العدد 29 - أردني
 

نهاد الجريري

بدوية من نيوزلندا، هكذا يعرف سكان البتراء مارغريت فان غيلدرمالسن، التي اختارت قبل أكثر من ثلاثة عقود أن تعيش حياة البداوة، هي النيوزلندية ذات الأصل الهولندي التي قضت سنوات شبابها الأولى في سدني بأستراليا.

بدأت قصة مارغريت أو "أم رامي" كما يعرفها سكان المنطقة والسياح، مع البتراء العام 1978 عندما كانت في رحلة إلى الشرق الأوسط أوصلتها البتراء.

في المدينة الوردية تعرفت على دليلها السياحي محمد عطا الله عثمان الذي كان يملك محلا لبيع التحف التذكارية. محمد عرض عليها الزواج وهي قبلت.

منذ ذلك الوقت عاشت مع محمد في كهف عمره 2000 عام نحت في تلة من صخر البتراء الوردي. تعلمت فنون الطبخ على الحطب، وخبز أرغفة الشراك، وجر الماء من الوديان على الحمير، والبحث عن الأعشاب البرية لتضيفها إلى الشاي. وفي موازاة ذلك، فكرت في أن تخدم مجتمعها الجديد من عشائر بدو البتراء بأن تدير عيادة محلية، هي الممرضة القانونية المدربة.

أنجبت مارغريت شابين وفتاة. رامي، الأكبر، درس الهندسة الإلكترونية في سدني بأستراليا حيث عاش مع جديه وأخواله. لكن رامي، مثل والدته ربما، رفض الحياة النمطية وقرر العودة إلى البتراء ليعمل في السياحة بدلا من الهندسة. يقول "في الهندسة، العمل روتيني، أما في السياحة فلا تعرف ما يحمل لك كل صباح".

الابن الأصغر ما يزال يدرس الإعلام الرقمي Digital Media في سدني، أما الفتاة فتعيش في مادبا حيث تعمل في أكاديمية الملك King’s Academy.

توفي أبو رامي في 2002، لكن أم رامي ما تزال تعيش في قرية صيحون التي انتقل إليها بدو البتراء في 1985.

وثقت تجربتها في كتاب "الزواج من بدوي" الذي وضعته بالإنجليزية، وترجم إلى العربية قبل حوالي شهر، إذ قامت على نشره شركة نشر سعودية تحت عنوان "تزوجت بدويا." يقول رامي إن والدته لم تكن راضية عن الترجمة، "لأنها لا تعبر عن تجربة الانخراط في مجتمع البداوة."

تقول أم رامي في كتابها في معرض التعريف به في أندية الكتاب والقرّاء: "هذا الكتاب كان قصة غرامي بمحمد.. كيف استقريت في كهفه ونمت (في الخلاء) تحت صفحة من النجوم." وتضيف "الكتاب يصف التاريخ القريب للبتراء من خلال قصصنا وقصص الناس الذين يشاركوننا الحياة في الوادي، وكيف كنت أنا بدوية من نيوزلندا."

الكتاب نال استحسان القراء، فمهنم من استحوذ عليه الفضول لمعرفة كيف استطاعت تلك النيوزلندية أن تعيش حياة البداوة، ومنهم من أحب البتراء التي أحبتها أم رامي ووصفتها في الكتاب. وهكذا، وعلى مر السنين تحولت أم رامي التي جاءت لتزور معلما سياحيا فريدا، إلى "معلم" لا يقل فرادة من معالم المدينة الوردية.

وأم رامي واحدة من حوالي 10 سيدات أجنبيات يعشن اليوم في البتراء ووادي رم، فضلن حياة البداوة هناك على حياة المدينة في أستراليا، وأوروبا، وأميركا.

كاثي سويسرية تزوجت قبل 12 عاما من عطا الله، وهي تقيم إلى اليوم في صيحون هي وأطفالها الثلاثة: بنتان في الحادية عشرة والسادسة من عمريهما وولد في الرابعة. على مقربة منها تسكن ليلى وهي إسبانية متزوجة من هارون، ولها ثلاثة أطفال أيضا: أيمن في التمهيدي، ودنيا في الصف الخامس، ودانيا في الصف الثاني.

