العدد 29 - كتاب
 

حين ارتفع معدل النمو إلى 8.7بالمئة للناتج المحلي الإجمالي في 2004 ظهرت ثلاثة تيارات؛ الأول منها يعزو النمو إلى نجاح برامج الإصلاح وينادي بعدم احتياج الأردن إلى مزيد من الإصلاح الاقتصادي. والثاني، الذي نسميه الحكماء الجدد، وهو من جيل لم يعرف عهد الإصلاح ولم يحضره، لا لصغره، بل لأنه لم يكن مشغولاً بالسياسة أو الاقتصاد في التسعينيات، فبدأ يتعلم وينظّر في الإصلاح بعد 2004 ويخترع من بنات أفكاره ما يعتقده إصلاحاً وحوكمة أو حكمانية (سمها ما تشاء فأنا أعتقد أنها كلمة غريبة على العربية والعرب). أما التيار الثالث، فلقد رأى بواشر النمو والتدفقات، ووجد أنه أتى في الوقت المناسب حيث أن الاقتصاد كان قد دخل في مرحلة الصعود، فركب الموجة على أنه من سبّب النجاح، وأوقف الإصلاح، فاستفاد وأفاد من أراد من مجموعة "نعم".

التيارات الثلاثة اتفقت في السنين السمان على وئد عملية الإصلاح، ساعدهم في ذلك معدلات نمو مرتفعة لم يتسببوا هم بها، فتراجعت إنتاجية موارد الأردن ومواقعه في تقرير بيئة الأعمال، وتقرير التنافسية، وتقرير الفساد، بينما أصر دعاة الليبرالية ومبدأ: "نحن سوبرمانات الإصلاح لا رجال حكومة ومؤسسات" بأن هذا التراجع غير مبرر، وأن تقارير الفساد غير موضوعية، وأن تراجعنا في التنافسية وبيئة الأعمال كان بسبب دخول دول جديدة وكنا نسألهم لماذا دخلت أمامنا وليس خلفنا؟ وبقوا هم، بدلات أرماني وسيارات فارهة، وأموال تنمو بينما يعملون في القطاع العام وتنمو أكثر بعد خروجهم منه لأن تشريعاتنا لا تمنع رجل القطاع العام من الاستفادة من علاقاته بعد المنصب. وكم مرة تذمروا من المؤسسات ولم يصلحوها بل تركوها بعد أن خرجوا منها بسياسة الأرض المحروقة.

ما علاقة كل هذا بما يحدث اليوم؟ أعتقد أن صانعي مجتمع السوبرمان، "الذين يعلمون كل شيء،" لا يعلمون الفرق بين النمو والتنمية. لذلك، وقبل أن يحرجونا معهم في المحافل الدولية، دعونا نعود بهم إلى مادة سنه أولى اقتصاد، أو مادة الاقتصاد 101. يعرّف النمو الاقتصادي بأنه التغير النسبي في الناتج المحلي الإجمالي، وعادة ما يكون موجباً إلا في سنوات الركود، وكلما صغر حجم الاقتصاد ازداد أثر المتغيرات الخارجية فيه، وأدى إلى معدلات تغير مرتفعة.

وقد ينمو اقتصاد بلد بالصدفة، أو نتيجة حرب أو هجرة أو ارتفاع أسعار الموارد التي ينتجها كالنفط مثلا. المهم أن أسباب النمو قد تكون خارجية، وهذا ما حدث في الأردن في السنوات الخمس الماضية نتيجة لحرب العراق، وتداعيات 11 سبتمبر، وعودة أموال الخليج من الغرب، وارتفاع دخل الخليج وحصول الطفرة النفطية.

أما التنمية فهي ببساطة حصول معدلات نمو مطردة ومستدامة، والتأكيد هنا على كلمة "مستدامة،" أي لفترات طويلة من الزمن. وتؤدي التنمية إلى ارتفاع دخل المواطن، وتحسين معدلات توزيع الدخل، وتعظيم المشاركة في مكاسب النمو، نتيجة تحسن موارد الإنتاج وازدياد الشفافية وتراجع الفساد. إذا، التنمية لا تقاس فقط بمعدل نمو سنة أو سنتين.

هل حصل تنمية في الأردن في السنوات الخمس الماضية؟ بدأت معدلات النمو في الارتفاع منذ 2003 حين قفزت من 4.3بالمئة إلى 8.7بالمئة في 2004، ثم انحسرت إلى 7.4بالمئة في 2005، ثم إلى 6.7بالمئة في 2006، وإلى 6بالمئة في 2007، وأخيرا يتوقع صندوق النقد أن لا يتجاوز النمو هذا العام 5.5بالمئة.

في الوقت ذاته لم تتغير معدلات الفقر والبطالة، فلم تهبط نسبة البطالة عن 13.1بالمئة وإذا ما أضفنا إليها نسبة المحبطين الذين فقدوا الأمل في الحصول على عمل لوجدنا أنها ارتفعت عما كانت عليه قبل سنوات؛ كما لو أننا قمنا بإعادة تقدير خط الفقر الذي كان يساوي 504 دنانير للفرد في العام في 2003 سنجد اليوم أن نسبة الفقراء قد ازدادت كثيرا. وإذا نظرنا إلى معامل جيني الذي يقيس عدالة توزيع الدخل نجد أنه أصبح يبين تراجعا أكبر في العدالة في توزيع الدخل. وغيره من الأرقام التي تبين تراجع التنمية في الأردن.

في أي بلد يقوم على المؤسسات والمؤسسية يحرسها وتحرسه يجب أن يسأل السؤال: لماذا يتراجع النمو؟ تراجع النمو بسبب المؤثرات والعوامل الخارجية، وارتفعت معدلات النمو أيضا في السابق بسبب المؤثرات والعوامل الخارجية. لذلك إذا قررنا أن لا نلوم أحدا على التراجع، فيجب أن لا نشكر أحداً على معدلات النمو للسنين السابقة. ولكن نستطيع أن نلوم الكثيرين على عدم تحقيق التنمية.

يوسف منصور: اقتصاد 101: النمو والتنمية
 
05-Jun-2008
 
العدد 29