العدد 28 - ثقافي
 

مراجعة: مونيك برناردز*

بين تشرين الثاني 1987 وآب 1988، أجرت نيلوفار حائري بحثاً ميدانياً في القاهرة، وفر بيانات تجريبية لاستقصاء حول التنوع الاجتماعي اللغوي في اللغة العربية في مصر. وكانت نتيجة هذه الدراسة في كتاب مبكر لها بعنوان" سوق القاهرة الاجتماعي اللغوي"، الذي يتضمن فصلاً مستقلاً عن المواقف الأيديولوجية واللغوية. ويعد لغة مقدسة تطويراً على هذا الموضوع الأخير في ضوء الموقف اللغوي الثنائي (بين العامية، والفصحى) في القاهرة، ومحاولات ارتياد المضامين الثقافية والسياسية للانقسام بين العربية الفصحى والعامية المصرية، أي بين لغة مقدسة ولهجة أم. وبشكل أكثر تحديداً، تحاول المؤلفة إيجاد جواب عن سؤال يثار عما إذا كان تحديث لغة مقدسة أمراً ممكناً، "ما نوع المحددات التي تحتويها وكيف تؤثر على التعبير الذاتي الشخصي، والإنتاج الثقافي والعلاقات السياسية الاجتماعية في مصر اليوم" (ص ص x-xi). ومتابعة لهذا السؤال المركزي أجرت المؤلفة بحثاً ميدانياً إضافياً في القاهرة بين عامي 1995-1996. وخلال إقامتها لم تكتف بتوسيع قاعدة بياناتها حول أساس المقابلات التي أجرتها، بل وقضت مزيداً من الوقت تستقصي نصوصاً مكتوبة من أنواع مختلفة للوصول إلى إنتاج وقواعد للعربية المكتوبة أيضاً.

خلال كتابها، تشير المؤلفة إلى تنويعين أساسيين للغة العربية في مصر بوصفهما "العربية الكلاسيكية" و"العربية المصرية". وهي تفضل تعبير اللغة الكلاسيكية العربية، على اللغة العربية القياسية. لأنها ترى أن الأخير اختراع غربي – فليس هنالك مثل هذا التعبير بالعربية – "أتاح لنا أخذ سؤال الحداثة برمته بوصفه من المسلمات". (ص xi) وفي المقابل، فإن العربية المصرية ينظر إليها بوصفها "لغة قائمة بذاتها تحتوي على العديد من أساليب التعبير الذاتي،" من هنا جاء تفضيل المؤلفة لاستخدام تعبير العربية المصرية على العامية العربية.(ص xi) وهي تلاحظ، في مجرى تقصيها، أن هنالك تمييزاً بين "الكلاسيكية العربية الخاصة بالدين من جهة، وبين الكلاسيكية العربية المستخدمة في كل شيء آخر من جهة أخرى،"(ص 43) أو الفصحى التقليدية مقابل الفصحى المعاصرة (ص 45)، مع الإشارة إلى القاموس الذي وضعه بدوي وهايندز (قاموس العربية المصرية).

وبعيداً عن افتراض أن المتحدثين بلغة وطنية "يمتلكون" لغتهم، وأنهم ينشأون مع لهجتهم الأم، التي تتطور وتتغير، تؤكد حائري أن اللغات الوطنية معاصرة للمتحدثين بها.(ص 13) وفي مصر، فإن هذه المعاصرة محددة للعربية المصرية؛ فللمصريين سلطة تامة على لهجتهم الأم أي اللغة المحكية، وبما يتعلق بالكلاسكية العربية فلا المصريون ولا العرب الآخرون هم المالكون الحقيقيون، إذ إن الكلاسيكية العربية هي لغة الدين المقدسة. وتاريخياً، فإن التغيرات في الكلاسيكية العربية وجدت مقاومة، برغم أن المؤلفة تلاحظ أن الكلاسيكية العربية الراهنة مختلفة عن تلك التي كانت مستخدمة قبل قرن، وأن هنالك عملية تحديث جارية، لكنها رغم ذلك لغة على علاقة غير مريحة مع العالم المعاصر.(ص 110)

ورغم أن الكلاسيكية العربية "محايدة" بالنسبة لبعض الكتاب – تذكر حائري طه حسين بوصفه مثالا رئيسيا (ص 110) – فإن الكتابة بالنسبة للغالبية العظمى من الناس، تترجم الذات إلى لغة مكتوبة أقل معاصرة بكثير من لهجتهم الأم الطبيعية. ومنع العربية المصرية من أن تصبح لغة كتابة وتعبير ذاتي، يخلق علاقة غير مؤكدة مع طبيعتها المعاصرة الخاصة بها.(ص 50-149) وتستنتج المؤلفة أنه لكون "اللغة التي يستخدمها المتحدثون لإنتاج وبناء قسم كبير من المعاصرة المصرية، غير مسموح لها بالتطور، فيما اللغة الأخرى التي تستمر معاصرتها في صورة صراعات لا تنتهي، تبقى هي اللغة الرسمية.....، فإن هنالك إحساساً مستمراً ومتناقضاً جداً تجاه ماهية المعاصرة المصرية وما يجب أن تكون عليه." (ص 157)

يستقصي جوهر الكتاب الانقسام بين الكلاسيكية العربية والعربية المصرية من زوايا مختلفة؛ تتكون الدراسة من ستة فصول، بما فيها مقدمة عامة (الفصل الأول) وخاتمة (الفصل 6). يتناول الفصل الثاني الموقف من استخدام الكلاسيكية العربية في الحياة اليومية، بالاعتماد في صورة رئيسية على مقابلات مع مصريين من طبقات اجتماعية مختلفة. وفي الفصل الثالث، تركز المؤلفة على إنتاج النصوص المطبوعة – وبخاصة دور المحررين والمصححين في إطار العملية؛ يعالج الفصل الرابع اللغة المكتوبة لـ"لأهرام"، أكثر الصحف أهمية، وكذلك المقالات التي تتناول اللغة العربية التي تنشرها الصحيفة نفسها.

في هذا المجال، فإن دراسة المؤلفة للطرق المختلفة التي تتحول فيها الكلمات المنطوقة إلى لغة مكتوبة تبدو كاشفة. لذا فإن المؤلفة تستقصي ما تمثله المقابلات التي تجرى مع الرئيس المصري حسني مبارك، والروائي نجيب محفوظ والممثل عمر الشريف والكوميدي عادل إمام. ويعود الفصل قبل الأخير (الخامس) إلى موضوع الموقف اللغوي وتدرس آراء مؤلفين وشعراء وصحفيين وناشرين ممن تمت مقابلتهم (ومن بينهم الناشر وبائع الكتب الشهير مدبولي). إن لغة الكتب المدرسية، والعمر القصير للصحافة بالمصرية العربية، والرقابة ودور السياسة يتم تناولها كذلك في هذا الفصل تحت عنوان عام هو "معضلات دائمة". أما الفصل الختامي (السادس) فتتلوه إشارات وببليوغرافيا وفهرس عام. وعموماً، فإن الكتاب يمثل إسهاماً مرحبا به في حقل اللغويات العربية.

* أستاذة في قسم لغات وثقافات الشرق الأوسط، جامعة غرونينغن، غرونينغن، هولندا

ظاهرة الانقسام اللغوي في حياة وثقافة المصريين
 
29-May-2008
 
العدد 28