العدد 30 - كتاب
 

منذ أواسط القرن الماضي، أصبح النفط الخام ومشتقاته، أحد مصادر الطاقة، والمصدر الرئيس لها في الدول المتطورة اقتصادياً، كما في الدول النامية نظراً للمزايا التي يتمتع بها قياساً بمصادر الطاقة الأخرى مثل: الفحم الحجري، ولإمكانية استخراجه أو استيراده بكلفة أو بأسعار منخفضة نسبياً، ومن هنا برزت الإشكالية الأولى المتصلة باستهلاك متزايد لسلعة قابلة للنضوب والتلاشي إن عاجلاً أم آجلاً.

ولم يكن مفاجئاً للسياسي والاقتصادي في الأقطار المستوردة للنفط، ومنها الأردن الاتجاه التصاعدي في أسعاره من دولار واحد في خمسينيات القرن الماضي، وإلى (2) دولارين في المتوسط حتى بداية السبعينيات، ثم إلى (12) دولاراً بعد الصدمة النفطية الأولى في 1974، وإلى ما يقارب (25) دولاراً بعد الصدمة النفطية الثانية في 1979، ليستمر في التأرجح حول الرقم الأخير ارتفاعاً أو هبوطاً حتى العام 2003.

وللأسف لم يتحرك الأردن، كما الأقطار النامية الأخرى المستوردة للنفط الخام، إلى اتخاذ إجراءات استباقية لأزمة نفطية قادمة تتسم بإمكانية حدوث ذبذبات وعقبات في استيراده، وزيادة كبيرة في أسعاره وتداعيات ذلك السلبية على موازناتها واقتصادها، وزيادة الأعباء على المستهلكين محدودي الدخل من مواطنيها، ومن ثم مواجهة المشكلة بالبحث عن مصادر بديلة للطاقة، وترشيد استخداماتها، وقد استمر هذا الوضع وهذا الموقف من الحكومات حتى بعد القفزات غير المسبوقة في أسعار النفط الخام بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ومن (28) دولاراً لبرميل النفط إلى (135) مليون دولار في المتوسط حالياً أو ما يزيد على (4) أربع أضعاف.

الإجراءات الأردنية في مواجهة هذا التحدي، اقتصرت على محاولات مواجهة ارتفاع أسعاره من خلال تحميل مواطنيها مرة واحدة أو بالتقسيط المتدرج عبء ذلك برفع متواصل لمختلف أسعار المشتقات النفطية، تحت شعار «تحرير أسعار المحروقات»، وبحجة عدم تمكن الخزينة الحكومية من تحمل تكلفة ارتفاع أسعارها.

وفي موازاة ذلك، وبدلاً من الاقتصار على مضاعفة المشتقات النفطية، كان من الأجدى على الحكومة التحرك منذ البداية في اتجاه الاعتماد على الذات بقدر الامكان، بواسطة تطوير مصادر طاقة بديلة ورخيصة، التي لا تنضب ومتوفرة مثل الاستفادة من الطاقة الشمسية، الطاقة الهوائية، ومن مساقط المياه والبدء باستخراج النفط من «الصخر الزيتي»، إلاّ أن ذلك كان يحدث في أضيق نطاق.

وأيضاً لم تهتم الحكومات الأردنية، كما يجب بخطوات واجراءات ترشيد استخدامات الطاقة، والحد من هدرها حكومياً وأهلياً، إذ لم يتم الحد من نزيف استيراد.

نتفهم العبء الذي يشكله الارتفاع المتواصل والمتسارع في أسعار النفط الخام وكلفة نقله على الموازنة العامة، كما نفهم إمكانية رفع أسعار مشتقاته قليلاً لهذا السبب، وأيضاً كوسيلة لترشيد استهلاكه وعدم الإفراط في استخدام المشتقات بما لا يلزم، ولكننا لا نقتنع بضعف الرقابة على قوى الاحتكار والمحتكرين الدوليين، وقبول تداعياته على تباطؤ النشاط والاقتصاد الوطني واشتعال الغلاء، واتساع ساحات الفقر والبطالة في العدد كما في المكان، وتفاقم الارتباط والتبعية للرأسمالية المعولمة وتوجهاتها ومؤسساتها.

أحمد النمري: إشكالية النفط
 
12-Jun-2008
 
العدد 30