العدد 28 - بورتريه
 

خالدأبو الخير

الاقتراب منه محفوف بتساؤلات، قلما يجيب.. تاركاً الدهشة على مصراعيها.

شخصيته مركبة.. يختلف في شأنه مريدوه مثلما مناؤوه. وكل يرى جانبا منه، ويصعب أن يحيط بما تبقى.

يخفي عمره بحرص، ويصعب العثور في كل مواقع الإنترنت على سيرة ذاتية له، عدا سطر فقير، لا يقول شيئاً، على موقع رئاسة الوزراء.

الدكتور منذر حدادين، عمّاني المولد، تعد ضفة السيل عند الانحدار الأخير لجبل عمان مرابع صباه. عاش في طفولته عيشة ضنكاً، فقد عرف الفقر طريقه إلى أسرته التي أقامت في واحدة من أكثر مناطق العاصمة فقراً، تشكلت بيوتها مما يشبه البراكيات.

يعزو مقربون إليه صرامته البادية وعناده الشديد إلى ما عرفه من شظف عيش اضطره للعمل كبائع متجول في شوارع عمان ليحصل على مصروفه.

غير أن ذلك البيت الذي تلعب في أفيائه الريح خرّج أولاداً ناجحين، وفتى حافظ على أن يكون الأول في فصله سواء في سنوات دراسته المدرسية أو الجامعية وحصل على درجة الدكتوراة من جامعة واشنطن. ويعد من أفضل العقول في موضوع المياه في المنطقة ومدخلاتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

«ذكي جداً، مكافح ومثابر وعصامي في تعليمه وخبرته المتراكمة، وصارم وعنيد في رأيه الذي غالبا ما يبنيه على استنتاجات علمية، وفي كل أحواله لا يقبل الحلول الوسط».. يصفه أحد المقربين.

لمع نجمه حين تولى رئاسة وفد المفاوضات مع إسرائيل حول المياه فضلا عن مشاركته أيضا في العديد من جلسات المفاوضات الخاصة بالحدود والطاقة والبيئة. ويسجل له حضوره القوى في الاتفاقية الأردنية الإسرائيلية، ما ينعكس أحيانا سلبا على علاقاته بأطراف عربية.

يذكر في كتابه «سلام على اليرموك» تفاصيل المفاوضات مع الإسرائيليين، وقد استغرق الوصول إلى النص النهائي للمعاهدة 36 ساعة من العمل المتواصل وإيعازه لأحد المفاوضين الأردنيين بالبقاء ساهرا طوال الليل لحراسة الخرائط التي تم الاتفاق عليها مع الإسرائيليين لكي لا يغير الاسرائيلون فيها.

كما يذكر حادثة ذات دلالة، فقد قام بتغيير نص فقرة جوهرية في المواد الخاصة بالحدود حولت النص الأصلي من «حدود دولية» بين الأردن والضفة الغربية «معناها القانوني وجود دولتين فقط أردنية وإسرائيلية» إلى حدود إدارية للأراضي التي تم احتلالها في العام 1967 لإبقاء الحق الفلسطيني فيها، ويقول إنه «جعل المفاوض الإسرائيلي يوقع على النص الجديد بعد أن أخذ منه الإنهاك مأخذا في السادسة صباحا ودون أن يمعن النظر، وقد استشاط الإسرائيليون غضبا بعد ذلك، بحسب حدادين، وهددوه بالثأر، وهو يعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي وراء مهاجمة منزله في دابوق بصاروخ في ليلة عيد الميلاد من العام 1999.

ومن أهم الفقرات التي ذكرها الدكتور حدادين كيفية الوصول إلى النص النهائي لمعاهدة السلام والذي استغرق عملا متواصلا لمدة 36 ساعة.

« حدادين غير مريح في التعامل، ليس سلساً. وليس بإمكانه لعب دور في فريق يكون عضوا فيه إلا إذا ترأسه». يشكو زملاء عملوا معه في اتفاقية السلام وسلطة وادي الأردن والوزارة مشيرين إلى أن «الدور الأكبر ذهب له وليس لغيره». لكنهم يقرون بأنه «مفاوض صلب يبدي مرونة حين يتعلق الأمر بالوصول إلى اتفاقات»

« دعني أقولها بدون رتوش حدادين ديكتاتوري في قراره». يجاهر أحد زملائه بالقول.

