العدد 29 - أردني
 

منصور المعلا

من بين إفرازات السياحة بوصفها نشاطا اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، ذلك النمط المعيشي الجديد الذي طرأ على بيئة بدوية تقليدية في قرية أم صيحون التي تقطنها عشائر البدول على مقربة من مدينة البتراء.

ففي العام 1985، أنشئت القرية لتضم سكان المدينة الوردية الأصليين، ومع تشكل مجتمع القرية تشكلت سلوكيات اجتماعية وصور ذهنية جديدة لم يكن النشاط السياحي الذي تعيشه القرية بعيدا عنها.

بحسب أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية موسى شتيوي، « فإن البدول يعتقدون جازمين بأنهم الورثة الحقيقيون للأنباط، إلا أن روايتهم تلك غير مسندة بدليل علمي.»

شتيوي الذي عاش بين عشائر البدول في فترة دراسته الجامعية، وعاد إلى المدينة باحثا في أواسط التسعينات من القرن الماضي، يحتفظ في ذاكرته بكثير من ملامح «ناس طيبي المعشر، كانوا بنظره روادا للعولمة، لتمتعهم بصلات وطيدة بسياح زاروا المدينة، لتنشأ علاقة ما بين الطرفين تخللتها زيارات متبادلة، وفي بعض الأحيان نتج عنها زواج ومصاهرة.

العلاقة بين البدول والسياح عز نظيرها برأي شتيوي «الذي دلل على ذلك بإجماع رسمي وشعبي لمن يزورون المدينة على أمانة البدول وحرصهم على راحة السياح.

إلا أن البدول، في رأي الرسميين العاملين في القطاع «مصدر إزعاج» ، لملابسهم الرثة، وانعدام التعليم فيما بينهم، فيما يلمح عاملون في القطاع إلى أن قرار عدم السماح لأبناء القرية ببناء طوابق أخرى لمبانيهم، أو التوسع في القرية جاء انصياعا لرغبات متنفذين يملكون الأراضي المجاورة للقرية.

مشكلة البدول ليست فقط في النظرة الرسمية، بل تتعدى ذلك إلى نظرات قرى مجاورة تعتبرهم أقل شأنا لانفتاحهم على السياحة وتعاطي أبنائهم الكحول، ولإقامتهم علاقات جنسية مع سائحات. هذا السلوك دفع سكان القرى المجاورة إلى النظر إليهم بنوع من مشاعر الاستعلاء الذي يخفي في ثناياه غيرة من الممارسات التي يستنكرونها علنا.

يقدر متوسط عدد أفراد الأسرة في قرية أم صيحون بنحو 7.40 فرد/أسرة، وهو رقم مرتفع مقارنة بمستوى محافظة معان التي تتبعها البتراء إداريا، بحسب نتائج مسحية لدائرة الإحصاءات العامة، التي بينت أن متوسط عدد أفراد الأسرة يراوح حول 6.9 فرد/أسرة .

بحسب دراسة أعدتها جامعة الحسين بن طلال في معان، فإن نسبة الأمية في القرية تعادل 29.2 بالمائة، وهي نسبة ما تزال مرتفعة عن نظيراتها على مستوى المحافظة، والتي تبلغ 15.2 بالمائة. كما إن هنالك فجوة كبيرة بين الجنسين من حيث التمكن من القراءة والكتابة، فالأمية ما تزال مرتفعة لدى الإناث، إذ تبلغ تقريباً ضعف النسبة لدى الذكور، حيث تشكل أمية الإناث 37.3 بالمائة، في حين تشكل أمية الذكور 19.7 بالمائة، وهي مرتفعة جداً مقارنة مع مثيلاتها على مستوى المحافظة والمستوى الوطني ، والتي وصلت 5.4 بالمائة بين الذكور و15.2 بالمائة بين الإناث على المستوى الوطني.

ويلاحظ انعدام الدارسين بعد المرحلة الثانوية كليا، أو حتى دارسين في مرحلة التعليم العالي في القرية، ما يعكس من وجهة نظر الباحثين مدى تأثير السياحة في هذا المجال، فهي توفر دخلا سريعا للمواطنين هناك، وهو دخل يزيد كثيرا عن دخل المتعلمين، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الاهتمام بالتعليم العالي وعدم منحه الأولوية التي يستحقها.

