العدد 29 - أردني
 

محمد شما

تعاني آلاف الأردنيات من عدم قدرة أبنائهن وأزواجهن من الاستفادة من الخدمات الحكومية؛ الطبابة ،التعليم ،والتوظف في مهن حكومية أو خاصة تشترط حصول الموظف فيها على «الرقم الوطني»، ما استدعى مطالبة منظمات حقوقية محلية منها ودولية بضرورة وضع حد لهذا القرار الذي تعتبره «جائرا».

استغلت منظمات حقوقية محلية انتخابات الأردن مطلع العام 2006 عضواً في مجلس حقوق الإنسان العالمي، فنفذت حملة لحث الحكومة على التوقيع على مواد اتفاقية إنهاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، لكنه تحفظ على المواد (9/2، 15/4، 16/ج،د،ز) من الاتفاقية. والمادة (9/2) التي تقضي «بضرورة منح الجنسية للأبناء والزوج»، وكذلك الحال بالنسبة للمادة (15/4) المتعلقة «بالحق المتصل بحرية الحركة واختيار محل السكن.»

الاتفاقية المشار إليها لم تكن الوحيدة التي وقع عليها الأردن، إذ كان وقع على عدد آخر من الاتفاقيات الدولية منها: «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، «الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري»، لكن ذلك لم يشفع للأردنية المتزوجة من غير أردني بمنح أبنائها جنسيتها. الحكومات المتعاقبة ترى أن منح الجنسية لأزواج الأردنيات وأطفالهن، وحصولهم على «الرقم الوطني»، هو «شأن سياسي مرتبط بالتوطين،» وفق وزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة، الذي أدلى بتصريحات خلال تسلمه منصب وزير الداخلية تفيد بأن الحكومة آنذاك، «تراجعت عن تجنيس أبناء الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين ،بعدما ثبت أنه يشمل حوالي نصف مليون فلسطيني».

ولا يلوح في الأفق أي تحرك حكومي قريب نحو تعديل قانون الجنسية ، الذي تتضرر منه عائلات المواطنات المتزوجات من غير أردنيين، وتستمر تبعاً لذلك مطالبة أكثر من مؤسسة مجتمع مدني بضرورة منحهم الحقوق المدنية، والمتمثلة بالقبول في المدارس أو في المراكز الطبية أو في التوظف.

لكن المعارضة لمنح أسر المتزوجات من غير أردنيين لا تقتصر على الجهات الرسمية، بل تشترك فيه أيضا بعض منظمات المجتمع المدني مثل «حركة اليسار الاجتماعي» التي أصدرت وثيقة قبل فترة، لم تنشرها، تناولت هذا الملف. يقول خالد كلالده، أمين عام هذه الحركة لـ«السجل» إن «هيئة الأمم المتحدة بدأت تسقط مخيمات فلسطينية في الأردن من حساباتها وذلك من باب التوطين السيء. هناك مشاريع لترحيل الفلسطينيين إلى وطن آخر، وإذا أيدنا توطينهم من باب العروبة والوحدة فنحن نخدم الإسرائيليين فقط».

الملكة رانيا العبدالله أعلنت في كلمة ألقتها، لدى افتتاحها الدورة الثانية لاجتماعات قمة المرأة العربية الذي عُقد في عمان في 2 تشرين الثاني العام 2002، عن «توجه الحكومة لاحتمال منح المرأة الأردنية المتزوجة من غير أردني الحق في منح أبنائها جنسيتها».. لأن من شأن هذه التعديلات «إعطاء الأردنية حق التقدم بطلب الحصول على جواز سفر دون موافقة زوجها».

بعض الشخصيات لم يرق لها هذا التوجه ومن بينها العين السابق، جهاد المومني، رئيس تحرير صحيفة «شيحان» الأسبوعية آنذاك الذي أعلن موقفه على صفحات الصجيفة. «السجل» حاولت الاتصال به لكنه خارج الأردن.

نسرين ليست مثل باقي زميلاتها اللواتي تخرجن معها من كلية الحقوق في جامعة مؤتة قبل سنوات؛ هن الآن محاميات أما هي فسكرتيرة براتب شهري مقداره 130 ديناراً. «درست الحقوق لأجد نفسي عاجزة عن الحصول على حقي.» تقول نسرين أبو العنين 33 عاما متحدثة عن معاناة فتاة عذبها سؤال الرقم الوطني؛ «أين القانون والعدالة؟ لماذا أحُرم من العمل في تخصصي رغم أنني مولودة في الأردن ولم أغادره أبدا وأشعر أنني أردنية 100بالمئة ».

