العدد 27 - أردني
 

نهاد الجريري

كان الفرق واضحا بين التعاطي الرسمي مع ستينية النكبة وبين الفعاليات غير الرسمية؛ الحزبية والنقابية والثقافية والشعبية، سواء من حيث المساحة المخصصة لهذه التغطية أو من حيث طبيعة الأنشطة التي رُصدت للمناسبة.

رسمياً، اقتصرت التغطية في التلفزيون الأردني، مثلاً، على بث برنامجين مدة الواحد منها لا تزيد على ربع الساعة. الأول من إعداد بكر خازر المجالي، بُث بعد نشرة الثامنة الرئيسية، والثاني عن الفنانيَن الفلسطينيين تمام الأكحل وإسماعيل شموط، بُث قبل نشرة السادسة مساء المحلية. هالة زريقات مديرة التلفزيون تقول إنها كانت "راضية" عن هذه التغطية، وتضيف: "قررت المؤسسة بث البرنامجين في ساعات الذروة، حيث أن دقيقة في هذه المساحة تغني عن برنامج من ساعتين في أوقات أخرى." زريقات تشير أيضا إلى أن تغطية التلفزيون الأردني تضمنت بثا لأغنية عن القدس للمطرب الأردني ناصر ارشيد.

أما عن حجم التغطية في الأخبار، فيقول مدير دائرة الأخبار فراس المجالي إنه "تم تخصيص 8 دقائق في نشرة الثامنة و 7 دقائق في نشرة الثالثة." هذه التغطية تضمنت تقريرا من دقيقتين ونصف عن النكبة بما فيها خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في هذه المناسبة بالإضافة إلى خبر عن فعاليات شعبية في مخيمات اللاجئين في الأردن. ويضيف المجالي أن "التغطية كانت خبرية بالنظر إلى المساحة المتاحة في نشرات الأخبار، وبالنظر إلى الأخبار الأخرى التي كان يجب تغطيتها مثل أحداث لبنان." ولهذا تم تخصيص برنامج كامل من ساعة ونصف الساعة ضمن برنامج "ملفات سياسية" الذي بث في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، واستضاف شخصيات من الأردن والضفة الغربية "لمناقشة القضية الفلسطينية في ضوء النكبة."

كان لافتا أيضا في التغطية التلفزيونية أن خلا برنامج "يسعد صباحك" من فقرات خاصة بالنكبة، وهو البرنامج الذي يلقى رواجا شعبيا بحسب استطلاعات الرأي. معد البرنامج ناجح أبو الزين اعتبر أن التلفزيون غطى ستينية النكبة من خلال برامجه، وأن برنامج يسعد صباحك تناول النكبة ضمن قراءة للصحافة اليومية في الساعة الأولى منه. ويضيف "البرنامج ترفيهي ثقافي منوع وغير سياسي"، على اعتبار أن تناول النكبة سيفتح الباب على السياسة.

رسميا أيضا، اقتصرت نشاطات دائرة الشؤون الفلسطينية التابعة لوزارة الخارجية الأردنية على مهرجان خطابي في مخيم البقعة، بالإضافة إلى أنشطة قامت بها لجان المخيمات مثل إقامة معارض للصور من وحي المناسبة. وجيه عزايزة مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية بوزارة الخارجية قال إن استذكار النكبة لا يتم بالضرورة في إطار "مظاهر احتجاجية عالية الصوت"، خاصة أن "الألم هو واحد بين كل الناس."

وعموما، فإن هذه التغطية الرسمية لستينية النكبة لا شك جاءت متواضعة دون المستوى المتوقع.

ويشير سعيد ذياب أمين عام حزب الوحدة الشعبية، في معرض الحديث عن الموقف الرسمي من أنشطة النكبة، إلى أن الحاكم الإداري (المحافظ أو المتصرف) حال دون إقامة كثير من الفعاليات. ويقول "كان من المفروض أن تسهل الحكومة كل أشكال الفعاليات لأن الأردن معني بالقضية وحق العودة، ولأنه قدم شهداء على أرض فلسطين في حرب 1948."

ويورد ذياب مثالا على ذلك بمنع محافظ العاصمة طلبا من حزب الوحدة بإقامة يوم مفتوح في ساحة مقابلة لمقر الحزب يتضمن فقرات من الشعر والأغاني واستحضارا للقطات من التراث.

مصدر في مكتب المحافظ أفاد للسّجل بأن قرار المنع جاء بناء على أن النشاط يقام في ساحة لا تتبع للحزب وسط أحياء سكنية مما قد يعيق حركة السير في المنطقة ويتسبب في إزعاج المواطنين. المصدر أشار إلى أنه لو أقام الحزب النشاط في ساحته لما استدعى ذلك في الأصل طلبا من المحافظ.

كان لافتا أيضا في هذا الإطار أن اعتقلت السلطات الأمنية ثلاثة شبان من حركة اليسار الاجتماعي أثناء توزيعهم ملصقات في منطقة حي نزال تدعو إلى المشاركة في ذكرى النكبة الستينية. الملصق كان دعوة لإطفاء نور المنازل نصف ساعة مساء يوم الخميس 15 أيار. المحامي سميح خريس الذي تولى الدفاع عن الشبان الثلاثة قال إن "الاعتقال يعتبر مخالفة قانونية ودستورية."

