العدد 27 - كتاب
 

ارتفع الصخب، وعلا صهيل سيوف الاتهامات، وعجاج الكلام قبل أيام حول إشاعة بيع الحكومة لموقع مهم في الأردن كعقار لمستثمر كبير...هل كان كل هذا في محله، وهل يحق للحكومة بيع أراضي الأردن للمستثمرين؟

يكمن دور الحكومة، حسب منظور عالم الاجتماع ويبر، في انها المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تنفذ ما يحدد من أنشطة لوحدات ومؤسسات الامة لتحقيق التناغم الاجتماعي والاقتصادي والحقوقي وحق التمثيل والدور الاهم في المجتمع. وبهذا فإن الحكومة كخادم لعامة الشعب، تعمل من أجلهم بهدف ادارة مصالحهم ليتفرغوا هم للانتاج والعمل، وليس العكس، اذ انها مسؤولة أمام الشعب في جميع قراراتها.

من المعروف أن القرارات والسياسات العامة توضع في الدول الديموقراطية وفق أسس غير موضوعية، بينما تصاغ السياسات حسب أسس موضوعية في الدول السلطوية أو غير الديموقراطية. لا تستغرب، ففي المجتمعات الديموقراطية يكون هناك أصوات كثيرة ومعارضة من قبل الأحزاب المناوئة، ومصالح خاصة تصارع مؤسسات المجتمع الدولي ومراكز الفكر، فتصغي الحكومة للعديد من الأصوات، وتسايرها فتكون القرارات أحيانا غير موضوعية ولا تعتمد الارقام والمكاسب الواضحة فقط. بينما في البلدان التي ترزح تحت وطء الدكتاتورية، فكل ما تحتاج اليه الحكومة مجموعة من الارقام والاحصائيات وأحيانا الدراسات الموضوعية لتصيغ قراراتها، دون أن تستمع لأحد.

درجت العادة في الأردن على أن يكون البرلمان حسيبا للحكومات في ما تصول وتجول به من قرارات، وأوجد الاردن من أجل ذلك مؤسسات تحاسب الحكومة وتراقب أدائها. وفي الوقت ذاته، فإن المجتمعات المتقدمة تعتمد النقد الموضوعي، وحين يصبح النقد قذفا واتهامات شخصية يحق للمتضرر مقاضاة اصحاب هذه الاتهامات للحصول على حقهم أيضا، لأن النقد حين يكون شخصيا، يصبح أسهل من غيره بكثير، لكنه مرفوض إذا لم يكن مدعما بالبينات والحقائق، وبهذا يصبح انتقاصا من حق العاملين والمنتجين في البلد.

في الأردن جرت العادة ان تعلو اصوات تنادي بعدم توجيه الانتقادات للسياسات خوفا من ان تبثه الفضائيات وتستخدمه للتشهير بالأردن، بحجة ان النقد ولو كان بناء فانه يسيء الى سمعة الاردن. غير أن هؤلاء الحماة والغيورين على «مصلحة» البلد يتكسبون أيضا ومن هذه الحماية حين يعمدون الى إخفاء الحقائق وكنسها تحت البساط. وعلى الرغم من أنهم يخدمون الأردن على المدى القصير، فإنهم لا يؤدون خدمة لاقتصاد يريد المنافسة في زمن العولمة ويضرون بأجياله القادمة مقابل مكتسباتهم الملحوظة.

عودة الى السؤال الذي عنون به هذا المقال، وهو: هل من حق الحكومة بيع الأراضي وممتلكاتها؟ نعم، فالأراضي ما هي الا وأد لمدخرات الأردن، وهي ممتلكات للدولة مثلها مثل البوتاس والاتصالات وغيرها مما جرى بيعه. ومثل ما جرى في مجمل عمليات التخاصية، يجب أن يتم نقل الملكية من خلال أطر المنافسة والشفافية، والمشاورة «واجعلوا أمركم شورى بينكم»، وإلا فإنه يصبح مصدرا للجدل والطعن والكثير من الاتهامات التي قد لا تلزم، وتضر ولا تفيد... إلا في الإساءة الى الذين يعملون.

هنالك أمثلة كثيرة على بيع الحكومات للأراضي التي تملكها، وعادة ما يصاحب البيع اسئلة تنموية هامة. فعلى سبيل المثال حين باعت تونس لشركة إماراتية 22 الف دونم في أجمل مناطق تونس، باعت هذه الاراضي بأسعار لا تتجاوز الدولار للمتر الواحد، وكانت أسئلتها ما يلي:1. كم وظيفة ستنتج عن هذا الاستثمار؟ الإجابة: 140 الف وظيفة. 2. كم من المال المستثمر سياتي من خارج تونس لكي لا يسحب الاستثمار السيولة من السوق؟ كانت الاجابة بأن معظم هذا المال سيأتي من خارج تونس، وبذلك سيزداد المخزون من العملات الصعبة، ولا يزاحم المستثمر الأجنبي المحلي في الاقتراض من البنوك، وتزداد حصيلة الاستثمارات الكلية والطلب على الدينار التونسي. 3. ماذا سيحصل للدخل المتحقق والارباح الناتجة عن الاستثمار، وهي عادة تفوق خمس اضعاف الاستثمار؟ معظم هذا الربح سيعاد استثماره في تونس.

أما دبي فإنها تعرض قطعة أرض على المستثمرين بأسعار رمزية، مقابل تقديم عروض للمشاريع لتنفيذها عليها، ويتم اختيار الاستثمار الافضل لدبي والذي يأتي بمردود تنموي أكبر.

حين تسأل الحكومات مثل هذه الأسئلة وتأتي بالافضل للبلد، وتتم العملية بشفافية ومشاورة ومن خلال عروض تنافسية، تحمد الحكومات ويحق لها أن تبيع ما تشاء، مع وافر الشكر والامتنان.

يوسف منصور: هل يحق للحكومات بيع الأراضي؟
 
22-May-2008
 
العدد 27