العدد 29 - اقليمي
 

عبدالسلام حسن

القدس - وكأن شيئاً لم يحصل، غادر رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت الى واشنطن في رحلة تستمر ثلاثة أيام، بعد لقاء جديد و"غير مجد"، جمعه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، تاركاً خلفه أسئلة مؤجلة وشركاء وخصوماً سياسيين ينشغلون- كل من موقعه وبطريقته- في السعي الى خلافته.

يريد أولمرت من زيارته هذه الى واشنطن وكذلك من لقائه، مع عباس غير المقرر سلفاً، القول ضمنا- كما قالها صراحة أيضاً- أنه لن ينكسر بفعل العاصفة القضائية والسياسية التي يواجهها عقب الشهادة التي قدمها ضده رجل الأعمال الأميركي، موريس تالانسكي، واعترافه بتقديم 150 ألف دولار له.

لكن الواقع السياسي في إسرائيل لم يعد كما كان، وكرة الثلج أخذت بالتدحرج، منذ اللحظة التي خرج فيها أيهود باراك، رئيس حزب العمل، الشريك الرئيسي لحزب "كاديما" في الائتلاف الحكومي، لمطالبة أولمرت بالتنحي عن منصبه، إما بالاستقالة أو بإعلان العجز عن القيام بمهامه" لأن رئيس الحكومة ليس باستطاعته إدارة شؤون الدولة وشؤونه الخاصة في آن واحد".

وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "تلسيكر" ونشرت نتائجه صحيفة "معاريف نهاية أيار الماضي تأييد 48 بالمئة من الإسرائيليين استقالة اولمرت والتوجه الى انتخابات مبكرة، على خلفية قضية الفساد التي يواجهها، فيما رأى 18.7 بالمئة أن عليه اعلان عجزه عن القيام بمهمته واستمرار الحكومة برئيس بديل من حزبه " كاديما". وقال 25.9 بالمئة من الإسرائيليين إن على أولمرت البقاء في منصبه حتى توجيه لائحة اتهام بحقه.

ولوح باراك بأن حزبه سيفرض انتخابات مبكرة إذا لم يتنح أولمرت. ودعا حزب كاديما لأن يقرر وجهته منذ الآن.

هذا الموقف دفع قيادات في حزب " كاديما" للخروج عن صمتها، والبحث في خيارات بديلة، لتفادي خسارة كل شيء. فقد خرجت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية في مؤتمر صحفي دعت فيه الى تقديم موعد الانتخابات التمهيدية لحزب كاديما والاستعداد لليوم التالي لاولمرت، ما جعل أنصاره يتهمونها بالتآمر عليه مع زعيم حزب العمل.

وقالت ليفني: "لدي التزام للدولة، ولدي التزام لكديما. لا يسرني أن أصل الى هذا الوضع..بيبي يتحدث مع شاس، باراك يقود خطوة، وماذا نقول نحن؟ كاديما ملزم بأن يقرر ماذا سيفعل. رئيس الوزراء يمكنه أن يقرر ما يريد، ولكن توجد هنا دولة. رئيس الوزراء نفسه أيضاً يجب أن يرى مصلحة الدولة".

وكان نائب رئيس الحكومة، حاييم رامون، توقع في كلمة في مؤتمر حول الشرق الأوسط عقد في واشنطن نهاية أيار الماضي ان تجري الانتخابات العامة في إسرائيل في موعد أقصاه تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. 

وتبرز أمام أنصار حزب كاديما عقبة تتعلق بالنظام الداخلي للحزب. تجعل من اقصاء أولمرت عن رئاسة الحزب والحكومة أمراً معقداً يقترب من المستحيل.

فحين خرج رئيس الحكومة السابق ارئيل شارون من حزب الليكود بعد تمرد عدد من قيادات الليكود عليه وقرر تشكيل حزب بديل هو " كاديما"، حرص على تفصيل النظام الداخلي للحزب الجديد على مقاسه، بحيث تصبح إقالة رئيس الحزب الجديد أمراً عسيراً جداً إن لم يكن متعذراً، بذلك وفر شارون وهو يغط في غيبوبته منذ سنوات طوق نجاة لخلفه اولمرت.

