العدد 29 - أردني
 

خليل الخطيب

تعتبر السياحة العلاجية في الأردن، بوابة لدخول العملات الأجنبية للبلاد. حيث بلغت عائدات هذه السياحة في العام 2007 نحو 700 مليون دولار، بحسب رئيس جمعية المستشفيات الخاصة، فوزي الحموري. لكن هنالك أصوات تشكك في قدرة هذا القطاع على الاستمرار في رفد الخزينة بمبالغ كهذه في المستقبل، إذا لم تطرح الحكومة قانوناً للمساءلة الطبية، يضمن تعويضاً للمريض العربي في حالة وقوع خطأ طبي، ويحمي الطبيب من الوقوع تحت المساءلة التي قد تؤدي إلى توقيفه قبل إثبات وقوع خطأ أو تقصير.

يبلغ عدد الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون الصحي مع الدول العربية 24 اتفاقية، تنظم شؤون التعاون الطبي والصيدلاني ومعالجة المرضى العرب في مستشفيات المملكة، بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة.

هذه الاتفاقيات تنظم دخول نحو 130 ألف مريض عربي سنوياً، وهو عدد مرشح للارتفاع ليصل 160 ألفا خلال عامين، بحسب الحموري، لكن يبدو أن هذه الاتفاقيات مهددة بانتكاسة خطيرة في ظل غياب قانون للمساءلة الطبية يضمن حقوق المرضى، بحسب المستشار الصحي في السفارة السودانية بعمان، ياسر أحمد الصديق، الذي يرى أن وجود مثل هذا القانون "سيجعل الحالات التي يشتبه بوجود أخطاء طبية في معالجتها، أو الحالات التي ترتفع فيها فواتير المستشفيات بصورة غير منطقية، تعالج قانونياً بعيداً عن قنوات الشخصنة المرهقة والمملة، وغير المفيدة غالباً".

ويؤكد الصديق أن أعداد المرضى الذين يفدون من السودان إلى الأردن للعلاج كبيرة، لكن هناك بعض الحالات التي تحدث فيها إشكاليات طبية أو مالية تسبب الكثير من الحرج للمرضى ومرافقيهم وترهق السفارة، ووزارة الصحة، وجهات أخرى. وهو يؤكد "لو كان هنالك قانون للمساءلة الطبية لأصبح علاج هذه الحالات أسهل وأكثر إقناعا."

ويروي حكاية امرأة سودانية وصلت عمان للعلاج في إحدى المستشفيات الخاصة لإجراء عملية. اتفق ذوو المريضة مع المستشفى على مبلغ 11 ألف دولار تكاليف للمعالجة، وأجريت لها العملية، وأدخلت للعناية الفائقة لمدة شهرين، ثم توفيت وجاءت الفاتورة بمبلغ 105 آلاف دولار."

ويتابع الصديق فصول الحكاية: "لقد منع مرافقو المريضة من السفر واحتفظ المستشفى بجثتها حتى يتم تسديد باقي مبلغ الفاتورة الذي كان يفوق قدرات العائلة بكثير، حتى تكافل العديد من السودانيين وجمع ما يصل 55 ألف دولار دفعوها ليتمكنوا من استعادة الجثة."

ويوضح الصديق: "المرضى السودانيون، أناس فقراء، عندما يأتون إلى عمان فمعظمهم يبيعون أرضهم أو سيارتهم أو حتى دوابهم من أجل العلاج."

يعتقد الصديق أنه كانت هنالك شبهة خطأ طبي في الحالة المشار إليها، وذلك وفقا لأحد الأطباء الذي اتصل بالسفارة ليخبرهم بذلك، فطالبت السفارة بتشريح الجثة، لكن أهل المتوفية رفضوا.

يعلق الصديق على ذلك بقوله: "لو كان هنالك قانون للمساءلة لتكفلت الجهة الضامنة، كشركات التأمين، بإيصال حقوق المستشفى وحماية حقوق المريضة."