مفاوضات السلام لم تكن الاصطدام الأول بين حدادين وبين الإسرائيليين ففي الكتاب نفسه يتحدث عن «عملية خداع» قام بها لإسرائيل في الثمانينيات حيث كان مديراً لسلطة وادي الأردن، وكان يفترض إزالة جزيرة رملية تمنع تدفق المياه من نهر اليرموك إلى الأردن وكانت إسرائيل ترفض أن يزيل الأردن تلك الجزيرة إلا من خلال مفاوضات وتضع مراقبة أمنية عليها. وقام حدادين، بحسب الكتاب، بتحريك جرافات السلطة إلى منطقة أخرى في الشمال من الموقع لتثير انتباه الإسرائيليين بينما نزل مع مجموعة من المهندسين والعمال لحفر الجزيرة بالمعاول في الليل، وقال إنه عندما ضرب أول معول تفوه بجملة «بسم الله الرحمن الرحيم» بالرغم من أنه مسيحي.

رب علم وأدب.. فهو شاعر يعشق اللغة العربية، ومن دارسي اللغة وحافظ للقرآن والشعر.

جافاه الحظ أو الظرف حين كان وزيرا للمياه والري في حكومة عبد السلام المجالي الثانية 1997-1998. فقد تفجرت قضية المياه الملوثة «ذات الطعم والرائحة» في عهده وبدأت الحملة الصحفية ضد الحكومة، وأخذت القضية بالتطور، وبدا أن الوزارة عاجزة عن السيطرة على المشكلة.. ما اضطر رئيسها، في النهاية، إلى الطلب من حدادين تقديم استقالته. رغم قناعة المجالي التي أوردناها في البورتريه الخاص به بأن «القضية كلها كذب في كذب».

«يشعر حدادين أن القضية كانت سياسية أكثر منها قضية تلوث، وأنه كان ضحية» يجادل مقرب منه، ويشير إلى أن «الوزير ذهب إلى محطة زي آنذاك، التي عدت مصدرا للتلوث، وبعد فحص المياه، شرب حدادين الماء منها أمام عدسات التلفزيون، وبعد أن غادر، عادت المياه إلى سيرتها الأولى خضراء وملوثة».

ويضيف هذا المقرب: الغريب أن المشكلة انتهت عندما راح حدادين ولم تعرف محطة زي تلوثا منذ ذاك التاريخ».

أساس المشكلة المائية في الأردن، بحسب حدادين، تكمن في «كيفية التعاطي معها، فالأردن، بحسب دستوره، هو دولة إسلامية، والماء والكلأ وفقا للعقيدة الإسلامية هما ملكية عامة، لذا، فإن ما يمكن أن تتقاضاه سلطة المياه من أثمان المياه بحسب المصطلح المستخدم، يتناقض مع نص الدستور، لذا فهو يفضل استخدام بدل خدمات إيصال المياه، أي أن الماء مجاني، ولكن كلفة ضخ وإيصال كل متر مكعب هو كذا، وهذا الأمر كما يبدو لم يرق للراسخين في علم اقتصاد السوق».

ومن آرائه بحسب زميل له: «أن الأردن ليس فقيراً مائيا لكن الهجرات أفقرته».

مارس حدادين ريجيماً قاسياً في بعض مراحل حياته، وكان يمشي عشرة كيلومترات، وهو ابن سبعين، دون أن يتعب، لكنه لم يلبث أن اقلع عنه ولسان حاله : راحت علينا.

رجل عائلة ملتزم له ولد «يزن وبنت «بادية» ويعد عشائرياً مهتما بالعشائرية وبالعلاقات المبنية على هذا الأساس. يرأس حاليا جمعية قلعة الصقر/الكرك للتنمية الاجتماعية. ويمضي وقته في القراءة والكتابة وتأمل الحال.

منذر حدادين: رياح تُعاكس العصامي العنيد
 
29-May-2008
 
العدد 28