العدد 28 - كتاب
 

أصبح الغلاء في الأعوام الثلاثة الماضية التحدي الأهم بالنسبة للمواطن والحكومة. الحلول التي طرحت، سواء من خلال تخفيض الجمارك وإعفاء المستورد من السلع الأساسية من الرسوم وإيجاد الأسواق الموازية وتعظيم دور المؤسسات الاستهلاكية المدنية ومراقبة الأسعار، كلها كانت ذات نجاح محدود، خاصة وأنها إجراءات أتت في زمن تواجه الموازنة فيه أعلى نسبة عجز في تاريخها (1200 مليون دينار أو أكثر من 10بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي). الحلول كانت قد طرحت في السابق والآن يبقى السؤال.

فتعويم سعر النفط الذي ارتفع بـ 35 دولاراً، أو 35بالمئة في هذا العام فقط، سيزيد من أثر هذه السلعة الاستهلاكية والمدخل الهام في عملية الإنتاج على الاقتصاد ككل وفي الوقت ذاته يزيح عبء فاتورة النفط من الموازنة إلى المستهلك والمنتج معاً. وارتفاع أسعار الكهرباء بـ 24.3بالمئة في 2006 ثم 3.7بالمئة في 2007 وقبل الارتفاع الأخير هذا العام سيؤثر على الاستهلاك والإنتاج معا وسيكون أثره عكسيً. كما أن ارتفاع مقياس غلاء أسعار المواد الغذائية بـ 9.3بالمئة في 2007 كان له النصيب الأكبر في ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك.

كما بين هذا التضخم المستورد فشل السياسة النقدية والبنوك المركزية لا في الأردن فحسب بل في جميع الدول النامية، وذلك لأن سياسات هذه البنوك تقوم على النظرية النقدية البائدة لميلتون فريدمان التي تقول بأن البنوك من خلال تحكمها بمعدل الخصم (سعر الفائدة التي تقرض به البنوك بعضها) تستطيع أن تتحكم بسعر الغلاء. فالحقيقة الواضحة للعيان هي أن البنوك المركزية لا تستطيع أن تتحكم في هذا التضخم من خلال رفع سعر الفائدة إلا إذا رفعت سعر الفائدة إلى معدلات مستحيلة (30بالمئة على سبيل المثال) وبذلك تكون طبعا قد خنقت الاقتصاد في سبيل معالجة الغلاء. وبما أننا يجب أن لا نلوم البنوك المركزية على هذا الغلاء المستورد يجب أن لا نشكرها أيضا على السنين التي كانت معدلات الغلاء فيها متدنية. فكلتا الحالتين كان يقودهما ويتحكم فيهما النظام العالمي وليس المحلي.

ولقد توفر وما يزال متوفرا لدينا حل بسيط خارج السياسة النقدية البسيطة، وهو رفع قيمة الدينار بالنسبة لغيره من العملات مع الإبقاء على سياسة الربط بالدولار للتأكيد على البقاء على تنافسية الدينار كوسيلة للسوق المحلي في التعامل مع السوق العالمي، خاصة وأن 40بالمئة من مستوردات الأردن التي تشكل 90بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي هي باليورو والين.

لقد طرحت في هذا العامود هذا الحل وطرحه آخرون، ولكن كما قال صديق لي قبل أيام؛ "اقطع الأمل، فلا حياة لمن تنادي!". وهي إجابة بدأت فعلا بتصديقها، الأمر الذي يدعوا المرء إلى إعادة الطرح ولكن بصورة أخرى. الآن، وبما أن ما طرحناه صعب المنال أو التحقيق (مع أنه ليس كذلك)، نسأل ماذا ستفعل الحكومة في مواجهة هذا الغلاء؟

المشكلة كما قلنا سابقاً هي ليست ارتفاع الأسعار بل انخفاض دخل المواطن في بلد تفوق موازنة الحكومة فيه نصف حجم الاقتصاد الكلي. فلو أن دخل المواطن كان أعلى لما كان لأثر ارتفاع أسعار الغذاء والوقود هذا الوقع الصعب أو شكل هذه المشكلة المستعصية التي نتعامل معها بألم. ومشكلة تدني الدخل بدأت منذ زمن بعيد وزاد من الطين بلة هو عولمة الاقتصاد بهذا التسارع العجيب، وكأن الادارات الاقتصادية المتتالية كانت تقيس حسن أدائها بسرعتها في توقيع الاتفاقيات الدولية وليس في تحسين دخل المواطن وهو الأساس. نرجو الإجابة عن السؤال الذي نطرحه للمرّة الثالثة: ماذا ستفعل الحكومة لمواجهة الغلاء؟

يوسف منصور: كيف سيجابه الأردن التضخم؟
 
29-May-2008
 
العدد 28