العدد 27 - اعلامي
 

راوحت التغطية الإعلامية للأحداث التي جرت في العاصمة اللبنانية خلال الأسبوعين الماضيين في بيروت وامتدت لاحقا إلى طرابلس وجبل لبنان بين التأييد للأكثرية أو المعارضة. ولم تختلف في ذلك أيضا مقالات كتاب الأعمدة في الصحف اليومية والمواقع الإخبارية.

الصحف اليومية الرئيسية انقسمت بين مؤيد للأكثرية كما هو حال يومية «الرأي»، وبين متعاطف مع المعارضة كما هو حال يومية «العرب اليوم»، فيما اختارت يومية «الدستور» موقفا حياديا من الأحداث فظهرت مقالات مؤيدة لهذا الطرف أو ذاك. وتناول كتاب المقالات في يومية «الغد» الأحداث كل على طريقته ومشربه ومدرسته الفكرية، وان غلب التعاطف مع الأكثرية على معظم مقالات الصحيفة.

تناولت كل وسيلة إعلامية الحدث بطريقتها ووفق سياستها التحريرية الداخلية مع قراءة لا تعكس ما حدث على مجمل الوضع في المنطقة، وتخندق كل طرف من أطراف الصراع اللبناني وراء المحور الذي يمثله في المنطقة.

أطراف الصراع اللبناني ينطلقون من نقطتين مختلفتين؛ الأكثرية محسوبة على محور الانفتاح العربي - الغربي الذي تمثله السعودية ومصر والأردن، فيما تمثل المعارضة محور سورية وإيران المعارض لهما.

«الرأي» تناولت الأزمة اللبنانية من خلال افتتاحياتها أربع مرات وأعادت في كل مرة الدعوة للحوار وتغليب صيغة «لا غالب ولا مغلوب» اللبنانية الشهيرة.

وهي قالت في إحدى افتتاحياتها « ... استعادة الثقة أو إعادة بنائها لا يتم بغير الحوار الذي يفتح الطريق على تنازلات متبادلة تسمح لكلا الطرفين بالقول لأنصاره إنه حقق أهدافه وأن صيغة العيش المشترك وضرورة المحافظة على السلم الأهلي وضمان وجود لبنان والحؤول دون تقسيمه أو سقوطه في هوة الفتنة الطائفية أو المذهبية تفرض على الجميع الالتزام بمبدأ الشراكة، دون هيمنة أو إلغاء أو إقصاء أو استئثار بالسلطة، أو محاولة فرض الآراء بالقوة، لأن لا سبيل إلى تداول سلمي للسلطة في لبنان بغير العودة إلى التقاليد اللبنانية العريقة التي تقوم على تمثيل كل الطوائف والمذاهب والأعراق، عبر قانون انتخاب يجب وبالضرورة أن يصبح عصريا».

كتاب الصحيفة كانوا أكثر وضوحا في مواقفهم من الرأي الوارد في المقال الافتتاحي لصحيفتهم، فالكاتب الصحفي ووزير الإعلام الأسبق صالح القلاب كتب حتى بداية الأسبوع الجاري 7 مقالات حول الموضوع اللبناني كانت عناوينها كالتالي «ما بعد الدوحة» و «غالب ومغلوب» و «أين العرب» و «إنه عار» و «سقوط حزب الله» و «أية مقاومة»، فيما ابتدأ سلسلة كتاباته حول القضية بمقال بعنوان «على ماذا يراهن المزايدون».

مقالات القلاب حملت نقداً لاذعاً لحزب الله والمعارضة اللبنانية. قال في إحدى مقالاته السبع «.... الانتصار الإلهي الذي حققه حزب الله يومي الخميس والجمعة الماضيين على شوارع بيروت الغربية وعلى التلفزيونات والصحف والوسائل الإعلامية التي لا تسبح بحمده ولا تسجد لتوجيهات الولي الفقيه في طهران وترفض أن تستظل بظل فسطاط الممانعة والمقاومة لا يشبهه إلا ذلك الانتصار الذي حققته حركة أمل بقيادة نبيه بري ، على المخيمات الفلسطينية بعد حصار ظالم استطال إلى أن اضطر أهلها إلى إباحة أكل الموتى والقطط والكلاب، وذلك الحصار الذي فـُـرض على ياسر عرفات في العام 1983 في مخيمات الشمال اللبناني بـ ديكور فلسطيني معروف ومعروفة أدواره ومن غير المستبعد أن ينضم لحرب حسن نصر الله هذه لتوريط الفلسطينيين في معركة ليست معركتهم» .

وكتب عبد الله أبو رمان في الصحيفة ذاتها مقالا بعنوان «انقلاب حزب الله انقلاب على الذات»، ذهب فيه مذهب القلاب من حيث نقد المعارضة اللبنانية.