ويؤيد المستشار الطبي في السفارة اليمنية، د. عبد الوهاب العلفي، ما ذهب إليه الصديق من ضرورة وجود قانون للمساءلة الطبية، ويشدد: "تكاليف المعالجة في بعض الأحيان غير منطقية، أمامي فاتورة لعملية منظار أجريت لمريض يمني قيمتها 3250 دولاراً، منها 2000 دولار للأدوية." وأضاف مثالا آخر عن رئيس وزراء يمني سابق أجرى فحوصات عامة دون علاج استمرت 4 أيام بلغت كلفتها 3200 دينار."

وينبه العلفي: "نسبة المرضى العرب في المستشفيات الخاصة الأردنية هي 42 بالمئة من مجموع المرضى، نصف هؤلاء من اليمنيين، فهل المستشفيات الخاصة الأردنية، قادرة على تحمل خسارة بهذا الحجم؟"

ويتفق الصديق والعلفي على أن أعداد المرضى من البلدين مرشحة للزيادة في حال إقرار قانون للمساءلة الطبية يحمي المرضى من الأخطاء، ويحمي حقوق المستشفيات والأطباء.

نقيب الأطباء الأردنيين زهير أبو فارس، يؤكد أن "وجود قانون للمساءلة الطبية هو ضرورة ملحة لحماية حقوق المريض، والطبيب والمستشفى." ويشير إلى أنه قد تم وضع مسودة تمثل خطوطاً عامة لمشروع قانون في هذا الشأن، إلا أن ثمة خلافات تحتاج للمزيد من الحوار بين الجهات المعنية، ومن أهم أوجه الخلاف في هذا الشأن بحسب أبو فارس "هل يكون هذا القانون ضمن قانون نقابة الأطباء أم يكون قانوناً مستقلاً؟ ومن هي الجهات التي ستخول بالحكم في القضايا الخلافية بين المرضى والمستشفيات والأطباء؟ وهنالك أيضا قضية توقيف الأطباء قبل إثبات وجود خطأ أو تقصير، وتحديد بعض المفاهيم مثل الخطأ الطبي، والعارض الطبي، والمضاعفات، والإهمال والتقصير..الخ".

ويرى أبو فارس أن وجود قانون للمساءلة يخدم مصلحة المستشفيات الخاصة التي تعمل على الحصول على الاعتمادية الدولية لتصبح قادرة على استقطاب المرضى من أميركا وأوروبا.

ويؤيد رئيس جمعية المستشفيات الخاصة، فوزي الحموري، ما ذهب إليه أبو فارس من أن قانون المساءلة الطبية هو مطلب للأطباء والمستشفيات، كما هو مطلب للمرضى لأنه يحمي حقوق جميع الأطراف. يضيف الحموري: "لكن وجود قانون كهذا سوف يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعالجة، الأمر الذي يجري عليه نقاش للوصول إلى بديل مناسب مثل: إنشاء صندوق تكافلي في نقابة الأطباء، أو الاعتماد على شركات التأمين منع تحديد سقف لكل نوع من أنواع التعويضات."

لكن محامي نقابة الأطباء، وائل عيسى، يقارب الموضوع من زاوية تجارب دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأميركية مشيرا إلى أن "وجود قانون للمساءلة الطبية أمر معقد ويحتاج إلى دراسة مستفيضة، بسبب تداخل مصالح عدة أطراف مثل: المريض، والطبيب، والمستشفى."

ويتابع عيسى قائلا إن الدول التي شرعت قانوناً للمساءلة الطبية، ارتفعت كلفة العلاج فيها إلى أرقام مخيفة، بسبب لجوء الأطباء للتأمين ضد الأخطاء المهنية، وذلك يشكل خطراً على السياحة العلاجية، وعلى معالجة المريض المحلي، حيث أنه سيعجز عن دفع تكاليف العلاج.

ومن هنا يرى عيسى أن من الضروري دراسة الموضوع بعناية شديدة، قبل وضع قانون يؤدي إلى رفع الكلف العلاجية بصورة قد لا تخدم مصلحة السياحة العلاجية، أو المعالجة الداخلية.

42 بالمئة من مرضى المستشفيات الخاصة من العرب: السياحة العلاجية أمام مفترق طرق
 
05-Jun-2008
 
العدد 29