على مقربة من البتراء وفي وادي رم، تسكن إيرغا وهي أميركية من أصول ألمانية في السبعين من عمرها. أمضت السنوات العشر الماضية برفقة عائلة ضيف الله الذي اشترى لها عددا من النوق و"الحلال" والدجاج. الجمال هي حيواناتها المفضلة، وهي تعرفها بأسمائها، وبخاصة الناقة صفرا. تقول إيرغا التي تنقلت في حياتها بين ألمانيا وأميركا وإسبانيا إن حلمها الكبير تحقق في وادي رم. فهناك ترعى الجمال وتمضي أشهرا في الصحراء، إذ علمها البدو كيف تعتاش على الأعشاب، وكيف تتعامل مع الشمس الحارقة وكيف تبحث عن الماء. في منزل ضيف الله، تملك إيرغا غرفة صغيرة فيها كمبيوتر محمول تتواصل به مع العالم، خزنت فيه قصصا للأطفال كتبتها عن شخصياتها المفضلة: الجمال. أما عائلة ضيف الله فيعتبرونها فردا منهم، وهم ينادونها بالجدة أحيانا كثيرة، وبخاصة الصغيرة وفاء.

**

عجائب الدنيا السبع الجديدة

في السابع من تموز من العام الماضي، حازت البتراء على المرتبة الثانية في مسابقة عجائب الدنيا السبع الجديدة بعد سور الصين العظيم. وقد جاء اختيار عجائب الدنيا السبع الجديدة من طريق مشروع أطلقه منتج أفلام كندي هو برنارد فيبر، من خلال شركة أسسها في العام 1999 تحت اسم "مؤسسة العالم المفتوح الجديد". واشترطت المؤسسة أن تكون هذه العجائب بنيت من قبل الإنسان قبل العام 2000، وأن تبقى صامدة لغاية انتهاء التصويت.

بحصولها على هذا الموقع اكتسبت البتراء شهرة عالمية، فدخلت في المناهج التعليمية للدول، وحازت على ترويج مجاني، ومن المتوقع أن يستمر اسم البتراء في الانتشار في المستقبل.

وقد جاءت العجائب الجديدة كالتالي: (سور الصين العظيم، البتراء، تمثال المسيح الفادي في ريو دي جانيرو، آثار ماشو بيشو في البيرو، مدينة شيشن ايتزا في المكسيك، الكوليزيوم في روما، معبد تاج محل في الهند).

يقول الخبير السياحي حابس سماوي للسّجل: "علينا أن نولي البتراء عناية فائقة، بعد فوزها واختيارها ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة في العالم، من خلال التعريف بها بشكل أكبر، وتطوير المرافق السياحية التي تضمها، وتنمية وتطوير المجتمع المحلي هناك".

**

الجمعية الوطنية للمحافظة على البتراء

بهدف الحفاظ على التراث الثقافي والبيئة الطبيعية لمدينة البتراء، وللحفاظ على الآثار، تأسست في العام 1998 الجمعية الوطنية للحفاظ على البتراء.

وعلى مدى يقارب العشرين عاماً عملت الجمعية على كسب مساندة المؤسسات الدولية، حيث تم إدراج المدينة على قائمة المواقع التراثية العالمية في العام 1985، وهي قائمة تضم ثلاثمئة موقع حول العالم تتميز بالقيمة الثقافية العالية والجمال الطبيعي.

ما عملت الجمعية على زيادة الوعي بأهمية المدينة كموقع أثري من خلال 21 مشروعاً بقيمة 3 ملايين دولار إضافة إلى رصد التهديدات التي تتعرض لها المدينة. وقد كان للجمعية دور فاعل في رسم حدود محمية البتراء الأثرية في العام 1995، وإنشاء هيئة واحدة لإدارة شؤون المحمية للتنسيق بين الدوائر المختلفة.

وتهدف الجمعية إلى تنمية روح الاهتمام محلياً ودولياً بأثر البتراء، ورفع مستوى الاهتمام المحلي والعالمي بأهمية المدينة، وإعداد الدراسات والمسوحات، ومراجعة وثائق العقود والدراسات الخاصة بالمدينة.

بدويات من أوروبا.. يفضلن البتراء ووادي رم على حواضر الغرب
 
05-Jun-2008
 
العدد 29