العدد 5 - اقليمي
 

من مفارقات القمة الخليجية الأخيرة أن حضور زعيم «غير خليجي» بلاده ليست عضواً في مجلس التعاون، قد شكل الحدث الأبرز لهذه القمة التي اختتمت أعمالها في الدوحة الثلاثاء الرابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري. فقد حضر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تلبية لدعوة رئيس القمة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي استضافت بلاده القمة الثامنة والعشرين.

مراقبون كثر استوقفتهم مشاركة نجاد، وهو أول زعيم أجنبي يشارك في قمة خليجية.فوصف دبلوماسي غربي في العاصمة القطرية ما جرى بأنه «خبطة إعلامية»، فيما وصف كاتب ومحلل سعودي (خالد الدخيل) هذه المشاركة بأنها «لافتة جداً». وتدل مؤشرات عدة على أن الدوحة هي من بادرت وربما بصورة منفردة، لاستضافة نجاد، وذلك مع إشارة رئيس الوزراء القطري في مؤتمره الصحفي لدى اختتام القمة بأن طهران هي من طلبت المشاركة، وتمت الاستجابة لطلبها، وأن الزعماء طلبوا وضع آلية لاستضافة زعماء أجانب.

ورغم أنه لم ترشح أنباء عن المباحثات الجانبية التي جرت في مثل هذه المناسبة بين نجاد وزعماء خليجيين، فقد لوحظ أن الاجتماع بين رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد والرئيس الإيراني جاء بعد الكلمة التي ألقاها الضيف في افتتاح القمة التي لم يتطرق فيها نجاد الى قضية الجزر الثلاث التي تنازع إيران دولة الإمارات عليها. كما جاءت مشاركة الرئيس الإيراني بعد يوم من إصدار أبوظبي بياناً أكدت فيه تمسكها بحقوقها في جزر أبو موسى، وطنّب الكبرى، والصغرى.

بدلاً من ذلك دعا نجاد دول الخليج لتوقيع اتفاقيات أمنية واقتصادية بين بلاده ودول مجلس التعاون الست. وهي دعوة دأبت طهران على إطلاقها تجاه جاراتها، غير أن المخاوف الخليجية من التمدد الإيراني ومن استخدام مثل هذه الاتفاقيات كمنصة لأشكال مختلفة من التدخلات الإيرانية حال وما زال دون الاستجابة لهذه الدعوات.

وكانت طهران طالبت في مناسبات عدة بخليج لا قواعد أميركية وغربية فيه، وهو ما رفضته دول الخليج على الدوام التي سعت الى تنويع مصادر تسلحها: من روسيا والصين على سبيل المثال، ويذكر أن هذه الدول أنشات في ما بينها مجلس التعاون الخليجي في العام1985 في ظروف الحرب العراقية الإيرانية الطويلة التي كانت محتدمة آنذاك. وقد فاقم من ذلك الملف النووي الإيراني، إذ إن إيران قادرة على إنتاج قنبلتها النووية. رغم أن تقريراً أميركياً أشار إلى أنها أوقفت برنامجها النووي العسكري منذ عام 2003، ويفترض ان نجاد قدّم للزعماء الخليجيين تطمينات حول المسألة، ومع أنه يتعذر الاطمئنان بصورة كاملة لأسلحة تدمير على وشك الإنتاج في بلد مجاور تقوده طموحات قومية «لا حدود لها».

مقابل ذلك، فإن المبادرة لدعوة نجاد يحمل بدوره تطمينات للجارة القوية بأن دول الخليج العربية لن تكون منطلقا لأعمال عدائية ضدها، بل إن الدول الست لا تؤيد ولن تؤيد مواجهة مسلحة تقودها الولايات المتحدة، بالتعاون مع الدولة العبرية وأية دولة أخرى ضد الجمهورية الإسلامية. وكان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، قد عرض باسم دول مجلس التعاون تمكين إيران من تخصيب اليورانيوم لأهداف مدنية، غير أن هذا العرض الذي يكرر عرضاً روسياً سابقاً، لم يلق قبولاً من طهران التي باتت تتطلع للإعتراف بها دولة نووية وليس أقل من ذلك.

وكانت طهران قد عملت على تحسين علاقاتها مع الرياض بتبادل زيارات على مستوى عال بين البلدين منذ صعود نجاد الى الحكم، وجرى بين البلدين تنسيق مطرد حول الأزمة اللبنانية على مدى العام الجاري.

فيما سعت طهران الى احتواء تصريحات عدائية أطلقها أحد مستشاري المرشد خامنئي،ودعا فيها لضم مملكة البحرين الى الأراضي الإيرانية، وذلك بزيارة قام بها الوزير منوشهر متكي الى المنامة، وصدرت بعدها تصريحات ودية متبادلة بين الجانبين. كما تتشارك دول خليجية منها السعودية والبحرين والكويت مع إيران، في المؤتمرات الدورية لدول الجوار العراقي، غير ان دول الخليج تكاد لا تكتم مخاوفها من النفوذ الإيراني المتشعب في العراق، ومحاولة هذا البلد تقاسم النفوذ مع الولايات المتحدة في بلاد الرافدين.

ومن الواضح أن هذه المشاركة الإيرانية قد حملت الى ما تقدم، رسائل وإشارات إزاء الغرب بما يفيد أن إيران ليست معزولة، وأن صداقتها مطلوبة حتى من طرف دول حليفة لواشنطن.وأن الضغوط عليها بالتالي لن تفيد ولن تستقطب مؤيدين، فيما تتضمن هذه المشاركة رسالة خليجية مؤداها، أن دول مجلس التعاون (بعضها على الأقل) تمتلك هامشاً من المناورة والاستقلالية عن استراتيجيات الولايات المتحدة، التي فوجئت بالمشاركة الإيرانية في «محفل» يضم أخلص أصدقائها في المنطقة.

وفي المحصلة، فقد حققت كل من إيران ودول الخليج بعض النقاط في هذه المناسبة، فيما احتفظت واشنطن بموقف المراقب فقط لما يجري، بانتظار حدوث تطورات أخرى في منطقة حبلى بالاحتمالات.

أحمد نجاد نجم القمة الخليجية.. – سليم القانوني
 
06-Dec-2007
 
العدد 5