تشكل نسبة قوة العمل من مجموع الذكور نحو 63.0 بالمائة، شكـل المشتغلون منهـم نحو 41.3 بالمائة، بينما بلغت نسبة المتعطلين 58.7 بالمائة. وفـي المقابل شكـلت قـوة العمل مـن الإنـاث 17.8 بالمائة من مجموع الإناث بين 15و64 عاما، شكلت العاملات من بينهن ما نسبته 26.3 بالمائة، بينما شكلت المتعطلات عن العمل 73.7 بالمائة. وفيما يتعلق بغير النشطين اقتصادياً من الذكور فقد بلغت نسبتهم 37.0 بالمائة، مقابل 82.2 بالمائة من الإناث، وشكل الطلبة الذكور النسبة الكبرى من غير النشطين، حيث بلغت نسبتهم 31 بالمائة، في حين شكلت الإناث الطالبات 34.7 بالمائة، وشكلت ربات البيوت 46.7 بالمائة، وتدل هذه المعدلات بشكل واضح على ارتفاع معدلات البطالة بين الجنسين، مقارنة مع المعدلات السائدة على المستوى الوطني؛ حيث بلغت بين الذكور 52.7 بالمائة، وبين الإناث 66.7 بالمائة، في حين بلغ معدل البطالة في القرية 55.7 بالمائة. وربما كان بين أبرز أسباب ارتفاع معدلات البطالة هو عدم توافر فرص عمل حقيقية في القرية إضافة إلى تدني مستويات التعليم وانتشار الأمية، وكثرة عدد أفراد الأسرة.

وتعد السياحة المورد الرئيس للعيش وكسب الرزق في قرية أم صيحون، لعدم وجود موارد اقتصادية أخرى تؤمن لهم العيش الكريم، بالإضافة إلى قلة الأراضي الزراعية.

والسياحة، بوصفها نشاطا اقتصاديا هي حرفة غير دائمة لارتباطها بالسياسة وبالاستقرار الأمني. أما تدني مستوى التعليم، وبخاصة لدى أرباب الأسر، فقد انعكس على تنشئة وتربية الجيل الجديد، وتوجهه نحو العمل في القطاع السياحي وإهمال الجانب التعليمي، ما أدى إلى بروز ظواهر سلبية مثل عدم الإقبال على التعليم في المراحل كافة، وخاصة المرحلة الأساسية، ما أثر على الإعداد والتنشئة الاجتماعية للجيل الجديد.

وساهمت السياحة أيضا في إضعاف دور الأسرة في تنشئة الجيل الجديد، وحماية الأطفال ووقايتهم من الانحراف والضياع، وانتشار ظاهرة عمالة الأطفال بشكل واسع.

يستذكر خبير السياحة الدكتور حابس سماوي إجابة سيدة تقوم بالإشراف عن بعد، على المبالغ التي يحصلها ابنها من بيعه لقطع من الحجارة لعدد من السياح «أن السياح يتعاطفون مع الطفل الصغير ويقومون بالشراء منه بينما لا يقومون بالالتفات إليها هي.»

هذه الحالات أدت إلى اضعاف دور المرأة داخل الأسرة من حيث العناية بالمنزل والأطفال والعلاقات الزوجية، لخروجها للعمل داخل منطقة البتراء، والميل نحو ما يعتبر في الأوساط المحافظة انحلالا اجتماعيا لدى فئات من شباب القرية، من خلال تقليد بعض السياح في مظاهرهم وسلوكياتهم، وانتشار النزعة الاستهلاكية بين أفراد القرية، نتيجة لما يتحقق لهم من وفرة الدخل بشكل سريع أثناء مواسم النشاط السياحي، وبخاصة في ظل تواضع الوعي بقيمة الادخار والاستثمار، وانتشار أنماط من التشغيل غير المصرح بها، التي تؤثر سلباً على الموقع الأثري، وتسهم في الاضرار به، مثل: استخدام الحيوانات في نقل السياح داخل البتراء، أو بيع قطع الحجارة الرملية الملونة بعد أن يم تحطيمها، وأخذها من مواقعها الأصلية.

يعانون انتشار الأمية والتفكك الأسري: “البدول” أحفاد الأنباط وضحايا الحياة الاستهلاكية
 
05-Jun-2008
 
العدد 29