العدد 30 - أردني
 

حسين أبو رمّان

تعود هجرة الأرمن الرئيسية المعاصرة إلى بلاد الشام بما فيها الأردن إلى حرب الإبادة، التي شنتها السلطات العثمانية ضد الأرمن في أجواء الحرب العالمية الأولى اعتباراً من 24 نيسان/أبريل 1915، وراح ضحيتها في مرحلة أولى حتى أواخر العام 1916 زهاء مليون ونصف المليون أرمني حسب المعطيات التي أوردها الباحث رازميك سيمونيان مؤلف كتاب "الأرمن في بلاد العرب، 2004". وعمّد الأرمن يوم 24 نيسان/أبريل من كل عام عيداً للشهداء.

بلغ عدد الأرمن في الأردن في الفترة 1930-1946 حوالي ستة آلاف. واستقبل الأردن موجة جديدة من المهاجرين الأرمن قادمين من فلسطين بعد حرب 1948، بذلك ارتفع عدد الأرمن إلى حوالي 10 آلاف.

عمل الأرمن منذ مجيئهم للأردن في مهن مختلفة، إذ عمل بعضهم في الزراعة، وبرعوا في مهن كالتصوير الفوتوغرافي، والخياطة والميكانيك، والصياغة، والأعمال التجارية الحرة، بحسب الباحثة آردا فريج ديركربديان، مؤلفة كتاب "الأرمن الأردنيون، الواقع الاجتماعي والهوية، 2005".

الباحثة الأرمنية أوردت أن فريج ديركربديان، المولود العام 1919 جاء مع أهله من لواء الإسكندرونة إلى الأردن، واستقر بداية في سيل الكرك، وعمل أهله بالزراعة في غور الصافي، أما هو فتعلم مهنة الخياطة في القدس ثم عاد إلى الكرك أواسط الثلاثينيات من القرن الماضي وكان أول خياط فيها. وانتقل فريج إلى عمّان العام 1950، وظل فيها حتى وفاته العام 2003.

يشير أنطرانيك ليبتشيان، رئيس النادي الوطني الرياضي إلى أن أول مصور أرمني في الأردن اسمه بربريان، وكان العام 1921 مصوراً للقصر الأميري. كما أن صاحب أول رخصة سواقة واسمه خشاتوريان عمل سائقاً لدى الأمير عبدالله. وكان أرشاك سركسيان الذي توفي في الخمسينيات. أول من فتح محل أحذية في الأردن.

ويشير ليبتشيان إلى أن سجلات أمانة عمّان تبين أن الأرمن هم من أوائل من حصلوا على رخص المهن في العاصمة منذ بدايات إمارة شرق الأردن.

لم يبرز الأرمن في العمل السياسي والحزبي العام. وقلة منهم دخلت سلك الوظيفة العامة، من أبرزهم كريم أوهان الذي أصبح مديراً للأمن العام، وهايل كراكاشيان الذي أصبح ملحقاً ثقافياً.

تبوؤ اللواء أوهان منصب مدير الأمن العام في نيسان/أبريل 1957، وهو مسيحي أرمني، مؤشر على درجة عالية من الاندماج الاجتماعي تمتع بها مجتمعنا آنذاك.

احتفاظ الأرمن بهويتهم ولغتهم وثقافتهم، لم يحل دون اندماجهم بدرجات متفاوتة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع الأردني. إذ لوحظ اندماجهم مع كثير من أنماط الثقافة السائدة، وأهمها اتقانهم اللغة العربية الدارجة، إضافة إلى تمثلهم لأنماط الطعام والموسيقى والرقص، بحسب نتائج دراسة مسحية أجرتها الباحثة آردا على عينة ممثلة للجالية الأرمنية.

تقول آردا إن النتائج دلّت على اندماجهم الاجتماعي من خلال مؤشرات هامة كالزواج المختلط، وإن بنسبة ضئيلة، ومن خلال علاقاتهم مع أصدقائهم العرب وانتمائهم لمؤسسات اجتماعية عربية، وتوزعهم في أحياء يسكنها خليط من العرب والأرمن بغض النظر عن الديانة، إضافة لاندماجهم اقتصادياً من خلال تطوير أعمالهم. وتوضح آردا أن الدراسة كشفت عن درجة عالية من اندماج الأرمن سياسياً من خلال مؤشر مشاركتهم في الانتخابات النيابية (1997).

في ظروف البطالة العالية التي شهدها الأردن في السنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضي، بدأت في صفوفهم هجرة معاكسة باتجاه الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وتقلصت أعداد الأرمن منذ مطلع الألفية الجديدة إلى حوالي 3500 نسمة. القسم الأكبر يقطن في عمّان بنسبة تفوق 85 بالمئة، فيما يتوزع الباقون على محافظات إربد (15 عائلة)، الزرقاء (20 عائلة)، مادبا (8-10 عائلات)، الكرك (3-4 عائلات)، والعقبة (10 عائلات). وهناك أيضاً ما لايقل عن ألفي أرمني من جنسيات عربية نصفهم عراقيون، والنصف الآخر سوريون ولبنانيون يقيمون في الأردن لأغراض العمل، حسب تقديرات ليبتشيان.

الأرمن الأردنيون في غالبيتهم العظمى أرثوذكس، ومن الطوائف المسيحية المعترف بها في الأردن. كانوا في ثلاثينيات القرن الماضي يقيمون شعائرهم الدينية في مبنى صغير في جبل النظيف يستخدم كمدرسة، وككنيسة يوم الأحد. في العام 1968 انتهوا من بناء الكنيسة الحالية "كنيسة القديس تاتيوس" في الأشرفية.

