العدد 27 - كتاب
 

وصف الشاعر أدونيس عمان ذات مرة بأنها مجموعة جزر لا رابط ولا تفاعل بينها. ومن حسن طالع الشاعر الذي زار العاصمة غير مرة أنه نجا من حملات "وطنيين" عليه ممن دأب بعضهم على تدبيج تعليقات في المواقع الإخبارية الإلكترونية، فلم يخاطبوه بالقول : إذا كانت عمان لا تعجبك فلماذا تزورها ؟، أو "تتلقى دعوات كريمة تقابلها بتوجيه الشتائم" أو: "أنت لا تعرف شيئاً في الطوبوغرافيا، فكيف تكون العاصمة مجموعة جزر وليس هناك بحر في عمان؟".

أهالي عمان يعرفون أن مدينتهم كانت موحدة متجانسة حتى أواخر السبعينات، ثم تناثرت ولم يعد لها مركز واحد يُعتد به، فبات هناك عدد من المراكز للمدينة هي في الوقت ذاته مجموعة أطراف. وهناك من وصفها بأنها اشبه بحبات خضار نيئة أو طازجة، لم تختلط ببعضها بعد ولم تطبخ معاً لتشكل وجبة واحدة!.

الآن هناك توجه متجدد على أعلى المستويات لجعل شرق وجنوب عمان تكتسبان نضارة وجمالاً وبما يردم الفجوة بينهما وبين غرب وشمال العاصمة فلا تظل المدينة محض جزر متناثرة متباعدة.يحتاج الأمر لتوجيه القطاع الخاص لإقامة مراكز حضرية كمستشفيات وفروع بنوك ومولات هناك، بحيث تجتذب رواداً أكبر من مختلف أنحاء العاصمة.

لو أراد المرء التندر لدعا لتنظيم رحلات مدرسية بين شرق عمان وغربها تحت عنوان : إعرف مدينتك. إعرف وادي الحدادة وماركا الجنوبية والمقابلين وجبل المريخ. ليس من المبالغة في شيء، القول إن كثيراً من أبناء الجيل الجديد لم يقصدوا مناطق عديدة في العاصمة وبعضهم لم يسمع بها. ليس من قبيل الاستخفاف بتلك المناطق بل لأنهم لا يجدون سبباً او مناسبة للذهاب الى وادي الرمم أو جبل النظيف فليس لهم اقارب ولا أصدقاء هناك وليس ثمة "محلات" فيها تجتذبهم اليها.علماً بأن الشطر الغربي من العاصمة يضم أشتاتاً من الناس لا رابط يذكر بينهم.

إنها مسألة تتعلق بالتوازن المختل وبالتخطيط العمراني السابق الذي جعل مناطق بذاتها مسرحاً للاكتظاظ السكاني وبقالات متجاورة وشوارع ضيقة، بينما الدوائر الحكومية والبنوك والمستشفيات والسفارات ومقرات الصحف والمولات والوكالات السياحية في غرب عمان.

هناك مشروع لمدينة جديدة تتسع لمليون نسمة في شرق العاصمة. الخشية ان تقوم "جزيرة جديدة" تضاف إلى جزر متناثرة متجاورة، تزاحم بعضها بعضاًدون روابط اجتماعية وحضرية بينها.لو أن هذه المدينة تبنى الى الجنوب مثلا وعلى مسافة أبعد، لأمكن انتظار نشوء مدينة جديدة متجانسة تحد من الضغط السكاني في العاصمة. مدينة تقوم على قدر من التجانس، وتتيح لعمان القائمة بما هي عليه،بلوغ ترابط وتواصل أكبر ما بين أرجائها وأهلها.

لكن ما العمل، إذا كانت عمان على ما هي عليه من اتساع وضخامة، ما زالت مدينة قيد الإنشاء منذ قرن كامل من الزمن حتى أيام الناس هذه، ولم يفرغ البناءون من بنائها بعد؟..

محمود الريماوي: عمان مدينة قيد الإنشاء
 
22-May-2008
 
العدد 27