دفع الرئيس الى اقالتها. أما حكومة الوحدة المطلوبة فستكون ثمرة للحوار الوطني الشامل وليس نتيجة لاتفاق ثنائي بين حركتي فتح وحماس.

وكان الرئيس عباس دعا في خطاب في 5 حزيران الذي يصادف ذكرى النكسة، الى حوار شامل لتنفيذ المبادرة اليمنية، لإعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة". وقال إنه في حالة نجاح هذا الحوار، فإنه سيدعو إلى انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة.

بدوره اعلن نمر حماد، المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني، أن سبب دعوة عباس للحوارهو " حلول عام على استيلاء حماس بالقوة على قطاع غزة، واستمرار تدهور الوضع المعيشي والحياتي لأهالي القطاع، ووجود مخطط لدى الجانب الإسرائيلي للتخلص من القطاع ".

لم يتأخر رد حركة حماس، وجاء مرحباً بدعوة عباس للحوار الوطني ولكن "من دون شروط"، وتعهد رئيس الحكومة المقالة اسماعيل هنية ببذل الجهود اللازمة "لتهيئة الأجواء لانطلاق حوار وطني يعيد اللحمة لشطري الوطن، وعلى قاعدة " لا غالب ولا مغلوب". والأمر ذاته كرره رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وغيره من قيادات الحركة.

لكن المسافة بين المأمول والممكن في الحالة الفلسطينية تبدو شاسعة حتى الآن، في ظل ما صدر من مواقف وشروط استباقية من كلا الطرفين، دون أن تغيب عن البال العراقيل الكبيرة التي يمكن أن تضعها كل من إسرائيل والولايات المتحدة.

فالخلاف الاول بين الطرفين برز منذ البداية، عندما كلف الرئيس عباس لجنة خاصة تتولى اجراء الاتصالات مع الأطراف الفلسطينية، والعربية بهذا الخصوص، تضم عدداً من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومن كبار مستشاريه. رفضت حركة حماس التعليق على عمل اللجنة المشكلة من منظمة التحرير. واعتبرت على لسان الناطق باسمها سامي ابو زهري ان تشكيل اللجنة "محاولة للهروب من متطلبات الحوار".

وقال أبو زهري "الحوار ليس بين حماس، والمنظمة وإنما بين حماس وفتح يمكنه أن يتطور إلى حوار وطني يمكن أن تشارك فيه جميع الفصائل الفلسطينية، ونحن في صنعاء رفضنا الجلوس مع وفد المنظمة وأصررنا على الجلوس مع حركة فتح، على حد تعبيره.

لكن الرئيس عباس أكد عقب اجتماعه بالرئيس حسني مبارك  الاثنين في القاهرة، ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وبكامل أعضائها وفصائلها هي المسؤولة عن أية خطوة من خطوات الحوار تجاه الجميع. واستبعد عباس عقد لقاء ثنائي بينه وبين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، مؤكدا أن "المشكلة ليست شخصية أو حتى غير شخصية" بينه وبين مشعل.

المحلل السياسي، هاني المصري، عبر عن تشاؤمه بإمكانية أن تفضي الدعوة للحوار الى نتيجة في ظل الشروط والشروط المتبادلة. وقال: الموقف لم يتغير جوهرياً، ما يجعل الوصول الى نقطة البداية صعباً وإذا وصلنا، فإن الحوار مرشح للفشل.

وقال: "يجب ان يقتنع الجميع أنهم في أزمة وليس طرفاً بعينه. حماس تواجه الحصار واحتمال توجيه ضربة، وعزلة دولية. وعباس يعاني فشل المفاوضات"، مؤكداً ضرورة وجود تحرك عربي ودولي للضغط على فتح وحماس، وبدون ذلك يصعب الوصول الى نتيجة.

ورأى أن "الأمر الأساسي الآن هو الاتفاق على مضمون الحوار، على برنامج سياسي جديد كيفية التعامل مع المنظمة، والأجهزة الامنية، والسلطة، والمقاومة، والمفاوضات، وليس مكان الحوار ولا موعده أو الجهة الراعية له.

