العدد 28 - أردني
 

سليمان البزور

أصدر الحاكم الإداري لمحافظة العاصمة، سعد الوادي المناصير، مؤخراً، قراراً برفع قيود رقابة الشرطة عن (615) شخصاً كانت مفروضة عليهم هذه القيود،بعد أن تم تشكيل لجنة مختصة قامت بدراسة جميع قرارات رقابة الشرطة المفروضة من تاريخ 31/12/2006 في المرحلة الأولى، ما أعاد فتح ملف قديم لإجراء قانوني يعرف شعبياً باسم "الإقامة الجبرية".

فعلى الرغم من تأكيد المواثيق والأعراف الدولية على حرية الإنسان، ودساتير دول، من بينها الأردن، على وجوب احترام حرية الإنسان، فإن بعض الإجراءات المتخذة

من جانب حكام إداريين تقيد الحرية الشخصية للمواطن.

تنص المادة 7 من الدستور الأردني على أن "الحرية الشخصية مصونة"، لكن إجراءات تستند على قانون منع الجرائم رقم (7) لعام 1954، الذي وضح المشرع هدفه كإجراء وقائي لحماية المجتمع من أرباب السوابق، ومحاولة ثنيهم عن تكرار مخالفات سجلت بحقهم، تفرض قيوداً على حرية التنقل من خلال فرض الإقامة الجبرية على مواطن ما لسبب أو لآخر.

تجيز المادة الثالثة من قانون منع الجرائم للحاكم الإداري، إذا كان لديه ما يحمله على"الاعتقاد"، بوجود شخص في منطقة اختصاصه، في ظروف تقنع بأنه كان على وشك ارتكاب أي جرم، أو المساعدة على ارتكابه، أو إذا كان هذا الشخص ممن اعتاد اللصوصية أو السرقة أو حيازة الأموال المسروقة، أو اعتاد حماية اللصوص أو إيواءهم أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة أو التصرف فيها، أو كان هذا الشخص في حالة تجعل وجوده طليقا بلا كفالة خطرا على الناس، اتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها في هذا القانون. وعليه، من الجائز فرض الإقامة الجبرية لمدة ستة أشهر على المستدعي،وتكليفه بتقديم تعهد على حسن السيرة يدخل في نطاق سلطة المحافظ التقديرية، على أن لا تتجاوز سنة واحدة.

ووفقاً للقانون على الخاضع للإقامة الجبرية أن يعلم المركز الأمني المختص بمكان سكناه في هذه المنطقة أو عند تغييره للمكان، وأن يحضر للمركز الأمني المختص يومياً لإثبات وجوده في المنطقة، وألا يغادر المنطقة لأي سبب ضروري إلا بإذن خطي من المركز الأمني المختص، وكل من يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة ستة أشهر، أو بغرامة لا تزيد على خمسين ديناراً.

لقيت "الإقامة الجبرية" انتقادات متواصلة من جانب منظمات حقوق إنسان، وتقارير حقوقية محلية وعالمية طالبت بضرورة تقليص صلاحيات الحكام الإداريين وتعديل التشريعات لتتساوق مع حقوق الإنسان. من بين تلك التقارير، تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان لعام 2007، تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان 2007، تقرير الحريات في العالم الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية لعام 2006، و2007، واتفقت التقارير جميعاً على ضرورة الأخذ بمبدأ ملاءمة الإجراء الضبطي والخطورة الجرمية عند فرض الإقامة الجبرية من قبل الحكام الإداريين، ونقل صلاحية فرض الإقامة الجبرية إلى السلطة القضائية، وإعطاء الصلاحيات الهادفة لحفظ الأمن والسلام للجهاز القضائي، بموجب قانون يحدد صلاحية التوقيف والإقامة الجبرية وإثبات الوجود وأي إجراء احترازي.