إزاء ذلك بدأت قيادات حزب كاديما بالبحث عن مخرج لهذه المعضلة. وقد أخذ النائب تساحي هنغبي الذي يقف على رأس لجنة شؤون الحزب على عاتقه قيادة عملية تغيير في النظام الداخلي كي يسمح للمرشحين بالاستعداد للانتخابات التمهيدية والتوصل معهم الى موعد متفق عليه للانتخابات.

ويقضي النظام الداخلي لحزب كاديما أن اقالة او الخروج على رئيس الحزب لا يمكن ان تتم إلا في حالة وفاته أو تقديم موعد الانتخابات العامة. وإمعاناً في حماية نفسه اشترط شارون في نظامه الداخلي لتغيير هذه القاعدة، اجراء استفتاء عام بين منتسبي الحزب وعددهم 60 ألف منتسب، حتى يتمكن أعضاء الحزب من تعديل النظام الداخلي وإقالة رئيس الحزب.

تظهر استطلاعات الرأي أن ليفني هي صاحبة الحظ الأوفر في خلافة أولمرت في حال تنحيه واستبداله بآخر من "كاديما"، حيث أيدها 34.7 بالمئة ، مقابل 15 بالمئة لمنافسها الأبرز وزير المواصلات شاؤول موفاز.

كما أظهر استطلاع آخر للرأي أجراه مركز داحف، حصول ليفني على 39 بالمئة في حال اجراء انتخابات تمهيدية لرئاسة حزب " كاديما"، مقابل 25 بالمئة لموفاز، و15 بالمئة لوزير الأمن الداخلي آفي ديختر، و8 بالمئة لوزير الداخلية مئير شطريت.

وإزاء هذا الوضع تقف الساحة الإسرائيلية أمام ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تؤول إليها الأمور في إسرائيل، في التحالفات الممكنة والخيارات المفضلة من قبل الأطراف كافة في الساحة السياسية في إسرائيل. أولها: أن أولمرت لن يستقيل، وعندها سينفرط عقد الائتلاف الحكومي وسيضطر باراك للالتحاق بصفوف المعارضة. أو أن تمرداً سيحدث في حزب "كديما" للضغط على أولمرت لمغادرة منصبه. والمحصلة ستكون تقديم موعد الانتخابات، لتجرى بين 3 و 5 أشهر.

أما الاحتمال الثاني، فهو أن يبادر رئيس الوزراء لإعلان استقالته تحت الضغط الجماهيري والسياسي أو في أعقاب رفع لائحة اتهام ضده، والنتيجة ستكون إما انتخابات مبكرة، وفي هذه الأثناء يواصل أولمرت ولايته. أو أن حزبي كديما والعمل سيقيمان حكومة بديلة للحفاظ على التواصل السلطوي ومنع صعود نتنياهو الى الحكم.

أما الاحتمال الثالث: فهو أن يبادر أولمرت الى اعلان عن "عجز مؤقت" كي يكرس وقته للكفاح من أجل تطهير اسمه. والمحصلة صعود وزيرة خارجتيه تسيبي ليفني الى رئاسة الحكومة، وهذه احتمالية متدنية.

الاتجاه على الأرض يسير نحو تأييد مشروع قانون حل الكنيست الذي قدمه النائب الليكودي سلفان شالوم، وتقديم موعد الانتخابات. فالشريكان الكبيران لكاديما حزبا العمل وشاس ألمحا الى إمكانية تأييد القانون.

وتوقع شالوم أن تصل نسبة التأييد لهذه الخطوة ما بين 70 -80 نائباً.

وأبلغ باراك أعضاء كتلة العمل في الكنيست يوم الاثنين الماضي: إن إسرائيل أقرب من أي وقت مضى من التوجه الى صناديق الاقتراع" "الانتخابات ستعقد أغلب الظن هذا العام. الوضع لا يمكن أن يستمر هكذا نحن نريد استقراراً سلطوياً، ولكننا أيضاً نستعد للانتخابات".

ويرى عضو الكنيست عن حزب التجمع الديمقراطي سعيد نفاع، أن العد التنازلي لرحيل أولمرت قد بدأ، مستبعداً حدوث تطورات يستطيع من خلالها الاستمرار في منصبه، وبخاصة في ضوء موقف حزب العمل شريكه الرئيسي باراك.

