العدد 5 - أردني
 

بينما يتراجع الجدل الإعلامي حول قوانين أسهمت في تقهقر الحريات الصحافية سلّط خطاب العرش الأضواء مجدداً على سقف الحريات الصحفية في إطار الإصلاحات المنشودة، رافضاً رفع عصا التوقيف ضد أي صحفي في قضية رأي عام.

إذ اختار الملك عبد الله الثاني الحديث عن حالة الحريات الإعلامية بنبرة حاسمة مؤكداً «التزامنا بصونها وحمايتها، لتكون عين الرقيب، الكاشفة للحقيقة على أسس مهنية وموضوعية وبروح الحريّة المسؤولة، على أن تكون أردنية الانتماء وطنية الأهداف والرسالة».

وشدّد الملك أمام حكومته الجديدة ومجلس الأمة بشقيه:الأعيان والنواب، على أن الدستور «كفِل حرية الرأي والتعبير» وبالتالي أكد أنه «من غير المقبول أن يُسجن الصحفي بسبب خلاف في الرأي على قضية عامة، ما دام هذا الرأي لا يشكل اعتداء على حقوق الناس أو حريّاتهم أو أعراضهم أو كرامتهم».

هذه الدعوة الملكية لم تكن الأولى بل سبقتها دعوات عدة لرفع الأصفاد عن الجسم الصحفي.

فقد وجّه الملك الحكومة السابقة الى ضرورة الارتقاء بحالة الإعلام، فقدمت إلى مجلس النواب مشروع قانون يمنع توقيف الصحافي وحبسه بسبب النشر.

لكن مجلس النواب السابق قاوم القانون، وأبقى على بند حبس الصحفي ورفعه الى مجلس الأعيان الذي خالف النواب وشطب البند، وهو ما جاء متسقاً مع توصيات لجنة التوجيه الوطني في مجلس النواب.

مع ذلك لم تكتمل دستورية إصدار القانون الجديد بعد أن ظل في أدراج النواب بانتظار التئام مجلس الأمة الحالي.

ينص مشروع قانون المطبوعات المثير للجدل: «مع مراعاة أحكام التشريعات النافذة، لا يجوز التوقيف أو صدور عقوبة الحبس نتيجة إبداء الرأي أو القول أو الكتابة أو غيرها من وسائل التعبير».

رغم الفرامل النيابية السابقة، يبدي نقيب الصحفيين طارق المومني تفاؤلاً إزاء ما يمكن أن تقدمه الحكومة الجديدة ومجلس النواب في هذا الصدد. يقول المومني: «نقدر التأكيدات الملكية في صيانة الحريات الإعلامية التي تعد دافعاً للصحفي للالتزام بأخلاق المهنة، وأن يكون العين الكاشفة للحريات».

المومني يعتبر ما جاء في خطاب العرش في «بيت الديمقراطية» إشارة واضحة الى الحكومة ومجلس الأمة للنهوض بمسؤولياته من خلال ترجمة إرادة الملك بالتغيير، وهو ما يرتب مسؤولية كبيرة على كاهل الحكومة ومجلس الأمة للالتزام بما ورد في الخطاب».

وفقاً لوثائق مركز حماية وحرية الصحفيين، شهد العام الحالي توقيف 11 صحفياً لمدد متفاوتة، فضلا عن ثلاث حالات حبس واحتجاز، وحالة استدعاء واحدة، اضافة الى 11 حالة اعتداء بالضرب على يد قوات الأمن والمواطنين ايضاً.

كما أوضح تقرير المركز لعام 2007، لم ينشر بعد، أن هناك حالة إلغاء عضوية من نقابة الصحفيين، وحالتي فصل تعسفي من مؤسسات إعلامية، فضلاً عن حالتي توقيف بث تلفزيوني، وأربع حالات توقيف طباعة صحيفة، وحالة واحدة لمصادرة شريط صحافي.

وأكد ايضاً حصول ثلاث محاكمات بحق صحفيين، إضافة الى ست حالات منع لصحفيين من تغطية أحداث، وحالة اختراق واحدة لموقع إلكتروني، وحالة واحدة لتفتيش صحفي.

تعديلات عديدة طرأت على قانون المطبوعات والنشر قبيل تقديمه الى مجلس النواب، فحق الصحفي في الوصول إلى المعلومات، وحضور الاجتماعات العامة، وعدم التدخل في عمل الصحفي، أبرز ما حملته تلك التعديلات.