وكان الإجراء موضع بحث قبل نحو أسبوعين من جانب "لجنة الحريات العامة" في مجلس النواب، التي ناقشت موضوع الإقامة الجبرية خلال اجتماع برئاسة رئيس اللجنة النائب فخري اسكندر،وبحضور محافظ العاصمة، ومساعد مدير الأمن العام للشؤون القضائية ومدير إدارة الإصلاح ومراكز التأهيل، تمت خلاله المطالبة بإعادة النظر بالإجراء.

رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن هاني الدحلة، يرى أنه لم تعد هنالك حاجة لاستمرار العمل في قانون منع الجرائم الذي يستند إليه قرار الإقامة الجبرية. ويضيف الدحلة: "كثير من الحكام الإداريين يستخدمون القانون لأغراض سياسية، وأحياناً تكون أحكام الإقامة الجبرية مفروضة على قضايا لا تمت بصلة إلى هدف القانون، كقضية إخلاء مأجور أو خلافات شخصية وهذا مخالف للقانون". وهو يرى أن أعداد المحكومين بالإقامة الجبرية يبلغون المئات، لكن أية جهة حقوقية لا تملك أرقاماً حول عددهم الدقيق.

المحامي خالد خليفات، يرى أن استخدام المادة المتعلقة بالتوقيف الإداري تتم دون أي أسباب قانونية، وأن استخدامها يتم كعقوبة، ما جعلها مخالفة للدستور الأردني وتحديدا لنصوص المواد 7 التي نصت على أن "الحرية الشخصية مصونة"، والمادة 8 التي نصت على أنه "لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون"، والمادة 9 " التي تنص على أنه لا يجوز إبعاد أردني من ديار المملكة، ولا يجوز أن يحظر على أردني الإقامة في جهة ما، ولا أن يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون".

يواصل خليفات: " تترتب على هذا مخالفة مبدأ هام من المبادئ القانونية، و هو مبدأ قرينة البراءة؛ فالأصل أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته، إلا أن هذا القانون يفترض العكس، فبمجرد وجود ما يحمل على "الاعتقاد" بأن شخصاً ما سوف يرتكب جرما، فذلك يشكل دافعاً إلى توقيفه." ويشدد خليفات على ضرورة إعادة النظر بالنظام،الذي يرى البعض في استمراره ضرورة.

يقول الاختصاصي النفسي محمد الحباشنة لـ"ے: "أسلوب فرض الإقامة الجبرية قد يتسبب بالإزعاج للشخص المفروض عليه، إلا أنه يتضمن حماية المجتمع. قد يوقع أضراراً نفسية على الفرد، إلا أن هذا النظام يضبط تصرفات الفرد بشكل أكبر ويردعه عن القيام بأفعال أخرى".

أواخر العام الماضي نشرت الصحف المحلية خبراً عن شاب فرضت عليه الإقامة الجبرية في مدينة السلط، حاول الانتحار بربط عنقه بسلك معدني وربط طرفه الآخر بجسر المشاة المقابل ل مبنى صحيفة "الدستور"، مهددا بإلقاء نفسه من أعلى جسر المشاة للاستجابة إذا لم يستجب لطلبه إلغاء الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحاكم الإداري في محافظة البلقاء.

"ے" حاولت الاتصال عدة مرات خلال الأسبوع الماضي بمحافظة العاصمة للحصول على معطيات حول المسألة، الا أن اتصالاتنا ووجهت في كل مرة، بطلب اتباع إجراءات روتينية وبيروقراطية. وقبل أيام، تجدد اتصالنا بأحد كبار المسؤولين في المحافظة نضال حجازين، للاستفسار حول بعض القضايا المتعلقة بالإقامة الجبرية، فأجاب بأنه خارج المحافظة وزودنا برقم هاتف المحافظة المتاح لأي مواطن عبر الاستعلامات، طالباً منا الاستفسار من الموظفين في مكتب المحافظ ولم يجب منهم أحد.

الإقامة الجبرية: إجراء يخالف مبادئ الدستور
 
29-May-2008
 
العدد 28