العدد 29 - دولي
 

محجوب الزويري

أثار الموقف الإيراني من التطورات التي شهدتها مدينة البصرة أخيرا، من صراع بين تيارين شيعيين؛ تيار الصدر وتيار الحكيم، موجة من التساؤلات حول من هو التيار الشيعي الذي يحظى بالتأييد الإيراني ضمن الخريطة السياسية الشيعية الإيرانية. فمن المعروف أن هنالك تأييدا غير خاف للمجلس الأعلى بقيادة عبد العزيز الحكيم، وكذلك لحزب الدعوة والذي تسلمت شخصيتان منه رئاسة الوزراء؛ إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي.

في هذا السياق، أثارت الخطة الإيرانية بانتقاد الحكومة العراقية في حملتها على التيار الصدري في البصرة الشهر الماضي شيئا من الاستغراب، فالحكومة الإيرانية أجابت الوفد العراقي- الذي سافر إلى إيران لإقناعها بجدوى ما تقوم به الحكومة- بأنها "لا تستطيع مساندة الحكومة العراقية وهي تستهدف المدنيين"، وهو موقف كان واضحا منه عدم الرضا الإيراني، وهو ما أدى إلى تعطيل الحملة على مدينة الصدر في بغداد.

بالنسبة إلى إيران، كان واضحا منذ العام 2002 أنها معنية بوجود خطوط مفتوحة ومتوازنة مع كل ألوان الطيف السياسي في العراق، ومع بدء العراق مرحلة جديدة بعد الاجتياح العام 2003، لم تتغير الإستراتيجية الإيرانية كثيرا، فهي مع سعادتها بتولي الشيعة زمام الأمور في العراق، عبرت عن رضاها في إطار تيار دولي قبل بهذا التغير، على أن من المهم التذكير بأن ما يحكم الموقف الإيراني وتغيراته هو طبيعة المواقف السياسة التي تتبناها القوى الشيعية في العراق من قضايا مهمة مثل الوجود الأميركي في العراق، وكذلك الاتفاق الأمني بين العراق وأميركا الذي يدور الحديث عنه هذه الأيام.

حين ساندت الحكومة الإيرانية المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق برئاسة عبد العزيز الحكيم في مشاركته في العملية السياسية في العراق كان الأمر مهما، لأنه الجناح الأكثر تنظيما مقارنة بالتيار الصدري آنذاك، وهو التيار الذي كانت إيران متنفذة داخله، لكنه في الوقت ذاته لم يكن يتمتع بالدعم الجماهيري الشعبي الذي يتمتع به التيار الصدري بصفته تيارا تشكل بعد الاجتياح. وبالنسبة إلى إيران كان وما يزال كلا الجناحين الشيعيين مهما يجب الحرص على التواصل معه، كما كان من المهم أن يكون الطرفان في جبهة انتخابية واحدة، ليحمل كل منهما الآخر للحصول على أصوات الناخبين. وفي هذا السياق، يلاحظ أنه حتى عندما انتقد مقتدى الصدر إيران لتدخلها في الشأن العراقي، لم يكن هناك من تعليق إيراني على ذلك، بل على العكس دافعت عنه عندما لم تؤيد حملة الحكومة على مدينة الصدر، وهو الأمر الذي ربما يعكس الإبقاء على إيران مرجعية سياسية للقوى الشيعية في العراق الجديد.

التيار الصدري مهم، لأنه على ما يبدو التيار الشيعي الشعبوي الذي حافظ على سياق واضح في موقفه من الوجود الأميركي في العراق، وهو الموقف الناقد الداعي لانسحاب سريع من العراق، هذا الموقف، بحد ذاته، كاف لإيران للإبقاء على هذا التيار حيا وفاعلا ضمن الخريطة السياسة العراقية، فهناك تناغم في المصالح بين إيران والتيار الصدري، وهو نفسه التناغم الحاصل فيما يتعلق بالموقف من الاتفاقية الأمنية المنوى توقيعها بين بغداد وواشنطن.

لا يبدو أن إيران تريد التركيز على تيار بعينه وتضع كل ثقلها وراءه، وربما كن ذلك بسبب الديناميكية السياسية سريعة التغيير التي تشهدها الخريطة السياسية العراقية، وبخاصة الشيعية، فالتحالف الجديد الذي أسسه إبراهيم الجعفري استعدادا للانتخابات المحلية المقبلة، يعكس نوعا من الانقسام في الجبهة الشيعية العريضة التي تحاول الحفاظ على وحدتها، لذلك قد تبدو الإستراتيجية الإيرانية نوعا من الاستجابة لهذه التغيرات والتي يهمها أن تحافظ دائما على مستوى من الحضور الإيراني في العراق في نهاية الأمر.

إيران وشيعة العراق: رهان على الحضور السياسي
 
05-Jun-2008
 
العدد 29