العدد 28 - دولي
 

على الخارطة، تبدو جورجيا وكأنها شوكة في جنب روسيا، ولكن يبدو أن روسيا عثرت أخيرا على شوكتين، وليس ِشوكة واحدة، لتخز بهما جارتها الصغيرة. الشوكتان هما: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهما إقليمان قامت فيهما حركتان معارضتان لحكام جورجيا منذ مطلع التسعينيات، وأعلنا انفصالهما عنها بعد حرب اشتعلت عامي 1992/93، قبل أن تتحول حربا باردة مع دخول روسيا على الخط وإرسال قواتها لحفظ السلام في إقليم أبخازيا، وما زالت القوات التي تقدر بنحو ثلاثة آلاف عسكري ترابط في الإقليم الانفصالي ما يزيد الموقف اشتعالا.

في تلك السنوات، كان رئيس جورجيا هو آخر وزير خارجية للاتحاد السوفياتي السابق، ميخائيل شيفارنادزة، والذي لم يكن راضيا عن الدور الروسي في الصراع الدائر بين جورجيا وأبخازيا، فكثيرا ما وجه انتقادات لذلك الدور آنذاك. لكن كل شيء تغير مع اندلاع «ثورة الورود» التي قادها شاب يحمل الجنسية الأميركية يدعى ميخائيل ساكاشفيلي، والتي انتهت بإطاحة شيفارنادزة وتولي ساكاشفيلي السلطة بعد انتخابات حاز فيها أغلبية كاسحة، فساكاشفيلي لم يكن أميركي الجنسية فقط، بل وأميركي التوجه أيضا، وهو توجه لم يتردد في إعلانه بمبالغة أحيانا، غير مبال برد فعل الدولة الإقليمية العظمى المجاورة.

هذا التوجه تحول في مطلع العام الجاري إلى مطالبة بانضمام جورجيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي مطالبة باركها الرئيس الأميركي جورج بوش في أثناء زيارة قام بها لجورجيا في شهر آذار/مارس الماضي، غير أن عددا من دول أوروبا الغربية القوية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، آثرت التريث في قبول جورجيا عضوا في الحلف الذي كان آنذاك يعقد مؤتمره في بوخارست، فتأجل دخول جورجيا عضوا في الحلف، ولكن العلاقات بين الدولة الكبرى، روسيا، وجارتها الصغرى، جورجيا، بقيت على حالها من السوء، بل إنها تفاقمت مع إعلان الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين اعترافه بالإقليمين الانفصاليين للضغط على جورجيا فوصلت العلاقة بين البلدين إلى حضيضها.

وكما كان متوقعا، فإن ذهاب بوتين ومجيء فلاديمير مدفيديف خلفا له في رئاسة روسيا لم يأت بجديد على صعيد العلاقات بين البلدين، بل ربما زادت العلاقات سوءا بعد محاولات جورجيا جس نبض الحل العسكري مع أبخازيا بإرسال طائرات تجسس من دون طيار فوق أراضي الإقليم الانفصالي، وبخاصة بعد أن قامت روسيا، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، بإسقاط إحدى هذه الطائرات فازداد الجو المتوتر توترا.

هذا الجو المتوتر جاء على خلفية نجاح الحركة الوطنية الديمقراطية التي يتزعمها ساكاشفيلي، بالاستحواذ على نحو ثلثي مقاعد مجلس النواب في الانتخابات التشريعية التي أجريت قبل نحو أسبوعين، ما عزز من مكانة الزعيم الشاب، وخاصة بعد أداء ملتبس في الانتخابات الرئاسية التي كان فاز بها في كانون الثاني الماضي والتي شابتها شبهة تزوير.

نجاح ساكاشفيليى في الانتخابات الأخيرة فهمه الرئيس الشاب على أنه تفويض له للمضي في استفزاز جارته الكبرى، غير أن من الواضح أن روسيا لن تتبع سياسة اللين مع ساكاشفيلي الذي يحاول أن يجعل جورجيا شوكة حقيقية في خاصرة روسيا، فبدأت في تحول إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليين إلى شوكتين لا تقلان إيلاما في خاصرة جورجيا، فمن يصرخ أولا؟

جورجيا وروسيا.. من يصرخ أولا؟
 
29-May-2008
 
العدد 28