العدد 27 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

ينذر انخفاض قيمة احتياطي المملكة من العملة الصعبة، بالتزامن مع تراجع قيمة الدولار الذي يشكل 80 بالمئة من احتياطي الاردن، أي بمعدل 20 بالمئة منذ العام الماضي ولغاية الآن، بإضعاف قدرات المملكة على تغطية فاتورة المستوردات التي زادت قيمتها بنسبة 38.4 بالمئة خلال الربع الاول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من عام 2007.

فبعد ان كانت الاحتياطيات تكفي لتغطية المستوردات مدة ستة أشهر، باتت لا تكفي الا لمدة ثلاثة اشهر و20 يوما، كما يقول الخبير الاقتصادي يوسف منصور، الذي يحذر من التداعيات السلبية لهذا الانخفاض، مع متابعة الدولار رحلة هبوط قيمته التي بدأها منذ أكثر من سنتين.

بلغت احتياطيات الاردن من العملة الصعبة سبعة بلايين دولار قبل اتفاقية اعادة شراء الدين الخارجي، التي تهدف لخفضه بنحو عشرة بالمئة، اذ انخفضت إلى 4.9 بليون دولار، ثم عاودت الارتفاع لتصل 5.7 بليون دولار بزيادة مقدارها 800 مليون دولار.

بالنظر إلى قيمة المستوردات، التي بلغت خلال العام الماضي 9.6 بليون دينار، أي بمعدل 800 مليون دينار شهريا، وارتفعت خلال الربع الاول من العام الحالي بنسبة تقارب 40 بالمئة عن تلك الفترة، فإن هذا يعني أن قيمة ما تدفعه الخزينة منذ بداية العام الحالي وحى الآن يبلغ 1.0123 بليون دينار شهريا، أي 1.5 بليون دولار شهريا.

وبقسمة قيمة الاحتياطي المتوفر الان، والبالغ 5.7 بليون دولار، على قيمة المستوردات، يتضح أن الاحتياطي المتوفر يكفي لتغطية قيمتها لمدة ثلاثة أشهر وعشرين يوما.

منصور يؤكد ان استمرار تراجع الدولار يعني ان الاحتياطي سيتراجع هو الاخر، ما يعني تقليص مدة التغطية بأكثر مما هو عليه الآن، وهي مدة قريبة من حد الخطر التي حددها صندوق النقد الدولي بثلاثة اشهر فقط.

التراجع الحاصل في قيمة الاحتاطي، كما يقول محافظ البنك المركزي، مرتبط بسحب 1ر2 بليون دولار في 31 آذار/ مارس الماضي بموجب اتفاق اعادة شراء ديون مع نادي باريس للحكومات الدائنة.

يضيف: <>بعد عملية اعادة شراء الديون نزلنا الى 2ر5 بليون دولار في 31 اذار/مارس. والان نحن فوق الستة بليونات دولار، وهذا يعني أن هناك طلبا قويا على الدينار الاردني من تدفقات السياحة أو الاستثمار المباشر أو تحويلات العاملين بالخارج>>.

طوقان يرى أن الاحتياطات الأجنبية، التي تراجعت بعد إعادة شراء الدين الى مستوى يغطي واردات أربعة أشهر، لا تزال في حالة جيدة.

منصور يؤكد على أهمية دور الاحتياطي في تغطية قيمة واردات المملكة، التي زادت بمعدل 38.4 بالمئة خلال الربع الاول من العام الحالي، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وخدمة ديونها الخارجية كما انها تحدد قيمة الدينار، اذ درجت الدول على قياس قوة اقتصادها بمقدر احتياطي «المركزي» فيها من العملات الاجنبية.

تشير البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة إلى إرتفاع قيمة الصادرات الوطنية خلال الربع الأول من عام 2008 بنسبة مقدارها 11.5 بالمئة، والمعاد تصديره بنسبة 65 بالمئة، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2007، وفي المقابل ارتفعت قيمة المستوردات بنسبة 38.4 بالمئة خلال الربع الأول من عام 2008.

أما العجز في الميزان التجاري، والذي يمثل الفرق الناتج عن طرح قيمة المستوردات من قيمة إجمالي الصادرات الكلية،  فقد ارتفع خلال الربع الأول من عام 2008 بنسبة مقدارها 53.4 بالمئة عما كان عليه خلال الفترة ذاتها من عام 2007، وبذلك تصل نسبة تغطيه الصادرات للمستوردات إلى

40.8% خلال الربع الأول من عام 2008.

بحسب منصور يتشكل الاحتياطي من تحويلات الاردنيين، التي تلعب دورا بارزا في الزيادة التي حققها احتياطي المملكة من العملات الصعبة، وذلك نظرا لتزايد اهميتها النسبية بالقياس الى المصادر الاخرى، إذ أصبحت تحتل المرتبة الثانية بين مصادر المملكة من العملات الاجنبية بعد عائدات الصادرات السلعية، وأدى ارتفاع اهميتها الى تراجع الاهمية النسبية لبند المساعدات، بالإضافة إلى أهمية هذه التحويلات في ميزان المدفوعات.