رئيس مجلس إدارة الصحيفة فهد الفانك كتب مقالين حول القضية الأول بعنوان «عندما يحرق اللبنانيون وطنهم»، والثاني بعنوان «عصر المليشيات» قال فيه « .... ما حدث بعد النصر الإلهـي في تموز 2006 أن حزب الله انسـحب من جنوب لبنان وأخلاه للقوات الدولية، وتوقف عن القيام بدور المقاومة، واستدار شـمالاً إلى بيروت، وأصبح مقاومة للحكومة اللبنانية وليس لإسرائيل، وبقوة السلاح سيطر على الوسط التجاري بحجة الاعتصام، وأغلق مجلس النواب، وشل الحكومة، وحال دون انتخاب رئيس للجمهورية، وأخيراً احتل بيروت وسجل انتصاراً إلهياً آخر، ولكن على الطائفتين السنية والدرزية».

باقي كتاب الصحيفة تناولوا الحدث في مقال أو اثنين من زاوية الدعوة إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الضيقة وأهمية الوصول إلى اتفاق يرضي مختلف الفرقاء.

يومية «العرب اليوم» تناول كتابها الحدث من زاوية مختلفة عن اقرانهم في «الرأي» فرئيس تحرير الصحيفة طاهر العدوان كتب في القضية مقالين حمل الأول عنوان «المهمة المستحيلة لوزراء الخارجية العرب» قال فيه «الانهيارات تتوالى فوق الرؤوس، وحدهم وزراء الخارجية يعيشون حالات انفصام عندما يلتقون تحت قبة الجامعة، (...) لم يقرؤوا الواقع في لبنان جيدا، لان معظمهم اختار التعامل مع الأزمة من باب الانحياز لمعسكر دون آخر، ضاربين عرض الحائط بحقيقة أن معسكر الموالاة في بيروت يراهن علناً على تحالف أميركي يؤدي بالضرورة إلى تهديد مصير المعارضة، أو الجزء الأكبر منها المسمى مقاومة، فأميركا تريد شرقا أوسط جديدا من بوابة لبنان بعد أن سدت أمامها فرص إقامته من البوابة العراقية، شرقا أوسط تكون فيه الخريطة السياسية في المنطقة تحت وصاية عسكرية وأمنية واقتصادية أميركية – إسرائيلية».

مقال العدوان الثاني حمل عنوان «أخطاء الأكثرية في بيروت». وربما كان في عنوان المقال ما يشير إلى الطريق الذي سلكه الكاتب في تناول الحدث إذ قال في بعض منه «سؤال منطقي: إذا كانت الأكثرية الحاكمة في لبنان قد انهارت ميدانياً بهذه السرعة القياسية أمام قوات المعارضة، فعلى ماذا كانت تراهن في تشددها المتعنت وقراراتها التصعيدية؟ ومن يتابع تطورات الأزمة في لبنان يجد أن كل خطوة تصعيدية في الأزمة جاءت بعد قرار - فيه نَفْس التحدي - من حكومة السنيورة».

الكاتب فهد الخيطان من الصحيفة ذاتها لم يختلف في رؤيته عن العدوان فكتب مقالا بعنوان «أحداث بيروت.. دروس وعبر للمعتدلين» قال فيه «ما حدث في بيروت كان بمثابة درس بليغ لقوى 14 آذار وكل المراهنين على دعم الخارج أو الذين يستمدون قوتهم من تحالفات مع أميركا. فالقوة العظمى ومعها مؤيدوها في العالم لم يكن باستطاعتهم حماية الحريري في قريطم أو منع المعارضة من اقتحام السرايا. قوانين الصراع الداخلي اللبناني هي وحدها التي حكمت اللعبة الخطرة».

لم تختلف مقالات باقي كتاب الصحيفة؛ محمد كعوش موفق محادين وآخرون، عما أشار إليه العدوان وخيطان في مقالاتهم، وان تناول كل منهم القضية من بعد مختلف.

يومية «الدستور» بدت أكثر ميلا إلى التوازن في تناول الشأن اللبناني من خلال تكريس الدعوة للحوار والذي غلب على مجمل مقالات كتاب الصحيفة، ابتداء من افتتاحيتها التي دعت إلى الحوار في أكثر من مناسبة، إلى مقالات كتابها من أمثال عريب الرنتاوي وجورج حداد الذي بدا أميل إلى المعارضة من الموالاة في بعض ما ذهب إليه.

الصحيفة تناولت الحدث اللبناني في ثلاث افتتاحيات لها قالت في إحداها «في هذا الصدد لا بد من التأكيد على أن الشعب اللبناني الشقيق والأمة كلها، تتمنى على المؤتمرين ألا يضيعوا هذه الفرصة الثمينة والأخيرة للحوار، وان يتفقوا على تغليب لغة العقل والمنطق، بعد أن ثبت أن الخاسر الوحيد من استمرار هذه الأزمة هو لبنان واللبنانيون، وألا بديل عن التعايش السلمي، بعد أن ثبت أنه القادر على حماية الديمقراطية والتعددية والحفاظ على وحدة لبنان وأمنه واستقراره».