"تحمي الدولة الأردنية حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقاً للعادات المرعية في المملكة ما لم تكن مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب" بحسب منطوق المادة 14 من الدستور.

يدير شؤون الطائفة الأرمنية مجلس الطائفة الأرمنية الأرثوذكسية منذ سنة 1968 برئاسة المطران فاهان طوبليان الذي أصبح العام 1974 نائب بطريرك الأرمن في القدس، وتولى منذ العام 1978رسمياً رعاية الكنيسة الأرمنية.

تتألف مجالس الطوائف الدينية «وفقاً لأحكام القوانين التي تصدر خاصة بها وتحدد في هذه القوانين اختصاصات المجالس المذكورة بشأن مسائل الأحوال الشخصية والأوقاف المنشأة لمصلحة الطائفة ذات العلاقة»، بحسب المادة 109 من الدستور .

يتحدث الأرمن اللغة العربية الدارجة بطلاقة، وإلى جانبها اللغة الأرمنية التي توارثوها عن الآباء والأجداد. أسست أول مدرسة للأرمن في جبل النظيف بعمّان في الثلاثينيات، وكانت هناك أيضاً مدرسة صغيرة في الرصيفة. أما المدرسة الحالية، فهي ابتدائية مختلطة «يوزباشيان كولبنكيان»، افتتحت العام 1962 في جبل الأشرفية، وإلى جانب روضتها، تدرّس حتى الصف السادس أساسي، ويتعلم فيها التلاميذ اللغة والتاريخ الأرمنيين، إضافة إلى المنهاج المدرسي المقرر من وزارة التربية والتعليم.

يبلغ عدد التلاميذ حوالي 110 تلاميذ، وعدد المعلمين 17 من بينهم 4 أساتذة أرمن. ولدى المدرسة باصان لإحضار التلاميذ من مناطق مختلفة من العاصمة.

يكفل الدستور الأردني في المادة 19، الحق «للجماعات تأسيس مدارسها والقيام عليها لتعليم أفرادها على أن تراعي الأحكام العامة المنصوص عليها في القانون وتخضع لرقابة الحكومة في برامجها وتوجيهها».

أما مدرسة الرصيفة، فقد أسسها صموئيل أغاسيربيكيان الذي عرف بالاسم المختصر سمير آغا. فبعد فترة من وصوله الرصيفة، بنى لنفسه بيتاً، وبنى إلى جواره قاعة بمساحة 50 متراً مربعاً، جعل منها روضة ومدرسة مختلطة تدرّس للصف الرابع إبتدائي، وكانت تستقبل 35 تلميذاً. ولهم معلّمة واحدة. ترك آغا كل ممتلكاته للجالية الأرمنية.

ذكر إبراهيم بربكيان (مهندس أرمني) أنه قبل سنوات كان يقيم في أبو نصير، وكان يحضر أطفاله صباح كل يوم إلى المدرسة الأرمنية، وانتهى به الأمر أن انتقل إلى السكن في الأشرفية. وقال إن بعض العائلات توصل أطفالها إلى المدرسة، فيما يتم نقل آخرين بباص المدرسة. وهو يلاحظ أن حوالي ربع العائلات الأرمنية لم تعد تحضر أبناءها للمدرسة، بل ترسلهم إلى مدارس خاصة أخرى أقرب إلى مناطق سكناهم.

أنشأت نساء أرمنيات الجمعية الخيرية الأرمنية للسيدات في الأردن العام 1965، حسب قيود الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، إلا أن النشأة الفعلية للجمعية تعود إلى العام 1947، ثم عّدل اسمها لاحقاً عدة مرات. يقع مقر الجمعية التي تتميز بفعاليتها في الأشرفية. ويبلغ عدد العضوات نحو 165 سيدة حسب أرقام 2005.

أنشأ الأرمن نادي الهومنتمن الرياضي العام 1945، حسب سجلات المجلس الأعلى للشباب. يبلغ عدد اعضاء هذا النادي الذي يرأسه كارو هيردميان، زهاء 150 عضواً، افتتح النادي مقره الحالي في الأشرفية العام 1967. يضم النادي ملعباً وقاعة احتفالات وقاعة اجتماعات ومكتبة.

و أسس الأرمن النادي الوطني الرياضي العام 1955، افتتح النادي مقره الحالي في الأشرفية العام 1974. ونشط النادي الوطني الذي يرأسه أنترانيك ليبتشيان ويبلغ عدد أعضائه حوالي 150 عضواً، بتشكيل فرقة للرقص الأرمني في المرحلة الأولى بعد تأسيسه، كما تميز النادي بلعبة كرة السلة التي حقق فيها موقعاً متقدماً في عقود سابقة، لكنه تم إيقاف هذا النشاط منذ عدة سنوات لأسباب مالية.

المهندس بربكيان وهو أحد نشطاء النادي الوطني، يقول ما زال النادي ينشط في مجال الشطرنج. وهو يحرص على خدمة المجتمع المحلي في أنشطته الاجتماعية والثقافية.

إلى جانب الأرمن الأرثوذكس، هناك جماعة قليلة العدد من الأرمن الكاثوليك، وفدوا إلى الأردن العام 1948، وأقاموا العام 1951 مدرسة «ساهاك مسروب»، وكنيسة لكنهما مغلقتان منذ سنين. لم يبق من الأرمن الكاثوليك سوى حوالي مئة شخص، وهناك نحو 50 شخصاً أيضاً من الأرمن الإنجيليين.

أول مصور في الأردن وأول “شوفير”.. منهم: الأرمن.. مهنيون عشقوا الموسيقى وبرعوا في الرقص
 
12-Jun-2008
 
العدد 30