لكن حتى الآن، يستند الصحفيون في الأردن الى توظيف علاقاتهم الشخصية للوصول الى المعلومة، بدلاً من الاعتماد على القانون الذي لم يحسم حتى الساعة سبلاً واضحة للحصول على المعلومات.

حسب استطلاع رأي، أجراه مركز حماية وحرية الصحفيين عام 2006، يرى 61% من الصحفيين الأردنيين أن التشريعات شكلت قيداً على حرية الصحافة، ويعتقد 94% منهم أن قانون المطبوعات والنشر والعقوبات هما الأكثر خطراً وتقييداٍ للحريات الإعلامية.

الكاتب الصحافي جهاد المومني يرى أن الصحافة حظيت باهتمام كبير في الخطابات الملكية السابقة والحالية، «وهذا يتأتى من ايمان الملك بأن الصحافة هي الأساس من أجل ثقافة ديمقراطية ومجتمع يؤمن بها».

يعتبر المومني أن الأهم في الخطاب الملكي هو التركيز على أن لا يسجن الصحفي، ما يعكس مدى الحرص على أن يتمتع الصحافي بالحرية الكاملة للقيام بالدور الذي أرادته القيادة له، وهو المساهمة في الإصلاح والتحديث.

يرفض المومني استباق الأحداث، معتقداً أن الحكومة ليست لها مواقف مسبقة من الصحافة، وشخصية الرئيس تعكس هذا التوجه، فهي ليست شخصية إشكالية بالنسبة للصحافة، والرئيس من جهة أخرى سيلتزم بما ورد في كتاب التكليف السامي حول حرية الصحافة من خلال إعادة النظر في القوانين، فالمرحلة المقبلة حسبما يقول «مرحلة إصلاحات».

يذهب المومني إلى أن مجلس النواب لن يقف عائقا أمام التزام الحكومة بترجمة التوجهات الملكية، وبخاصة أن المجلس الحالي مختلف كلياً عما سبقه، فهو جديد بشخوصه وتوجهاته ولن يحيد عن المصالح الكبرى للوطن.

وعلى الرغم مما قد يطرأ من تغييرات على القوانين المتعلقة بالحريات الإعلامية لصالح الجسم الصحفي، الا أن هناك أكثر من عشرين قانوناً يستطيع القضاء من خلالها حبس الصحفي.

من جانبه، لا يفصل الصحافي ياسر أبو هلالة بين حالة الحريات العامة والحريات الإعلامية باعتبارها جزءا منها، ولذا فإن «أي تغيير على القوانين المقيدة للحريات الإعلامية لن يحدث بمعزل عن ادخال تعديلات على الوضع العام للحريات، وهو أمر صعب الحدوث في مجتمع تحكمه مزاجية الحكومة تاريخيا أو على الاقل منذ العام 89، فلا قوانين تلزم الحكومة ولا تتوافر في ظروف كثيرة، حسن النية لديها، التي لو توافرت ، لما كنا بحاجة الى تعديل القانون الحالي».

يضيف أبو هلالة، «عدا عن أن مجلس النواب الحالي غير مبشر بقدرته على إحداث تغييرات جوهرية، الا أنه قد تظهر إشارات للتغيير من جانب الحكومة في الفترة المقبلة، لكنها لن تكون سوى تلاوين لمقتضيات المرحلة، لأن الحكومة إذا أرادت اعتقال صحفي،فإنها ستقوم بذلك وتخالف القانون، حتى وإن منعها القانون من ذلك».

ويبدي عضو مجلس نقابة الصحافيين ماجد توبة تشاؤمه من المرحلة المقبلة، مجادلا بأن «إعادة وزارة الإعلام بمسمى جديد أمر غير مبشر بانفتاح على الحريات الصحفية، وبخاصة أن المرحلة المقبلة تتسم بكثرة التحديات الداخلية والخارجية ، من هنا يأتي الخوف من إعادة ضخ أجواء غير صحية في الإعلام لتبرير الطريقة التي ستعالج بها الحكومة تلك التحديات».

ودعا توبة الحكومة ومجلس الأمة الى الالتزام بما جاء في خطاب العرش حول الحريات الإعلامية، منبهاً الى أن المطلوب من مجلس النواب الجديد التعبير عن سلامة توجهاته بالتقدم بسحب خطوة حبس الصحفيين التي أقرها سابقه». كما دعا الى « منح المجلس الأعلى للإعلام ونقابة الصحفيين هامشا أوسع ليشكلا مرجعية غير حكومية للإعلام الأردني».

قانون المطبوعات بين آفاق خطاب العرش وتوجهات الحكومة – علاء طوالبة
 
06-Dec-2007
 
العدد 5