يذكر أن الرئيس عباس قام بزيارة الى كل من السعودية، ومصر في مسعى لحشد دعم الأطراف العربية الفاعلة لمبادرته الى الحوار، وتأمين رعاية لها. وقد اقترح العاهل السعودي ان يكون الحوار تحت رعاية الجامعة العربية، وتحت مظلتها".

أما مصر، فقد وافقت على رعاية الحوار، وفقاً للمبادرة التي اطلقها الرئيس عباس، حسب ما جاء على لسان السفير الفلسطيني في القاهرة نبيل عمرو الذي أوضح أن مصر ستجري مشاورات ودراسات واستكشاف مواقف قبل ان تدعو الفصائل الفلسطينية الـ 14 الى الحوار الشامل الذي تريد مصر التأكد من نجاحه قبل الدعوة اليه، مؤكداً" أن هناك تداخلاً الآن بين موضوعي التهدئة والحوار الوطني الذي اقترحه الرئيس عباس".

بدوره حذر ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، من صرف الأنظار عن المشكلة الجوهرية المتمثلة بإنهاء انقلاب حماس في قطاع غزة، والانجرار وراء الشكليات في حوار هدفه الجلوس على الطاولة والتقاط الصور، مؤكداً أن جوهر مبادرة الرئيس عباس هو الاتفاق على القضايا المصيرية للشعب الفلسطيني.

ولفت إلى أهمية التوافق على المستقبل السياسي المتمثل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والحكومة التي ستشرف على الانتخابات، والمهلة الزمنية التي يمكن ان تجري فيها هذه الانتخابات. ونفى عبد ربه وجود اتصالات حالياً مع حماس مؤكداً أن "اللقاءات التي يجري الحديث عنها هنا وهناك هي مجرد كلام مع أطراف ثالثة أكثر مما هو كلام مباشر".

وقد قوبلت هذه التصريحات بانتقادات من حركة حماس التي قالت "إن رموزاً في فريق السلطة برام الله يسعى الى تسميم الأجواء المتصلة بإطلاق حوار وطني على مستوى الساحة الفلسطينية، الأمر الذي يلقي بمزيد من الشكوك على صدقية هذا التوجه من الأساس". وقال القيادي في حماس سعيد صيام" إن أطرافاً عديدة تحيط برئيس السلطة محمود عباس "تحاول إفشال مبادرته، وإثقالها بالشروط غير المقبولة من حركة حماس".

يذكر أن دعوة عباس للحوار تزامنت مع وجود وفدين من فتح برئاسة حكمت زيد وحماس برئاسة عماد العلمي، في السنغال تلبية لدعوة من رئيسها عبدالله واد الرئيس الدوري لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الذي أراد الاستماع الى مواقف الطرفين، تمهيداً لرعاية حوار بينهما. وكانت الحصيلة بيان مشترك أعلنا فيه ان محادثات داكار "اعادت أجواء الثقة والاحترام المتبادل" بينهما.

وقال القيادي في حماس، سعيد صيام، إن "لقاء داكار، لم ينتج عنه شيء ولم يكن مباشراً، بل هو لقاء تمهيدي"، وقال: "لا نريد أن نفجع الشعب الفلسطيني بلقاءات ثم تفشل، ولا يعقل أن تجري الحوارات بلقاءات غير مباشرة".

غير أن ممثل حماس في لبنان أسامة حمدان، اتهم وفد فتح الى السنغال بطرح أفكار مغايرة لإعلان صنعاء، ومحاولة تجاوز بعض التفاهمات السابقة". وأوضح حمدان ان وفد "فتح" طرح على حماس "التسليم بإقالة حكومة إسماعيل هنية، واعتبار "حكومة" فياض شرعية، واعتبار كافة القرارات التي اتخذها رئيس السلطة عباس بعد الانقسام الفلسطيني نافذة".