وقال نفاع: باراك يواجه صعوبة في الاستمرار مع أولمرت بسبب الضغط الجماهيري عليه لمغادرة الائتلاف. وفي الوقت ذاته هو يخشى الخسارة امام زعيم الليكود، وهذا سيكون بمثابة نهاية لحلمه بالوصول الى رئاسة الحكومة.

الخيار الأفضل بالنسبة لباراك هو استبدال أولمرت بشخص آخر من كاديما لا سيما ليفني واستغلال الفترة المتبقية لاجراء الانتخابات في موعدها في2010 في استعادة قدرته.

وقال مسؤول في مكتب أولمرت إنهم يتعاطون مع باراك باستخفاف. "هذا الرجل ببساطة خرقة مهترئة. هو لا يعرف ماذا يريد من نفسه. يخاف الانتخابات لأنه يعرف أن بيبي سيحطمه. كما أنه لا يريد تسيبي في رئاسة الحكومة.

في ضوء ذلك فقد قرر اعضاء كتلة حزب العمل في اجتماعهم مهلة أسبوعين كي يستبدلوا أولمرت. وإلا "سنؤيد مشروع قانون تقديم موعد الانتخابات".

وحسب استطلاع "معاريف"  فإن الحظ الأوفر سيكون من حظ حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو في حال اجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل حيث يتوقع حصوله على 30 مقعداً، مقابل 25 مقعداً لحزب كاديما برئاسة ليفني،  و18 لحزب العمل برئاسة باراك.

الخشية من انتخابات مبكرة في إسرائيل قد تأتي بنتنياهو الى رأس الحكومة، هو هاجس القيادة الفلسطينية أيضاً التي- وإن لم تعلن ذلك صراحة- تتخوف من وقف للمفاوضات الجارية، مع إسرائيل وبالتالي قطع الطريق أمام أية تسوية محتملة.

لكن عضو الكنيست، نفاع قال إن المسار الفلسطيني يعاني أصلاً حالة  جمود، ليس بسبب الشبهات التي تحوم حول أولمرت، وإنما  بسبب عجزه عن اتخاذ أية خطوات استراتيجية تاريخية سواء على المسار الفلسطيني أو السوري، بسبب الخريطة السياسية وتركيبة المؤسسة الإسرائيلية، وكذلك الموقف الشعبي في إسرائيل.

وأضاف: أمام تعثر المشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة، يمكن ان يكون هناك اتفاق ضمني بين الأحزاب الصهيونية في إسرائيل للذهاب الى انتخابات مبكرة لوقف المسارات التفاوضية مع الفلسطينيين والسوريين والتي أدخلتهم في مازق لا يستطيعون الفكاك منه إلا بخطوة من هذا النوع.

وقبل أن يتوجه الى واشنطن للمشاركة في المؤتمر الدوري للوبي الصهيوني "ايباك" دعا أولمرت الرئيس محمود عباس الى لقاء في القدس، لكن اللقاء لم يتمخض عن أية نتائج، بسبب إصرار إسرائيل على مواصلة الاستيطان، كما قال رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات.

وقد استبقت إسرائيل اللقاء باعلان خطط لإقامة 884 وحدة استيطانية في " هارحوماه" و"بسغات زئيف" في القدس.

أما المفاوضات على المسار السوري، فإن المسؤولين الإسرائيليين انفسهم يعترفون بأنها غير جدية.

واستبعد وزير الأمن الإسرائيلي، باراك، خلال اجتماع للجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن تفضي المفاوضات مع سورية الى اتفاق سلام هذا العام. ووصف الاتصالات مع سورية أنها لجس النبض فقط، مضيفاً "نحن نريد اتصالات مباشرة وسرية وهم يريديون اتصالات غير مباشرة وعلنية".

ومثل هذا الموقف صدر عن نائب رئيس الحكومة، حاييم رامون، الذي قال في واشنطن إن المفاوضات مع سورية لن تفضي إلى نتائج.

باراك ونتنياهو يتأهبان لاقتناص فرصة الانتخابات
 
05-Jun-2008
 
العدد 29