تنتمي نسرين إلى عائلة أفرادها: أب «غزاوي» يحمل الجواز المؤقت، وأم أردنية تحمل الرقم الوطني وتتمتع بحقوقها كافة، أما البنات الخمس فحالهن مثل حال أبيهن، يجددن جوازات سفرهن المؤقتة مرة كل سنتين بمبلغ خمسين ديناراً للجواز الواحد.

الشقيقات الخمس تخرجن من الجامعات. الأولى شريعة، والثانية حقوق، والثالثة إدارة أعمال، والرابعة فنون جميلة، والخامسة علوم مالية ومصرفية. جميعهن لا يعملن، والسبب هو عدم تمتعهن بالرقم الوطني، فالقانون لا يسمح للزوجة بمنح جنسيتها لزوجها وأبنائها.

في العام 1996 صدر قرار لمجلس التعليم العالي تضمن نصوصا بمعاملة أبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين ممن يحملن دفتر عائلة أردنياً، معاملة الطلبة الأردنيين من حيث استيفاء الرسوم في الجامعات الأردنية.

لكن أسيل 17 عاما الطالبة في «التوجيهي» تدفع أربعين دينارا رسوماً مدرسية وزميلاتها اللواتي يملكن الرقم الوطني يدفعن 6 دنانير، وهي تصف معاناتها «بالتمييز». تقول: «ببساطة أنا أعاني من وضع مادي سيء جدا، ولتحصيل هذا المبلغ يستدين أهلي، في كل مرة يسألونني عن الرقم الوطني، ويشطبون اسمي من قائمة الطالبات. أسيل أردنية الأم، غزية الأب.

فاطمة المغربي حاولت الحصول لابنتها على قرض جامعي، لكنها لم تفلح لأنها لا تملك الرقم الوطني، تقول إنها شعرت بغصة لعدم مساعدة ابنتها على إكمال دارستها «اضطررت لتزويجها بعد سن 19 لكي تأخذ جنسية زوجها وتكمل تعليمها.» تضيف فاطمة: «لا استطيع مساعدتها ولا أريدها ان تعاني المزيد، وقد فكرنا بالهجرة أنا وأولادي الخمسة وزوجي الغزّي».

قرار «فك الارتباط» بتاريخ 31/7/1988 بين الأردن والضفة الغربية، جرى اعتماده كأساس لسلسلة إجراءات رسمية وصفها ناشطون حقوقيون «بالتعسفية»، مثل سحب وثائق إثبات الشخصية من بعض المواطنين من أصول فلسطينية: دفتر العائلة، جواز السفر، الهوية الشخصية، إلغاء الرقم الوطني، استبدال جوازات السفر العادية بأخرى مؤقتة، صرف بطاقة إحصاء الجسور ذات اللون الأخضر.

العام 2005 أصدر المركز الوطني لحقوق الإنسان تقريرا طالب فيه بضرورة إجراء تعديلات على قانون الجنسية وإلغاء تحفظ الأردن على المادة التاسعة من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، لتأخذ حقها بالتساوي مع الرجل، في منح جنسيتها لأطفالها؛ وذلك أمام الأعداد المتزايدة لمواطنات متزوجات من غير أردنيين.

المركز الوطني، وهو مركز مستقل ماليا وإداريا، اعتبر في تقريره الرابع الصادر العام 2007 أن «قرارات الإدارة الحكومية المتعلقة بسحب الوثائق الثبوتية الخاصة بحملة الجنسية الأردنية، تمس هذا الحق وتحول دون التمتع به، ودون اعتبار لدستورية هذه القرارات أو عدم دستوريتها.»

يعتبر المركز أن سحب هذه الوثائق، «وما يترتب عليها من تجريد المواطن من جنسيته دون صدور حكم قضائي ابتداء، يعتبر تعسفاً وانتهاكاً أساسياً لحق هو الأساس للتمتع بالحقوق الأخرى في البلاد». ولاحظ المركز «أن محكمة العدل العليا ما زالت تعتبر قرار سحب الأوراق الثبوتية الرسمية المتعلقة بالحق في الجنسية - استناداً إلى قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية - عملاً من أعمال السيادة للدولة؛ الأمر الذي لا يشجع المواطنين على رفع الدعاوى المتعلقة بالحرمان من الجنسية أمامها، حيث بلغ عدد الدعاوى المرفوعة أمامها خلال العام 2007 تسع دعاوى فقط». انعكس ذلك على عدد «غير موثق» لم يتح ل»السجل» الوصول إليه من حالات سحب وثائق إثبات الشخصية الأردنية من حامليها (دفتر العائلة، جواز السفر، الهوية الشخصية، إلغاء الرقم الوطني، استبدال جوازات السفر العادية بأخرى مؤقتة، صرف بطاقة إحصاء الجسور ذات اللون الأخضر).

