العدد 29 - بورتريه
 

محمود الريماوي

يعتبر سعد هايل السرور(61 عاماً) من الوجوه البارزة بين سياسيي حقبة ما بعد العام 1989.فقد سطع نجمه منذ ذلك التاريخ بفوزه الدائم بمقعد نيابي عن بدو الشمال. ثم بتوليه ثلاث حقائب وزارية في حكومات مضر بدران، والمرحوم الشريف زيد بن شاكر، وطاهر المصري، وزيراً للمياه والري ثم وزيراً للأشغال والإسكان لمرتين. (يكن لرؤساء الحكومات الثلاثة الاحترام ويخص بدران بتقدير استثنائي). ثم بنجاحه بترؤس مجلس النواب في العام 1995.

على أن مسيرته السياسية بدأت قبل ذلك. فقد عين سعد هايل السرور(لا يُذكر اسمه إلا ثلاثياً )عضواً في المجلس الوطني الاستشاري في العام 1982، وأختير عضواً في مجلس الأعيان وهو في السابعة والثلاثين من عمره، بما يجعل منه رجل دولة بما تولاه من مواقع في السلطة التنفيذية وزيراً لثلاث مرات، وقبل ذلك مهندساً في أمانة عمان.ثم في المواقع التي صعد إليها في السلطة التشريعية. وقد خبر المؤسسات التشريعية الثلاث: الاستشاري، والأعيان، والنواب.

السرور، بدوي الأصل والفصل. من مواليد قرية أم الجمال، قرب المفرق. نهل الكثير من مضافة الجد، وتعلّم في القرية السنوات الثلاث الأولى على يد معلم خاص استقدمه الأب لتعليم أبناء عشيرة المساعيد، وهو منهم قبل أن ينتقل للمفرق ثم لعمان التي أنهى فيها في كلية الحسين تعليمه الثانوي. ومنها الى الولايات المتحدة لدراسة الهندسة.

يتمتع السرور الى ذلك بقيافة أهل المدن (صوره بملابس بدوية نادرة ) وبهدوء الأعصاب، وبتفكيره المنظم، وتواصله السلس مع سائر مكونات المجتمع.. يحظى بالاحترام والمودة لدى سائر النواب، والسياسيين، والإعلاميين، لموضوعيته وابتعاده عن شخصنة الأمور العامة. وكذلك لنظافة كفه.

عمل لسبع سنوات مهندساً في السعودية، بين عامي 1974 و1981 ثم قفل عائداً الى الوطن. لم يتحول إلى رجل أعمال كما هو متوقع في مثل هذه الحالات." أجني المال وسريعاً ما أنفقه. موهبتي في الإنفاق أكبر بكثير من موهبتي في الادخار والاستثمار" يقول أبو هايل في اعتراف ساخر.

يصفه بعضهم بأنه رجل دولة يتقيد بالخط الرسمي بصورة شبه حرفية. وقد نأى عن ذلك في ترشحه لانتخابات رئاسة المجلس مؤخراً حين تحالف انتخابياً مع الإسلاميين، فمني بخسارة لم يُمن بمثلها من قبل، ما حمل على تفسيرها بأنها جاءت عقوبة على تحالفه هذا..

على أن الاقتراب من السياسي المهندس، يلحظ أنه ليس من فئة البيرقراطيين ولا من حملة شعار "ليس في الإمكان أبدع مما كان". فالرجل يلتزم حقاً بخط الدولة، لكنه يؤمن بالأهمية الحاسمة لتوسيع هذا الخط.

الرجل الذي يعتز بأصوله العشائرية، وبعلاقاته المتشعبة، والحميمة مع أبناء العشائر، يدعو لتقديم مصالح وطنه وشعبه على أية انتماءات أو مصالح فئوية. ويتحدث بنبرة ناقدة عما أثمرته مرحلة التحول الديمقراطي من ثمرات طيبة مثل: إطلاق الحياة الحزبية، واسئناف الحياة النيابية، والحريات الإعلامية وسواها، وكذلك من ثمرات عجفاء (التعبير ليس لأبي هايل) تتمثل خصوصاً في الفرز، والتنافس العشائري المحتدم الذي حجب القضايا الوطنية، وأضر بها وانعكس سلباً على النسيج الاجتماعي، وأنجب جيلاً جديداً متعصباً ضيق الأفق تستقطبه العشائر والمناطق،وهو ما يفسر في رأيه شغب الجامعات والملاعب والتزمت الاجتماعي عموماً.

