العدد 30 - أردني
 

لا يحتاج من يعمل في السوق السوداء للمصنفات الفكرة والفنية إلى كثير من المؤهلات، فأدوات العمل في هذه السوق بسيطة وغير مكلفة، ومجالاتها متنوعة، وما يجعل العمل فيها أكثر سهولة أن التشريعات التي تحكمها لا تواكب المستجدات، وأن تطبيق هذه التشريعات يكاد يكون معدوماً.

يقول حماد المخادمة، الذي عمل لنحو عشرين عاما في مجال النقل والشحن البري، إن هذه السوق بدأت تنمو من خلال التهريب عبر المراكز الحدودية المختلفة منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، فعلى الحدود الشمالية للمملكة كانت أعمال المهربين الذين يطلق عليهم اسم (البحارة) مزدهرة، وكانت أعمالهم حينذاك تتركز على تهريب الملابس من سورية والساعات والإكسسوارات والأجهزة الإلكترونية الصغيرة المزيفة من لبنان. "ومع انتشار استخدام الكومبيوتر وتطور لوازمه،" يتابع المخادمة، دخلت عمليات تهريب الأسطوانات المدمجة "سي دي" و"دي في دي" بما تحمله من أفلام وأغانٍ وبرامج حوسبة وألعاب منسوخة، في عمليات التهريب، وبخاصة وأنها خفيفة الوزن، صغيرة الحجم، متنامية السوق."

ويوضح: "هذه البضائع كانت تأتي من الصين، والهند، وتايوان، وماليزيا، ومن إسرائيل عبر الأراضي اللبنانية، فسورية ومن هناك إلى الأردن، لكن تطورات الوضع على الحدود اللبنانية السورية، وبخاصة في منطقة سرغايا، التي كانت تعتبر "منطقة محررة" للمهربين، وتطور أداء أجهزة الجمارك والأمن الأردنية حدت من هذه العمليات إلى حد كبير".

وفي تطور لاحق، كما يؤكد المخادمة، أخذ التجار الأردنيون يشقون طريقهم إلى الأسواق الصينية، والماليزية، والتايوانية مباشرة، وأخذوا يستوردون هذه البضائع بأسعار زهيدة وبشكل قانوني، مع لجوء بعضهم لتزوير فواتير الشراء لتخفيض الجمارك.

محمد الحسنات، الذي يعمل في مجال تصميم المواقع الإلكترونية، يؤيد ما ذهب إليه المخادمة ويضيف "لم يعد تجار السوق السوداء العاملين في مجال الاسطوانات المدمجة بحاجة لاستيرادها، فقد أصبحت لديهم أجهزة نسخ متطورة، ويكفيهم أن يستوردوا أسطوانات فارغة، وهي رخيصة جدا، ثم يقومون بنسخ ما يريدون من أفلام، وأغان، وألعاب، وبرامج ويبيعونها".

حسين اللبابدة، صاحب محل لصيانة الكمبيوتر وبيع لوازمه في الزرقاء، يشدد على أن تجارة الاسطوانات المدمجة في السوق السوداء "تجارة ضارة بالمواطن لأن هذه النسخ غير الأصلية تتلف أجهزة الكومبيوتر، وهي غالبا ما تحتوي على فيروسات.

ويستدرك اللبابدة موضحاً أن التجارة الخطرة هي "قرصنة برامج الكومبيوتر وبرامج الأجهزة الخلوية وهذا ما تقوم به شركات كبرى في مجال البرمجيات في الأردن". وهو يرى أن بعض هذه الشركات تمتلك أجهزة متطورة وتوظف كفاءات تقوم بفك رموز البرامج المحمية وتنسخها وتبيعها في الأسواق على أنها برامج أصلية، وتحقق من وراء ذلك أرباحا طائلة حيث أن بعض هذه البرامج تساوي آلاف الدنانير بنسخها الأصلية.

مصدر خطورة هذه التجارة، بحسب اللبابدة، هو أنها تحرم خزينة الدولة من رسوم ضريبية وجمركية، فهي تضر بالعلاقات التجارية مع أميركا والدول الأوروبية التي تتحفظ على التعاون الاقتصادي وتقدم المساعدات للدول التي تبرز فيها ظواهر قرصنة من هذا النوع.

ويتساءل "كيف تجعل الدول الأخرى تثق باقتصادك وتتعاون معك إذا كان طفل في الرابعة عشرة من عمره قد تمكن في آذار الماضي، من اختراق رموز الحماية لعدد من البنوك الأردنية وقام بتحويل 12 ألف دينار من حسابات العملاء إلى حسابه الشخصي؟"

ويختم اللبابدة حديثه بالتأكيد على ضرورة تطوير التشريعات الأردنية لتواكب التطورات السريعة في العالم الرقمي، وتشديد الرقابة على هذه الأنشطة غير المشروعة وتشديد العقوبات على مرتكبيها "فالقانون الأردني يعاقب أسوأ أنواع هذه الجرائم بالحبس لمدة سنة، وهي عقوبة مخففة بالقياس إلى حجم الضرر الناتج عن الجريمة".

أحد مفتشي مكتب حقوق المؤلف في إدارة المكتبة الوطنية، وهي الجهة المخولة بمتابعة وضبط المخالفات في مجال حقوق الملكية الفكرية، قال للسجل "نحن كمفتشين في مكتب حقوق المؤلف نمتلك صلاحيات الضابطة العدلية بموجب القانون فلنا أن نفتش، ونحرر محاضر الضبط، وأن نحيل المخالفين إلى القضاء". وأكد المفتش الذي فضل عدم ذكر اسمه أن السوق السوداء في هذا المجال واسعة جدا، وعدد المفتشين قليل جدا بالقياس إلى حجم العمل المطلوب، "لذلك فإننا نعتمد في عملنا على الشكاوى التي تقدم، وغالبا ما تكون هذه الشكاوى ناجمة عن تنافس تجار السوق أنفسهم."

ويتابع موضحا: "عندما تردنا شكوى فإننا نجري تقديرا لحجمها، فإذا وجدنا أننا أمام مخالفات كبيرة محتملة، نتصل بالأجهزة الأمنية لترافقنا في عملية التفتيش والضبط."

ويقدر هذا المفتش أن مكتب حقوق المؤلف يقوم بإتلاف ما بين 40 و 50 ألف مادة مقرصنة شهريا، "رغم أن جهودنا محدودة وغير كافية لمواجه هذه الظاهرة".

ويرى الحل بإنشاء مفرزة متخصصة في جرائم الملكية الفكرية والتكنولوجيا في إدارة البحث الجنائي: "إنشاء هذه المفرزة سيقوي موقفنا كثيرا فهم رجال أمن متخصصون في المتابعة والتحقيق، وهم من جهة أخرى يمتلكون هيبة رادعة خاصة ضد حيتان السوق السوداء، لا نمتلكها نحن كموظفين".

ويختم المفتش حديثه "نحن نتعامل مع السوق السوداء بموجب قانون حماية الملكية الفكري، وهو قانون جيد بالقياس للدول الأخرى، لكنني أعتقد أنه بحاجة لمراجعة وتطوير دائما ليواكب التطورات التي تحدث".

لا الحرص على الاقتصاد الوطني، ولا الحفاظ على حقوق المؤلفين الذين يجهدون في تقدم الخدمة المعرفية الجمالية للناس ، ولا الخوف من قانون يجرم هذه التجارة السوداء المستشرية حتى الآن؟

قرصنة المصنفات: رادع ضعيف وربح سريع
 
12-Jun-2008
 
العدد 30