يومية «الغد» تقاسم كتابها تأييد فئة على الأخرى فكتب رئيس تحرير الصحيفة السابق أيمن الصفدي مقالا بعنوان «احتلال بيروت» قال فيه «مفجع حجم المنحدرات التي انزلق إليها حزب الله. المقاومة التي استحقت ذات يوم احترام كل العرب لتصديها للعدو الإسرائيلي استحالت ميليشيا تقتل الأبرياء وتعتدي على وسائل الإعلام وتقود انقلابا عسكريا على الدولة. ولن تنفع خطابية حسن نصر الله وكل ادعاءات الوطنية في تجميل المشهد البشع الذي تشهده حواري بيروت. سقطت صورة حزب الله في شوارع بيروت. فأي وطنية تلك التي تبيح تدمير لبنان لحساب إيران؟ وأي قدسية لسلاح سمح اللبنانيون لحزب الله بتكديسه لمواجهة العدو فإذا به يوجه إلى صدورهم»

الكاتب في الصحيفة ذاتها ياسر أبو هلاله تناول القضية من زاوية مختلفة عن الصفدي وعلق على بيان أرسله مثقفون وسياسيون ونقابيون ووزراء سابقون أردنيون لحزب الله معلنين تأييده بالقول «رفض البيان تصنيف المعركة الدائرة في لبنان وفق أسس «مذهبية أو طائفية أو إقليمية لأن المعركة تدور في حقيقتها حول كيفية تشكيل الوطن العربي والأمة العربية، هل يتشكلان وفق إرادة ومصلحة الأمة العربية أم وفق إرادة ومصلحة أعداء الأمة العربية. ويصنف المعركة «بين قوى المقاومة والمواجهة والاستشهاد وبين قوى الهيمنة والأمركة والتهويد والاستسلام، لذلك فإننا ونحن نعي أن المقاومة هي البديل العربي في مواجهة البديل الصهيوني– الأميركي فإننا بنفس الوقت على قناعة تامة بأن المقاومة والصمود العظيمين في لبنان وفلسطين والعراق تتبناها كتل شعبية عربية وعالمية كبرى تشكل مصدراً لقوتها وانتصارها، ويكفينا شرفاً أننا ننتمي إلى أمة فجرت أعظم مقاومة للاحتلال عرفها القرن الواحد والعشرون وأواخر القرن العشرين».

الكتاب جميل النمري وحمادة الفراعنة ومحمد أبو رمان ذهبا مذهب الصفدي في توجيه النقد للمعارضة على استباحة بيروت وطرابلس والجبل، بيد أن الكاتبين سميح المعايطة وجهاد المحيسن تحدثا عن أهمية تغليب الحوار والعودة إلى العقل وترك النزاع المسلح محذرين من الدخول في حرب أهلية.

المقالات التي ظهرت في المواقع الالكترونية لم تختلف كثيرا عن مقالات كتاب الصحف وتحليلاتهم من حيث تناول الأزمة والتعامل معها والتصفيق للموالاة حينا والرقص على إيقاع انتصار المعارضة أحيانا أخرى.

أحداث بيروت بين المعارضة والأكثرية بدأت في 7 أيار / مايو على خلفية إضراب عام طالب بزيادة الأجور في مواجهة ارتفاع الأسعار دعا له اتحاد عمال لبنان، ما لبث أن تطور إلى اشتباكات واقتحامات بعد صدور قرار حكومي قضى بإغلاق شبكة اتصالات خاصة يديرها حزب الله بجنوب لبنان وبعض أحياء جنوب بيروت، وآخر بنقل مدير الأمن في مطار بيروت الدولي العقيد رفيق شقير من موقعه.

 تخطى القتال حدود العاصمة اللبنانية وامتد إلى طرابلس في الشمال وجبل لبنان، ما زاد من مخاوف من تطور العنف إلى حرب أهلية حقيقية. وقد أسفرت الاشتباكات عن مقتل 81 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 250 آخرين.

استدعى ذلك تحركا عربيا نتج عنه تشكيل لجنة وزارية عربية ثمانية برئاسة رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم، وانتقل الفرقاء اللبنانيون إلى العاصمة القطرية للجلوس إلى مائدة حوار وإزالة المظاهر المسلحة كافة من بيروت والمدن والقرى الأخرى.

بالمجمل تعامل الإعلام الأردني مع أحداث لبنان كلٌ بحسب مشربه وكل كاتب مقال بحسب أولوياته وقراءته للإحداث، ومن منظار مختلف كليا عن منظار زميل آخر له، ووفق المدرسة الفكرية التي ينطلق منها كل واحد منهم.

المشهد الإعلامي ينقسم بين مؤيد للأكثرية ومتحمس للمعارضة اللبنانية
 
22-May-2008
 
العدد 27