يرى أبو هايل ضرورة وطنية في استكمال حلقات المسلسل الديمقراطي، عبر إصلاح سياسي يطال القوانين والأنظمة ذات الصلة. لا يدعو أبو هايل جهاراً للتخلي عن قانون الصوت الواحد ويكتفي بالتلميح إليه. بذلك لا يبدو الرجل محافظاً ، أو على تلك الدرجة من المحافظة كما في انطباعات شائعة عنه. المشكلة بعدئذ أن أبا هايل لم يسهم بصورة ملحوظة في بلورة تيار برلماني إصلاحي، رغم نزعته الإصلاحية. ولم يعزز صورته كبرلماني وسياسي مستقل.

"اختلف مع الإسلاميين سياسياً، لكني أرى في نوابهم زملاء تحت القبة.وقد حدث أن تحالف غيري معهم وبدا الأمر طبيعياً ومقبولاً حينذاك، فلماذا يريد البعض تصوير الأمر معي على غير ما هو عليه؟".

لا يضع أبو هايل نفسه مع حرس قديم أو جديد. يرى أن هذه التصنيفات ملهاة ومجرد افتعال لمعارك لا مبرر لها ولا فائدة ترجى منها، وأن الأهم برأيه هو في وضع حلول للمشكلات وعدم تركها تتفاقم.

لمواجهة التحديات الاقتصادية وغيرها، يطرح الرجل رؤية مفادها أن المجتمع السياسي انشغل بتصنيفات أيديولوجية، أو بمطاردة الناجحين وحملهم للدفاع عن أنفسهم بـ"تهمة" النجاح،أو طرح حلول "سحرية" ووصفات شاملة للوضع الاقتصادي، بدلاً من دراسة الاحتياجات والإمكانيات الفعلية ووضع حلول على هذا الأساس. لكل منطقة في الأردن خصوصية، كما يقول.ولها فرصها في التنمية : الجنوب يختزن امكانيات سياحية وغني بالمعادن. بادية الشمال والوسط تحتاج للالتفات الى الثروة الحيوانية وما يتصل بها.

وادي الأردن موطن ثروة زراعية، لم يفلح تطور الأبحاث ووسائل الزراعة الحديثة في تنمية هذه المنطقة. الشمال بطبيعته الخلابة يختزن امكانيات سياحية هائلة غير مستثمرة.

تعرف المنتديات أبا هايل متحدثاً ومنتدياً وباحثاً. لكنه لم يقرن ثقافته بنشاط سياسي وبرلماني جماعي، وكان أنشأ كتلة نيابية باسم "الكتلة الوطنية" في مجلسي العام 1989 و1993.

ويفسر عارفوه ذلك بنزوع أبي هايل لاستقلال شخصي والمراهنة على حضوره (إشعاعه) في المجلس، وهو رهان في محله. فهو بالفعل من قيادات المجلس البارزة والمتمكنة، ويُعرف عنه تمسكه بالنظام الداخلي للمجلس وملاحظاته شبه الدائمة على إدارة الجلسات، مما يحتسبه البعض غمزاً من قناة المهندس المجالي رئيس المجلس.

في حديث سابق لـ"السّجل" أخذ أبو هايل على النواب "تشتت جهودهم بين الخدمات المناطقية والشؤون الشخصية".واعتبر أن "القرارات والقوانين التي مررتها البرلمانات المتعاقبة لا سيما الاقتصادية منها ساهمت في إفقاد المجلس شيئاً من شعبيته".

شهادة السرور على جانب من الأهمية، وهي من قبيل شهد شاهد من أهله، إذ تقصد منزله في وادي صقرة في الصباحات بصورة شبه يومية بكبات أصحاب المطاليب والحاجات، حتى بات قاطنو الحي يعرفون أين تتجه البكبات المغبرة، قبل أن تستقر أمام منزله(طابق في بناية).

"نتحدث عن اللا مركزية والحكم المحلي، ونحن ما زلنا نطبق مركزية شديدة، من مظاهرها أن الوزير يبت في سائر القرارات المهمة والأقل أهمية، وأن معاملات كثيرة تقتضي من صاحبها أن يتوجه الى عمان. والى المعارف من كبار الشخصيات لتسهيل الأمور".

أبو هايل من بينهم.الجميع يخسر بذلك كما يقول: المواطن، والنائب، والثقة بالمؤسسات الحكومية وفرص التنمية و..

سعد هايل السرور: المهندس “المحافظ” يدعو للإصلاح
 
05-Jun-2008
 
العدد 29