تطبيق قانون الجنسية الأردنية ضمن تعليمات قرار فك الارتباط، يعتبر مخالفا لأحكام المادة (5) من الدستور، الذي ينص صراحة على أن (الجنسية الأردنية تحدد بقانون) ولا يتضمن قانون الجنسية رقم (6) لسنة 1954م أي نص يجيز سحب الجنسية، كما يقول خبراء قانونيون لـ «السّجل».

حمادة فراعنة، نائب سابق في مجلس النواب، تناول في دورة المجلس مطلع العام 1997 «حقوق الأردنيين من الأصول الفلسطينية» وطالب بإشراك الأردنيين في مؤسسات الدولة «من باب أنهم شركاء في الأمن الوطني والاجتماعي والاقتصادي» سُجل في تلك الجلسة انسحاب كل من النواب احمد عويدي العبادي وخليل عطية وبرجس الحديد ،معتبرين ان الخطاب «فيه من العنصرية والتجني الكثير ومن شأن خطابه إثارة البلبلة داخل المجتمع»، لكنه يقول ل»السّجل» إنه آن الأوان لأن تحل المسألة بشكل تدريجي متأن».

يعتقد الفراعنة « أنه «يجب معالجة المسألة بدون تعصب أو ادعاء من كلا الطرفين على أنهما أصحاب حق. لكن استمرار الحال على ما هو عليه يبقي الباب مفتوحا وتظل الضغوطات العالمية والعربية تطالب بإنصافهم».

خالد الكلالدة، يرى أن منطق الأمور هو أن تتساوى الأردنية مع الأردني؛ فكما أن الأردني يستطيع منح جنسيته لزوجته، يفترض أن يسري ذلك على الأردنية أيضا، لكنه يستدرك بالقول، «إن هذا له مطبات سياسية» ولابد من العودة إلى السياسة بما يخص الأردنيين من أصل فلسطيني تحديداً». وهنا يذهب الى موقف شديد التطرف حيث يدعو باسم حركته الى نزع حق التصويت للبرلمان، «عليهم أن يبقوا كذلك بدون حق التصويت في البرلمان إلى حين تحل القضية الفلسطينية مع ضرورة عدم التضييق على الحقوق المدنية من دراسة وعمل.» (...)

«هل أنت أردنية»؟ هذا سؤال تواجهه نسرين أبو العينين دوما و كان دافعا رئيسيا لهرب شقيقاتها الأربع من عذاب افتقادهن «الرقم الوطني» بالزواج من أردنيين. أما هي المحامية فقبلت مرة أن تكون «طابعة كمبيوتر» في قصر العدل، ورغم أنها تحمل شهادة جامعية، فقد رفض طلبها لأنها لا تملك الرقم الوطني.

فاطمة المغربي، تتمنى أن نكون مثل الدول الأوروبية «الإنسان يولد لديهم حاملا الجنسية، أما أولادي فهم لا يأخذون الحقوق لأنهم لا يملكون الرقم الوطني. أنظر إلى ما تطبعه الطابعة على جواز السفر (لا يضاف الأولاد بسبب اختلاف جنسية الأب)..هذه الكلمة عطلت مجرى حياتنا».

هند عبد الفتاح متزوجة من مصري منذ 16 عاما، ولديها ثلاثة أبناء: أحمد 16 عاما وصابرين 12 عاما وعادل سنة وعدة شهور؛ أولادها الذين يدرسون في المدارس لا يستلمون كتبهم إلا بعد دفعهم الرسوم. ابن هند الأكبر حاز على «الحزام الأسود» في رياضة الكاراتيه، ويريد أن يسجل في المنتخب الوطني، لكنه لا يستطيع لأنه لا يملك رقما وطنيا.

إيفا أبو حلاوة، مديرة مؤسسة «ميزان» الناشطة في حقوق الإنسان لفتت إلى أن المنظمة تتلقى عشرات الشكاوى شهريا تتعلق بأردنيات متضررات من قانون الجنسية الأردنية «لا نستطيع مساعدة تلك النساء لأنها تتعلق بالقانون».

في مجلس النواب، تنشط كتلة (الإخاء الوطنية) المكونة من 19 نائبا لأجل المطالبة بتعديل قانون الجنسية. وقد تحدث النائب رسمي الملاح عن «فتح قنوات مباشرة مع جهات عليا لأجل تعديل القانون.» وهو يؤكد أن الكتلة تسعى لضمان حقوق تلك الفئة، «فإذا استطعنا ضمان حقوقهم حتى لو كان ذلك بعدم حصولهم على الرقم الوطني؛ فسوف يكون ذلك خطوة إيجابية».

الرقم الوطني هو الحل!
 
05-Jun-2008
 
العدد 29