العدد 27 - أردني
 

تعتبر الجامعات مراكز للبحث العلمي، الى جانب وظائفها الأخرى في تأهيل الطلبة بمتطلبات التخرج ونيل الشهادات.

غير أن البحث العلمي في جامعاتنا الحكومية يعاني من تدني الاهتمام به، ومن استسهال التزود به من الإنترنت، فضلاً عن عيوب تكرار أبحاث سابقة، وحتى شراء أبحاث جاهزة.

جمهرة من الطلبة والمدرسين التقتهم «السّجل» أبدوا تذمرهم من واقع البحث العلمي ووضعوا أيديهم على مواطن الخلل.

رئيس قسم الإدارة الصحية، في جامعة العلوم والتكنولوجيا، ياسين الهياجنة، يرى أن الحديث عن البحث العلمي، نكتة لطيفة؛ ففي ظل كثافة العمل على الأستاذ، ورغبة الطلبة في الحصول على العلامة فقط، وفي ظل موازنات شحيحة للبحث العلمي في الجامعات، يصبح الحديث عن أبحاث علمية أصيلة أمراً مثيراً للضحك.

العلامة

الطالبة ندى الحسيني، من الجامعة الأردنية، كلية الآداب، تؤكد ما ذهب إليه الهياجنة: «عندما أسجل مادة، أسأل عن الأستاذ إن كان يعطي علامات أم لا، بعض الأساتذة بخلاء بالعلامات، وهذا يؤثر على المعدل التراكمي».

لكن نادر الجغبير، من العلوم والتكنولوجيا - كلية الصيدلة، يشدد «ليس المهم أن أحصل على علامة مرتفعة، المهم أن أستفيد من المادة التي أدرسها، فأنا أعرف أنني بعد التخرج ستكون مصائر أناس متعلقة بصحة قراري».

ويعيد طالب الماجستير في اليرموك، محمود ضراغمة، الكرة إلى الملعب حين يؤكد: «المشكلة في أن البحث العلمي في بلادنا غير مقدر وليست له قيمة مادية، كما في دول العالم الأخرى»، ويتابع مؤكداً: «في الغرب يستطيع أي أستاذ جامعي، أو حتى أستاذ في مدرسة ثانوية أن يطلب إجازة بحث علمي مدفوعة الأجر، إن تمكن من إثبات أن ما سيقوم به ذو قيمة».

تلك حياتهم

يؤيد هذا الرأي، خبير الأمصال المصري الزائر الى الأردن، التقته «السّجل» أثناء الرحلة إلى إربد، محمد الأسيوطي، أستاذ علم الأمصال في كلية الطب في جامعة الأسكندرية، ومستشار في الزمالة البريطانية لعلم الأمصال: «عندما يتفرغ أستاذ جامعي لبحث علمي، ما عليه إلا أن يقدم نموذجاً بورقة واحدة يحدد فيها موضوع البحث الذي يستعد للقيام به، واللوازم التي يحتاجها لإتمام بحثه بما فيها إن كان يحتاج لمساعدة من الطلبة، أو اجراءات إدارية تقوم بها الجامعة، وعادة تأتي الموافقة خلال أسبوع واحد».

يتابع الأسيوطي: «أذكر أن (إيفو بتنفي) طبيب التجميل الأرجنتيني، الأكثر شهرة في العالم، زار جامعة كاليفورنيا، وكنت حينها أعمل على رسالة الماجستير في «علم البكتيريا»، قد سأل رئيس الجامعة أمامنا سؤالاً بدا لنا غريباً حيث قال: «كم يدفع هؤلاء - مشيراً إلينا - لقاء ما تمنحونهم من أوراق؟» فأجابه رئيس الجامعة «الكثير».

فتساءل بتنفي: «وهل يحقق الكثير الذي يدفعونه الغرض من مجيئهم إلى هنا؟».

فكان رد رئيس الجامعة: «نحن لا نفكر مطلقاً فيما بعد مرحلتنا.. تلك حياتهم، وبلادهم».

«هز بتنفي رأسه متفهماً أو ساخراً».. يصف الأسيوطي.

رنا عوض ذيابات، طالبة إدارة خدمات صحية في العلوم والتكنولوجيا، سنة ثالثة، تؤكد أنها خلال ثلاث سنوات لم تقم بأي عمل بحثي، إذ إن المطلوب هو فقط أن تدرس من دفترها الذي تسجل عليه معلومات تتلقاها من الأساتذة، أو مراجع يطلبون قراءتها.

أما رامي طهبوب، الذي تخرج من كلية طب الأسنان في جامعة يونانية، ويقوم حالياً بإعداد رسالة الماجستير، في علاج العصب في جامعة العلوم والتكنولوجيا، فقد أكد لـ«السّجل» أنه خلال دراسته التي قاربت على الإنتهاء، لم يطلب منه إلاّ ثلاثة تقارير موجزة، يمكن استخراجها خلال دقائق عن «الإنترنت».

ولا يتذكر طهبوب، لا عناوين، ولا موضوعات هذه التقارير، ويحمر خجلاً حين ألحينا عليه بالسؤال، إذ يكتشف أنه يمضي في مرحلة الماجستير دون أن يدوّن اسمه على بحث أصيل قام به عن قناعة.

الدكتور رائد عبابنة، رئيس قسم الإدارة العامة في كلية الاقتصاد، في جامعة اليرموك، يقارب الموضوع، من زاوية أخرى، فيحدد «المحور الأساسي في مشكلة دعم البحث العلمي، فالموازنات المتخصصة لذلك ضئيلة، ولا تكفي لإجراء دراسات بأسلوب علمي رصين».

