العدد 28 - أردني
 

نهاد الجريري

الجدل الذي أثاره بناء سد الكرامة في غور الأردن كان فريداً، فقد انقسم المهتمون بشأنه إلى مؤيدين بالكامل أو معارضين بالكامل.

السد أقيم في منطقة الكرامة في الأغوار الوسطى بين العدسية وشمال البحر الميت عام 1997، بطاقة تخزينية تصل 55 مليون متر مكعب، وبكلفة 60 مليون دينار، بهدف تخزين ما يفيض من مياه في قناة الملك عبد الله في السنوات المطيرة، وهي كميات كبيرة كانت تذهب في نهر الأردن ومنه إلى البحر الميت.

وُضعت خطة بناء السد، بحيث تروي مياهه آخر 14.5 كم من الأراضي المحاذية لقناة الملك عبد الله، وذلك بعد تحليتها عن طريق غسل قعر السد. ولكن حتى اليوم، بعد عشر سنوات على إتمام السد، ما زال الأردن عاجزاً عن الاستفادة منه. والسبب في ذلك هو ارتفاع مستوى الملوحة في المياه، فملوحتها تصل 7000 جزء بالمليون، وهي نسبة تزيد عن الحد الأقصى من تركز الملح المسموح به للزراعة ومقداره 1200 جزء بالمليون.

بعض المعارضين لإنشاء السد ينتقدون قرار اختيار المنطقة لإنشاء السد، ويرون أنه "فشل" منذ لحظة اختيار موقعه، فالمنطقة التي أقيم فيها زلزالية.

غير أن مثل هذا الانتقاد لا يبدو جدياً تماماً، فأمين عام سلطة وادي الأردن، موسى الجمعاني، يشير إلى أنه "تم بناء السد بحيث يتحمل زلزالاً شديداً بقوة 7.5 درجة على مقياس ريختر." وعليه فإن بناءه في المنطقة المشار إليها لا يمثل مشكلة حقيقية بسبب طابعها الزلزالي. لكن الفشل يكمن في بعد آخر من أبعاد اختيار الموقع، وهو وجود السد في منطقة ينابيع مالحة، ما يجعل عمليات تحلية مياهه مكلفة للغاية، بحسب إلياس سلامة الخبير في الشؤون المائية والأستاذ في الجامعة الأردنية.

الجمعاني، يفسر "إنه تم تجميع الينابيع المالحة في قناة واحدة تصب في وادي الأردن ومنه إلى البحر الميت." لكن هذا لم يخفف من مستويات الملوحة العالية في مياه السد.

محمد ظافر العالم، وزير المياه السابق، يعتبر أن السبب في عدم تنقية المياه من الملح للآن تعود إلى شح المياه التي تغذي السد. ويعلل العالم هذا بأمرين: الأول يتعلق بالحالة المناخية العامة التي تعيشها المنطقة من شح الموسم المطري. والثاني يتعلق بآلاف الآبار وعشرات السدود التي تبنيها سورية، وإسرائيل في حوض نهر اليرموك.

في مواجهة جفاف السد على هذا النحو، وبهدف الاستفادة منه بقدر الإمكان باعتبار ذلك أمرا واقعا، يقول الجمعاني إنه "تم طرح عطاء لتحلية المياه في السد لأغراض الشرب." المرحلة التجريبية ستكون بإنتاج مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب تروي مناطق الكرامة، والكفرين، والرامة، والشونة الجنوبية. وفي مرحلة لاحقة يمكن رفع الإنتاجية إلى 4 ملايين متر مكعب لتأمين مياه الشرب للأغوار الشمالية.

ويضيف الجمعاني إن دراسة ستنتهي قريباً بهدف إشراك مؤسسة المتقاعدين العسكريين في مشروع لتربية الأسماك في أحواض خاصة توضع في السد.

الكرامة لو قُدّر له أن يعمل كما يجب لأحدث تغيُّراً بيئياً هائلاً في المنطقة من حيث الازدهار الزراعي والجذب السياحي. بحسب العالم، "السد أشبه ببحيرة طولها 5 كم، من شأنها –لو دامت- أن تغيّر في مستويات التبخر والرطوبة في المنطقة، ما يتيح المجال أمام زراعات غير مألوفة فيها، ناهيك عن تحويلها إلى منطقة جذب سياحي واصطياف."

وهكذا يظل السد على حاله بين من يعتبره "فشلاً" إدارياً وتنظيمياً وبين من يعتبره مشروعاً ريادياً تعرض "لظلم" شديد.

سد الكرامة.. فشل أم إفشال؟
 
29-May-2008
 
العدد 28