العدد 30 - أردني
 

خليل الخطيب

بدأت الهجرات الشامية إلى عمان قبل تأسيس الإمارة، وبالتحديد بعد عودة الدولة العثمانية وبسط نفوذها على عجلون والبلقاء والكرك في النصف الثاني من القرن التاسع، حيث كان الانتقال من دمشق ونابلس والسلط وطرابلس إلى عمان انتقالا داخليا وليس هجرة خارجية.

مع بدء العمل في الخط الحديدي الحجازي ونشوء محطة عمان، استقبلت المدينة الجديدة هجرات محدودة أغلبها من الحرفيين والتجار؛ شوام، نوابلسه، خلايلة، أرمن، سلطية..الخ. وكانت عمان أصبحت تدريجيا سوقا للزراع والبدو للتجارة والتبادل، واكتسبت أهميتها مع تأسيس الإمارة وازدياد الهجرات النخبوية.

ويرى سليمان الموسى أن الاستقرار النسبي الذي نجح في تحقيقه الأمير عبد الله قد شجع الحراك التجاري في إمارته فأخذ التجار السوريون المتذمرون من الانتداب الفرنسي يبحثون لهم عن موطئ قدم في هذه السوق الواعدة، حيث بدأ بعضهم يقيم مصالح تجارية في منطقة السيل التي كانت تعتبر السوق المركزي للإمارة آنذاك.

ومع اتساع النشاط التجاري الشامي في عمان وتزايد مجالات جني الربح، أخذ التجار السوريون يتخذون لهم مساكن قريبة من مصالحهم، وكانت منطقة جبل عمان؛ الدوار الأول والثاني، وشارع بسمان وشارع خرفان هي أولى المناطق التي شهدت سكناهم.

وقد تميزت مساكنهم بالأناقة والجمال الذي يميز العمارة الشامية، كما حافظ الشوام على تقاليد الحياة المدينية التي كانوا يعيشونها في دمشق الفيحاء، فنساؤهم حافظن على العادات المتحفظة للمرأة الشامية، وعلى طبيعة العادات اليومية؛ كشرب القهوة الصباحية مع الجارات، والتعاضد في الأفراح والأتراح.

وفي تلك الفترة كان التجار الشوام قد وثقوا علاقاتهم بالعائلة المالكة، حتى إن حمدي الطباع، وهو سليل أسرة تجارية شامية معروفة، قد زامل وصادق الملك الحسين بن طلال في الكلية العلمية الإسلامية التي شكل نواة مؤسسيها مجموعة من التجار الشوام لتكون أول مدرسة إسلاميةخاصة، ولعب الدور الأول فيها محمد علي بدير، مؤسس شركة الكهرباء الأردنية.

ومع تطور المملكة وازدياد النشاط التجاري فيها وتوسع علاقاتها مع الدول العربية ودول العالم، توسع نشاط التجار السوريين وتنوع ليشمل مجالات جديدة كتجارة السيارات والمعدات والأجهزة الكهربائية والمنزلية وغيرها.

وفي الوقت نفسه كانت عملية الاندماج الاجتماعي للشوام داخل الأردن تتعمق وتتجذر، بخاصة ,أنهم حصلوا الجنسية الأردنية، ويذكر أن صبري الطباع هو صاحب جواز السفر الأردني رقم واحد. إلا أن عملية الاندماج هذه انحصرت، نسبيا، في الطبقة الغنية التي كانت خليطا من النوابلسة، والخلايلة، والسلطية، والكركية والحجازية.

ثم جاءت حرب حزيران 1967 لتؤدي إلى زيادة مفاجئة جديدة في عدد السكان، ولتدفع بالسوق الأردنية إلى المزيد من التوسع والنمو فازدهرت منطقة وسط عمان وتشكلت فيها شوارع تجارية زاخرة بالحركة والنشاط وكان للشوام مساهمة بارزة في هذا الازدهار.

لم يترك شوام الأردن مجالا من مجالات التقدم الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي إلا وكان لهم مساهمة مهمة فيه، ويعود ذلك إلى أنهم كانوا مقتدرين ماديا أصحاب تحصيل علمي عال.

ورغم أن أبناء الجيل الأول وبعضا من أبناء الجيل الثاني والثالث ما زالوا يفضلون أن يتوجه الشاب مع أمه وأخواته إلى دمشق لاختيار زوجة له، فإن شوام الأردن"، إن جازت التسمية، نجحوا نجاحا باهرا في الاندماج في المجتمع.

ويكمن سر هذا النجاح في عدة عوامل منها وحدة اللغة والدين، والارتباط التاريخي بمنطقة شرق الأردن بسوريا الكبرى، علاوة على طبيعة الشخصية الشامية البراغماتية بطبعها المحبة للهجرة والتي تحمي مصالحها عن طريق توسيع وتحسين علاقاتها بمحيطها.

ربما لم تكن هناك هجرة إلى عمان أكثر نجاحا من هجرة الشوام، فقد حصل هؤلاء أعلى مواقع في الدولة الأردنية عبر المراحل التاريخية، منذ تأسيس المملكة حتى الآن. واليوم يجلس في مقعد رئاسة الوزراء ومقعد مدير المخابرات العامة شقيقان أردنيان من أصل شامي.

شوام الأردن: أنجح الهجرات، أعلى الكفاءات وأرفع المناصب
 
12-Jun-2008
 
العدد 30