بعض الجهات الخارجية التي تدعم الدراسات لا تقتنع في كثير من الأحيان بجدوى دراسات معينة، فلا تدعمها، كما يؤكد عبابنة وهذه الجهات عادة هي التي تقدم «تمويلاً معقولاً» للدراسات.

يلفت العبابنة، إلى أن كثيراً من المدرسين يصرفون جهدهم وجهد الطلبة إلى البعد النظري للمادة، حيث يوفر ذلك عليهم الكثير من الجهد في متابعة أي نوع من البحث، والطلبة - مع الأسف - يريحهم ذلك لأن مسألة النجاح في المادة تصبح مجرد تقديم امتحان، يحتاج للدراسة ليوم واحد لا أكثر، وهكذا تمضي الأمور.

أحمد سالم بني صقر، طالب ماجستير اجتماع، يؤكد «البحث العلمي ولد في الغرب ووئد في الشرق» .. وبسؤاله عن مبعث هذا الرأي «المتطرف»، أجابنا: «هناك سبعة آلاف رسالة جامعية صدرت عن جامعة اليرموك، بين ماجستير ودكتوراه، منذ العام 1976، اذهب واقرأها - إن شئت - لترى كم واحدة منها لم يتغير فيها سوى اسم الطالب».

تحدثنا مع بني صقر في الطابق الأول من مكتبة الجامعة، وهناك أشار إلى عشرات الطلبة الجالسين يقرؤون قائلاً: «لا تعتقد أن هؤلاء رواد مكتبة، هؤلاء يدرسون كراساتهم للامتحان فقط.. المكتبة هادئة وتساعد على الحفظ».

كان محقاً الى درجة كبيرة في ملاحظته، إذ كان معظم الجالسين يقرؤون في كراسات، وتبدو عليهم علامات الضجر، والرغبة في «الخلاص».

أساتذة الجامعة، يقومون بأبحاث من أجل الترقية، ويطلبون من تلامذتهم أبحاثاً لا يقومون بتصحيحها باعتراف ياسين الهياجنة، وعدد من المدرسين فضلوا عدم التصريح بأسمائهم.

البحث العلمي - كما وصفه طالب الدكتوراه /لغة عربية في جامعة اليرموك - معاذ نصار: «في حفرة»، فالباحثون الحقيقيون - حسب وصفه - «جنود مجهولون أما من يشترون الأبحاث فهم الذين يحصلون على الشهادات».

**

ما لا يمكن تسميته

من غرائب ما استدعى انتباهنا خلال عملنا على تقرير يتعلق بالبحث العلمي في الأردن، ومن بلد يتمتع بحكم نيابي ملكي دستوري، شيء يسمى «الكتب السوداء»، وأحياناً يسمونها «المكتبة السوداء» أو «الغرفة المنيعة»، وهي غرفة في الجامعة الأردنية - لم يسمح لنا بدخولها - أو خزانة غريبة الشكل في جامعة اليرموك.

وحين سألنا عنها ناظرة المكتبة تلجلجت وخافت، وطلبت منا تصريحاً من العميد، ولدى ابلاغها ان المتحث صحفي وليس طالباً، كان ردها أن طلبت مغادرة المكتبة في أسرع وقت.

حانت منا التفاتة الى محتويات المكتبة (الخزانة) فلاحظنا العناوين التالية: «ديوان أمل دنقل»، و«رواية حنا مينه الشراع والعاصفة»، و«ديوان لعبدالعزيز المقالح»، و«رواية العقيد (المصري الفصيح)»، و«الكتاب المقدس».

**

الماجستير بأربعين ديناراً

والدكتوراه بين مائة إلى خمسمائة!

في تقصي بيع الأبحاث وشرائها، قال أحد البائعين في مكتبة «الماجستير 40 ديناراً»، والدكتوراه «حسب الموضوع من مئة إلى 500 دينار».

ثم طلب رسالة دكتوراه في علم الاجتماع من البائع، فكان المبلغ المقدر «250 ديناراً» شرط قراءتها جيداً تحضيراً للمناقشة بحسب تأكيد صاحب المكتبة.

يتم وضع اليد على رسائل اتخذتها جامعات أردنية حيث يتم تصويرها، وتغيير اسم الباحث، وبعد ذلك «ما في حدا بقرا ورق».

قادتنا هذه الحكاية الى مكتبة جامعة اليرموك للتأكد، ولم نجد ما يثبت هذه الحكاية، وبقراءة بعض الصفحات من رسائل ماجستير أو دكتوراه للمقارنة بينها تبين أنه ليست هناك لغة واحدة أو أسلوب واحد، لكن ما يسترعي الإنتباه هو عدم تنوع الموضوعات، وبمقارنة بين الموضوعات التي يختارها الطلبة، ومؤلفات أساتذتهم يلحظ أن الطلبة - ربما بدفع من الأساتذة - يختارون موضوعات مرتبطة برسائل الدكتوراه التي أعدها أساتذتهم. (انظر موسى أبو حمدة - دراسات سكانية).

وهذا الأمر يشير إلى سلطوية وتبعية في العلاقة بين الطالب والأستاذ حتى في مرحلة متقدمة من التعليم، وقد أشار الى خطورة هذا النمط من العلاقة عدد من الباحثين في مجال علم التربية، ويمكن الاطلاع على ما جاء في : كتاب محمد الصنواني «أساليب التربية الحديثة»، وكتاب «أخطاء تربوية»، لسعد الزنداني، وكتاب «تربية الرسل» لمحمد سعيد قطب.

شكوى عامة من واقع البحث العلمي في الجامعات: نكتة لطيفة.. وُئِدَ في الشرق.. وقع في حفرة!
 
22-May-2008
 
العدد 27