خالد الكلالدة الأمين العام لحركة اليسار الاجتماعي قال إن نسبة الاستجابة لهذه الدعوة وصلت إلى 80بالمئة في المناطق التي وزرع فيها الملصق، معتبرا أن عدم القدرة على تعميم الملصقات التي كانت تتعرض للتخريب في معظم الأحيان ساهم في عدم نشر هذه الدعوة.

فهد الخيطان الكاتب الصحفي الأردني يرى أن "ثقافة ترسخت في الإعلام الرسمي في اتجاه خطاب تقليدي يعتبر أن الكلام في موضوع النكبة أصبح محرما بعد معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية." لكن الخيطان يشير إلى "تميز" في تغطية الصحافة اليومية التي أفردت في صفحاتها وملاحقها أبوابا كاملة للنكبة من جميع جوانبها التاريخية والسياسية والثقافية. ويضيف: "التغطية الصحفية جاءت استثنائية مقارنة بسنوات سابقة،" ويرجع السبب في ذلك إلى أن الاهتمام العالمي بستينية "إقامة دولة إسرائيل" كان عاملا حافزا أثار اهتمام الصحافة الأردنية، "خاصة مع مشاركة الرئيس الأميركي في احتفالات إسرائيل، الأمر الذي استفز الإعلاميين الأردنيين حتى حاولوا تقديم شيء مغاير" للتغطية العالمية.

ويشير الخيطان أيضا إلى أن ستينية النكبة هذا العام تزامنت مع شعور عام "بفشل فرص السلام في المنطقة"، فاستعاد الناس دواعي الصراع الأساسية مع الإسرائيليين واستذكروا جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني.

لكن الكاتب الصحفي سميح المعايطة يعتبر أن إحياء الستينية جاء تقليديا ومكررا لم يقدم أي جديد لا من حيث الشكل ولا المضمون. ويقول "لم يلفت انتباهي شيء (فيما قيل أو كتب)، فلم يحول أحد الذكرى إلى حالة من التوعية السياسية ليستغل هذه الوقفة للحديث عن أين وصلنا اليوم أو ماذا حصل في موضوع حق العودة، ووضع القدس". ويضيف أن إحياء الذكرى بات ضربا من "رفع العتب" أو أداء الواجب الصحفي أو الشعبي، "فهناك حالة من الإحباط العام من المسار العربي الفلسطيني الإسرائيلي. فإسرائيل تملي شروطها، والفلسطينيون منقسمون على سلطة وهمية، ناهيك عن الانقسامات في العراق،" يضيف المعايطة. هذه الأحوال ولدت موقفا سلبيا في الشارع العربي والأردني، بحسب المعايطة الذي يشير تحديدا إلى ضعف المشاركة الشعبية حتى في المسيرات التي رخصت لها السلطات الأمنية.

المشاركة الشعبية أخذت كذلك منحى مغايرا لمفهوم الذكرى. فقد تحولت فعالية أقيمت في حرم الجامعة الأردنية إلى مشادات واشتباكات. موقع عمون الإلكتروني نقل عن شهود عيان أن ما حدث كان من باب "المزايدات السياسية التي أساءت للوحدة الوطنية الأردنية الفلسطينية."

وفي الأنشطة الجامعية أيضا، منعت جامعة فيلادلفيا إقامة فعاليات عن ذكرى النكبة. السجل حاولت على مدى أكثر من يوم الاتصال بعمادة شؤون الطلبة في الجامعة للوقوف على القرار الذي اتخذه العميد، غسان عبدالخالق، ولكن من دون أن نحصل على أي إجابة.

على أي حال، بدا أن القائمين على لجنة فلسطين في مجمع النقابات المهنية راضون عن حجم المشاركة الشعبية في الفعاليات التي أعدوا لها على مدى أسبوع كامل تحت عنوان "60 عاما، واقترب الفجر." الفعاليات تضمنت معرضا لصورة النكبة وبازارا خيريا وعروضا لفرق تراثية وندوة بعنوان "خنساوات في ذكرى النكبة"، استضافت خلالها أسيرات سابقات وأمهات شهداء وأخوات أسرى، بالإضافة إلى ندوة شارك فيها عضو البرلمان البريطاني جورج غالواي. القائمون على اللجنة يقولون إن حضور غالواي كان رمزيا حيث أن النكبة بدأت بوعد بلفور البريطاني الذي "أعطى من لا يستحق أرضا لا يملكها."

لكن وائل السقا نقيب الصيادلة يعتبر أن هذه المشاركة لا ترقى إلى مستوى الواقعة، إذ أن "كل مؤسسة قامت بما عليها فقط." ويعتبر السقا أن المشاركة التي قد ترقى إلى المناسبة تكون "بعصيان مدني على مستوى الوطن العربي كله."

هذا الشعور العام بعدم الرضا عن التعاطي مع ستينية النكبة سواء كان مقصودا أو غير مقصود، بات سمة سائدة في الشارع عموما. محمد خير شاب في السابعة والعشرين من عمره يقول إنه أصبح "يستنسخ" الذكرى من عام إلى عام، وأن الاستذكار صار "غير عملي" ولا يدوم في الأذهان أكثر من يوم في 15 أيار من كل عام. ويخشى محمد أن تصل الحال بالشعوب العربية إلى استحضار أكثر من نكبة في أكثر من مكان في لبنان والعراق والسودان، الخ، .

إحياء محدود لذكرى النكبة : تبرير رسمي وعدم رضا شعبي وتذمر حزبي
 
22-May-2008
 
العدد 27