يشار الى ان قطاع غزة يخضع منذ سيطرة حماس عليه في 14 حزيران 2007 لحصار إسرائيلي محكم تغلق بموجبه المعابر في وجه المواطنين، ولا تسمح بدخول السلع والاحتياجات إلا بأقل من الحد الأدنى الأمر الذي خلف أزمة إنسانية حادة.

بدورها التقطت فصائل اليسار في قطاع غزة وتحديداً الجبهتان الشعبية، والديمقراطية، وحزب الشعب،دعوة الرئيس وبدأت تحركات واسعة مع الطرفين المعنيين حماس وفتح، ودعتهما للشروع الفوري في حوار وطني شامل يبدأ في قطاع غزة برعاية اللجنة الوطنية للحوار الوطني التي انجزت وثيقة الوفاق الوطني.

ودعت هذه الفصائل لتهيئة الأجواء لنجاح الحوار الوطني الشامل من خلال تثبيت وقف الحملات الإعلامية المتبادلة بين فتح وحماس، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، في غزة والضفة، وتحريم الاعتقال السياسي ووقف سائر الانتهاكات للحريات العامة.

كايد الغول، القيادي في الجبهة الشعبية، اعتبر دعوة الرئيس للحوار خطوة شجاعة وجادة، في ظل المخاطر التي تتهدد القضية الفلسطينية، والضغوط الخارجية للابقاء على حالة الانقسام، مضيفاً:" لقد خرجنا من دائرة الاشتراطات المسبقة التي كانت تعيق التوجه الى مثل هذا الحوار".

وقال الغول: ندرك وجود عقبات في وجه الحوار، منها اتجاهات في الساحة الفلسطينية وأفراد لا يرغبون في انهاء الانقسام، عدا عن إسرائيل، والولايات المتحدة وهو ما لاحظناه في اتصال الوزيرة كونداليزا رايس بالرئيس عباس للاستيضاح عن مضمون دعوته للحوار.

وكانت رايس سارعت الى الاتصال بالرئيس عباس للاستفسار عن مبادرته بالدعوة إلى الحوار مع حركة حماس. وحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك، فان عباس جدد التأكيد على أن الضمانات المسبقة لأي حوار مع حماس لم تتغير. وأن على حماس العودة عن انقلابها في غزة وأن تحترم الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير".

أما إسرائيل، فقد لوحت بموقفها الرافض لهذا الحوار. وقال اولمرت وهو في طريق عودته من واشنطن: نحن معتادون في منطقة الشرق الأوسط على سماع الأقوال دون ان نرى الأفعال، وموقف إسرائيل بهذا الشأن واضح ومعروف لدى أبو مازن ".

غير أن الغول يعتقد بامكانية التغلب على التحديات بالمضي قدماً في الحوار واعتبار ذلك أولوية وطنية، باعتبار ان الانقسام كما هو ثابت الحالة المثلى لإسرائيل، كي تستفرد بالفلسطينيين سواء بمواصلة الحصار وتكريس حقائق سياسية تتمثل في ابقاء القطاع منفصلاً عن الضفة وبالتالي قطع الطريق على اقامة دولة فلسطينية، وربما اتباع القطاع في نهاية المطاف الى مصر كما كان قبل 1967.

يذكر أن الرئيس عباس اصدر عقب دعوته تعميماً بوقف الحملات التحريضية في وسائل الإعلام من أجل توفير المناخ الملائم لبدء الحوار الوطني. ورغم ذلك تبادلت فتح وحماس الاتهامات بمواصلة عمليات الاعتقال والملاحقة واستهداف المقار، كل طرف ضد الآخر، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة، عدا عن الاستمرار في احتجاز معتقلين منذ وقت طويل في سجون حماس في غزة و السلطة في الضفة.

اشتراطات حماس وفتح تبقي المسافة بعيدة عن الوفاق
 
12-Jun-2008
 
العدد 30