يوضح منصور ان تحويلات العاملين في الخارج اسهمت الى جانب المساعدات والمنح في التقليل من لجوء الاردن الى الاقتراض الخارجي. بلغة الارقام يوجد في الخارج أكثر من 450 ألف عامل وموظف ورجل أعمال أردني، منهم 160 الفا في دول الخليج، ويوجد في الاردن اكثر من عامل 314 الف عامل وافد حصلوا على تصاريح عمل، والرقم يرتفع بحسب مصادر غير رسمية.

يقدر حجم القوى العاملة الاردنية بالمملكة بنحو 1.4 مليون عامل وعامله، وما زال معدل المشاركة الاقتصادية الخام «قوة العمل منسوبة إلى مجموع السكان» متدنيا ويبلغ 24,8 في المائة.

يبلغ ما يتقاضاه العاملون في الخارج من رواتب نحو 2,5 بليون دولار، لكن التحويلات الواردة عن طريق البنوك التجارية والصرافين والتي يتضمنها ميزان المدفوعات الأردني، لا تعكس كامل التحويلات التي تتم من الخارج، فهناك طرق أخرى تتم بها التحويلات، مثل الحوالات البريدية، والشيكات السياحية التي يصطحبها القادمون معهم من الخارج، ثم الحوالات التي تاتي نقدا مع القادمين، ومعظم هذه التحويلات لا تدخل في حسابات البنك المركزي.

تدفق الاستثمار يعد احد مكونات الاحتياطي بحسب محافظ البنك المركزي امية طوقان، الذي يقول إن احتياطيات الأردن من العملة الاجنبية زادت بما لا يقل عن 800 مليون دولار في أقل من شهرين لتصل الى ستة بليونات دولار بعد دفع 1ر2 بليون دولار منها لتمويل اتفاق اعادة شراء ديون.

يتفق طوقان مع منصور بأن قوة التدفقات الرأسمالية على البلاد من الاستثمارات الاجنبية المباشرة والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج ساعدت في تعويض تراجع الاحتياطيات

يحافظ البنك المركزي منذ فترة طويلة على سياسة ابقاء أسعار الفائدة مرتفعة للمحافظة على جاذبية الاصول المقومة بالدينار الاردني من أجل كبح أي تحول زائد في السوق الى الاصول الدولارية.

كذلك، يعبر الاحتياطي عن ضمان للأمن المالي والمصرفي، وهذه مسألة مفصلية، إذ أنها تمكن البنك المركزي من استخدام ما لديه من وفرة في العملة الصعبة لمواجهة الأخطار المصرفية التي قد تطرأ في الحروب، الظروف الاستثنائية، وقوع الكوارث الطبيعية.

كما توفر احتياطيا مناسبا يساعد أي اقتصاد على التعاطي مع التغيرات الطارئة على وضع الاقتصاد العالمي، أو سحب المستثمرين الأجانب لجزء كبير من استثماراتهم.

زيادة الاحتياطي، تلعب دورا مهما في تثبيت قيمة الدينار في حال مواجهة العملة المحلية للبلاد لاي اخطار من شأنها خفض قيمة سعر صرفها، كما انها تزرع الثقة في نفوس المستثمرين الاجانب بالامن الاقتصادي للدولة وبقيمة واستتباب سعر صرف عملتها المحلية ، ويمكن زيادة قوة التأثير المصرفي والمالي للدولة في الانشطة الاقتصاديــة الدولية، ويعطيها المزيد من حق الكلام في المنظمات الاقتصادية الدولية.

في السابق شاعت نظرية تقول إنه إذا كان احتياطي العملة الصعبة للدولة يكفيها لتغطية اجمالي وارداتها لثلاث أشهر، فهي علامات ايجابية ومؤشرات مرضية. أما اليوم، وفي ظل العولمة الاقتصادية،  فان انشطة المدفوعات الدولية  في غاية من التكثف والتعقيد، والأمن المصرفي والمالي للدولة يمكن ان يتعرض للتحديات في اي وقت كان، لذا  فان الدولة في حاجة الى امتلاك حجم آمن من العملات الصعبة  لكي تستطيع ضمان وتأمين اّدائها المالي والاقتصادي بشكل اعتيادي.

لكن البنك ما زال يدرس خفض حصة العملة الاميركية من احتياطياته الاجنبية الى 50 بالمئة من 70 بالمئة لصالح عملات أخرى والذهب.

اذا رأينــا الأمر من منظور آخر، فإن سياسة تشجيع الصادرات لكسب العملات الصعبة واستقطاب الاستثمارات في حاجة ماسة الى تعديلات مناسبة، في الوقت الذي يزيد فيه حجم الواردات من الخارج، وبذلك يتحقق التوازن بين العائدات والنفقات الدولية.

فمن خلال ادخال تعديلات على سياسة ادارة العملة الصعبة، ينبغى تخزين قدر كبير من العملات الصعبة فى الشركات و المصارف التجارية ولدى الافراد، أى تخزينها لدى القطاع المدني، لتشكل عوامل تقوية للاقتصاد الوطني في هذه الظروف الصعبة.

تدني احتياطي العملات الصعبة ينذر بمشاكل اقتصادية
 
22-May-2008
 
العدد 27